الإمارات.. السوق السوداء للنظام العربي!

 

لا شكّ أن التمكين السياسي والاجتماعي للكيان الصهيوني يستند على عدم استقرار البيئة الجغرافية والاجتماعية المحيطة بالأراضي الفلسطينية المحتلّة، في المقابل إنّ المجتمعات العربية المحيطة بالكيان لا يمكن أن تتطور إلّا بخلق الاستقرار الاجتماعي والسياسي، مما يدلّ على أنّ الأساس الوجودي لكلا الطرفين يقوم على أساس تناقضي، فالعلاقة بين الاحتلال الإسرائيلي وشعوب المشرق علاقة وجودٍ أو عدم، أمّا العلاقة بين الاحتلال الإسرائيلي وأغلب أنظمة الدول في المشرق العربي، هي علاقة طردية فكلّما تمكّن الاحتلال أو الكيان الإسرائيلي تمكّنت الأنظمة، وكلّما تمكّنت الأنظمة تمكّن الاحتلال!، وهذا ما يفسّر دافع دعم الأنظمة الحليفة للكيان الإسرائيلي لترويج خطاب “المقاومة المفلسة” وتمكين أنظمة الممانعة والمقاومة السلكونية أمثال حزب الله والأسد وغيرهما من الكيانات الوظيفية الأشبه بأنظمة “الأنتي فايروس” المسؤولة عن حماية نظام الكياني الإسرائيلي ، من الاختراق أو الانهيار. ومن جانب آخر أن استراتيجية ترميز المقاومة وحصرها بجماعات معيّنة ناتجة عن إرادة سياسية مرتهنة للغير هو احتلال لحيّز الرمزية ومصادرة اجتماعية لاحتمالية ولادة الواقع العربي والإسلامي لحوامل سياسية واجتماعية تحمل لواء المقاومة المدنية والعسكرية المستقلّة النابعة من تصورات ومفاهيم دقيقة قادرة على بناء الذات الاجتماعية والسياسية والفكرية بالتوازي مع مصارعة النقيض أو المحتل السياسي!

وظيفة الأنظمة

ويكشف السياق السياسي العربي أنّه إذا أرادت الدول الفاعلة والمؤثّرة _جدلاً_ تحقيق السلام الشامل في المشرق والشام ما بين المحيط العربي والكيان الإسرائيلي فإنّها قادرة وتمتلك أدوات فرضه وبشكل مباشر على أغلب الأنظمة العربية، لكن ما يبدوا انطلاقاً من واقع الحال في الوقت القريب أنّ الاحتلال الإسرائيلي والشركاء المساهمين فيه هم الذين لا يسعون إلى السلام، لأنّه ببساطة كما أسلفنا إنّ وجود الكيان يتغذّى على عدم استقرار المحيط بعكس الوجود العربي المضطرب بسبب عدم استقرار المحيط والذات، وهنا تتركز وظيفة أغلب الأنظمة العربية في تغذية الصراع الكفيل بإضعاف شعوبهم الأسيرة المستضعفة وتمكين الكيان وتحويله لأقوى قوّة عسكرية وسياسية واقتصادية في المشرق العربي.  فلو كان هناك صراعٌ بين الدول العربية “المقاومة” والكيان الإسرائيلي لكان أقلّها حال الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بين جانبي الصراع متقارب لحدّ ما، لكن الواقع يبيّن أنّ الفرق هائل بين الجانبين، فالكيان الإسرائيلي _بعكس المحيط العربي_ هو كيان مستقر ومستقل بكل ما تعنيه الكلمة رغم أنّه من المفترض بأنّه يعيش حالة مواجهة مع الأنظمة العربية، لكن واقع الأمر أنّ راتب الموظّف في الكيان وصل لأعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم، فيستطيع موظفهم أن يشتري قطيعاً من الغنم كل شهر، في الوقت الذي وصل فيه راتب المواطن السوري كأنموذج عن باقي الدول المثيلة في ظل حكم النظام المقاوم الحالي لأقل معدّل اقتصادي في العالم، بحيث لا يستطيع من خلاله أن يشتري أكثر من 2 كغ من اللحم!، ما يخلق لدينا استفهاماً بدهياً عن نوعية المقاومة التي تمارسها الأنظمة ضدّ الاحتلال والكيان الإسرائيلي!

وعليه يخلق هذا الواقع سؤالاً بدهياً وهو لأي مدى ربما يكون السلام اليوم هو لصالح الشعوب العربية لتتجه نحو الاستقرار والاستقلال، أم أنّه مازال مطلباً مستحيل التحقيق في ظل الأنظمة العربية الحالية لأنّه يتعارض مع أساس عدم الاستقرار الذي يقتات وجود الكيان الإسرائيلي عليه وبطبيعة الحال يقتات وجود أغلب الأنظمة العربية عليه، فلا شكّ أنّ حقيقة الصراع اليوم هو حرب من طرف واحد وموت من طرف واحد وتخلّف من طرف واحد وجهل من طرف واحد بل وتصب كلّ نتائجه الإيجابية في صالح الكيان الإسرائيلي والأنظمة العربية والداعمة وليس الشعوب التي تحوّلت بدورها لسوق سياسي مغيّب وظيفته استهلاك السلاح بهدف الحد من استقرار وتطور حضارته وليس لكسر قضبان الأسر وحكم الذات الاجتماعية وتحقيق الاستقرار والمقاومة بكافة أشكالها المدنية والحضارية ومن ثمّ الاستقلال الحضاري.

السوق السوداء:

وهنا يأتي السؤال.. إذن ماذا عن اتفاقية السلام الحاصلة بين الإمارات والكيان اليوم، هل تدلّ على أنّ الكيان الإسرائيلي يتجه نحو تحقيق السلام الشامل في المشرق العربي؟، بالتأكيد لا يمكن له أن يخاطر أو يقامر بهذه الخطوة المجنونة، فهو الخاسر الثقافي والاجتماعي والسياسي الوحيد في معادلة السلام، وما جرى بين الطرفين لم يجر بين حضارة وأخرى أو شعب وآخر بل جرى بين شركات تجارية، شركة غربية مساهمة هي الكيان وأخرى عربية غربية مساهمة هي الإمارات، فالسلام هو بين شركات عملاقة لا بين بلاد وحضارات وشعوب حيّة على الإطلاق، لذلك لم تكن سوريا أو العراق أو اليمن بل كانت الإمارات القوية الحاضرة اقتصادياً لكنّها الضعيفة سكانياً والمغيّبة اجتماعياً وفكرياً وأسرياً، ما نشاهده اليوم بين الجانبين لا يعدو كونه مراسم صفقات تجارية أبعد ما تكون عن السلام!. من جهة أخرى إنّ السلام الجاري بين الطرفين هو ليس بين الإمارات والكيان بل بين العرب والكيان الإسرائيلي، وما قامت به الإمارات العربية هو بمثابة فرض كفاية عن باقي الدول العربية والخليجية، ولكن تشكل الإمارات اليوم سوق السوداء  السياسي والاجتماعي والديني لباقي الأنظمة العربية كما شغلت سابقاً سوق السوداء الاقتصادي لمالكي رؤوس الأموال في العالم، وعليه فالإمارات لا تنفصل عن سياق باقي الدول العربية بل هي الوجه السياسي والثقافي الحقيقي لأغلبها وما سواها أقنعة وظيفية تسقط وتتبدّل تبعاً للمواقف وفي الزمن والوقت السياسيين المناسبين.

في نهاية المقال لا شك أنّ السلام العربي الشامل مع الكيان الإسرائيلي في ظل حكومات وأنظمة عربية مستقلة وناتجة من رحم الشعوب الحيّة النابضة بالثقافة والدين واللغة سيكون لصالح شعوب المنطقة حتى ولو كانت مستضعفة اقتصادياً وعسكرياً، إلّا أنّ السلام في ظل سيطرة الأنظمة الوظيفية سيكون أمراً عبثياً واقتصادياً لا غير، ولن يعود على المشرق العربي إلا بمزيد من التشتت والاختراق والدمار والقتل والتهجير القانوني المشرعن، وأبعد ما يكون عن السلام الاجتماعي الذي يعتبر الطريق السليم لخلق مقاومة اجتماعية غير مفلسة، كفيلة بتحقيق الاستقلال التام على المستوى البعيد، وخلاصة القول: إنّ ما فعلته الإمارات هو إرادة عربية لحد ما تستخدم الإمارات كواقي صدمات وقفازات سياسية، وسوق سوداء تتواصل بواسطته مع الكيان الإسرائيلي لتحقيق أغراض سياسية واجتماعية واقتصادية مستقبلية لا يمكن تنفيذها في إطار سياسة من تحت الطاولة!

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه