مجلس صيانة الدستور المصري.. تعديل دستوري وشيك!

والمراد هنا من وجهة نظري ليس حرمان بقدر ما هو توزيع مهام وتقسيم واقعي يخدم المستويين أعلاه فالضباط سيتم اختيارهم لما هو أهم من المجالس النيابية والمحلية فهم سيتحكمون مفصلياً

تتحول مصر تدريجياً لنموذج حكم عسكري مكتمل يستدعي من التجارب المشابهة ما يستكمل به أدواته، فبعدما رسّخ قواعد التجربة الشمولية المجتمعية وفق خلطة من النموذجين الصيني والكوري الشمالي يستدعي الآن لحمايتها نموذجي الوصاية الإيراني فيما يشبه مجلس صيانة الدستور والتجربة الأتاتوركية في حماية الجيش علمانية الدولة والحفاظ على قيم المجتمع.

قد تظن في ذلك الطرح مبالغة وأقوال مرسلة، لكنك عندما تقرأ المقال ستقف بنفسك على ذلك ليس من زاوية تحليلية لكاتب المقال إنما من واقع تصرفات الدولة الرسمية في القوانين والقرارات وربما – وفق ما أتوقع- تعديلات دستورية وشيكة.

القوانين:

في مقالي السابق “القيادة والسيطرة.. من يعلن الحرب في مصر؟” أوضحت جانباً مهماً من محددات علاقة العسكر بالسلطة وسعي قادة الانقلاب لعدم تكرار نموذج الرئيس الفرد، ونوهت في نهايته عن رغبة السيسي في تغيير تلك القواعد وإزالة القيود علي حركته المنفردة وهو ما سنتناوله هنا.

صدرت قبيل عيد الأضحى القوانين أرقام 165/166/167 لسنة 2020 لتعديل عدة قوانين هي القوانين الرئيسية التي تحكم نقاط التماس بين السلطة والعسكر وهي على الترتيب:

–        قانونا منظمات الدفاع الشعبي “المستشار العسكري” التربية العسكرية

–        قانون مجلس الأمن القومي

–        قوانين القيادة والسيطرة ، و الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة ،وقانون إنشاء المجلس العسكري.

إذن ما الجديد في تعديلات القوانين الستة؟

صنعت تلك القوانين نظاماً جديداً للإدارة العليا للدولة باتجاه النموذج الذي نوهنا عنه في المقدمة وفق ثلاثة مستويات (دستورية تنظيمية وتنفيذية)

ففي المستوي الأول وهو الدستوري أسندت التعديلات للقوات المسلحة مهام فوق دستورية عُبِّر عنها صراحة بمصطلحات (صيانة الدستور) (حماية الديمقراطية) و (الحفاظ علي المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها )

وفي قانون القيادة والسيطرة جاءت تعديلات المادة الثانية مكررة باختصاصات المجلس الأعلى كالتالي (القوات المسلحة ملك للشعب مهمتها حماية الوطن والحفاظ على أمنه وسلامة أراضيه وصون وحدته وأمنه القومي من أي مخاطر تهدده ورعاية مصالحة الإستراتيجية وصون الدستور وحماية الديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد …. إلخ) ولها في سبيل القيام بمهمتها تلك الحق في إبداء الرأي في طلب التعديلات الدستورية وكافة القوانين المتعلقة بالحقوق السياسية وانتخابات رئاسة الجمهورية والمجالس النيابية والمحلية مشروعات القوانين المرتبطة بالأمن القومي!

وذلك يتضمن صراحة ما يشبه تجربتي الخميني وأتاتورك التي نوهنا عنهما

ثم استمرت التعديلات في تأكيد ذلك التوجه بما أسندته إلى المجلس العسكري صراحة في نص المادة الرابعة من قانون إنشائه (تحديد الأهداف والمهام الإستراتيجية للقوات المسلحة بما يكفل قيامها بمهامها الدستورية)

وفيما يبدو اتجاها لإجبار الناس على قبول ذلك المنهج وتقريبه لعقولهم وتصوراتهم، جاءت تعديلات قانون التربية العسكرية ليضيف للمناهج التي يتم تدريسها للمرحلتين الثانوية والجامعية (التعريف بالمشروعات القومية ودور القوات المسلحة في صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة) ثم أسندت الإشراف على ذلك للمستشار العسكري المعين في كل محافظة وفق تعديلات قانون منظمات الدفاع الشعبي

هكذا وبشكل فج تقر القوانين أمورا فوق دستورية لم يتطرق لها الدستور أصلا!

فوق الدستور:

ويأتي المستوي الثاني مساعداً في تنظيم المستوي الأول وترسيخ الوضعية الجديدة للمؤسسة العسكرية الفوق دستورية.

فقد كشفت التعديلات عن تشكيل مشترك لمجلسي الأمن القومي والأعلى للقوات المسلحة وأسندت له مهام واختصاصات وسلطات واسعة لم ترد أيضا في الدستور!  فنصت المادة الرابعة مكررة من قانون إنشاء مجلس الأمن القومي على (في الاحوال التي تتعرض لها الدولة ومدنيتها وصون دستورها وأمن البلاد وسلامة أراضيها والنظام الجمهوري والمقومات الأساسية للمجتمع ووحدته الوطنية لخطر داهم يجتمع مجلس الأمن القومي مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في اجتماع مشترك برئاسة رئيس الجمهورية لاتخاذ التدابير وآليات عاجلة لمواجهة ذلك.. الخ)

ذلك التشكيل الجديد ذو المهام الأسطورية الإلهية قراراته محصنة وفق ذات المادة (وتكون القرارات الصادرة بهذا التشكيل نافذة بذاتها وملزمة للكافة ولجميع سلطات الدولة)

والملاحظ هنا أن جميع الاختصاصات فوق الدستورية التي منحتها التعديلات للقوات المسلحة لن تستطيع القوات المسلحة – وفق التشكيل المشترك – الانفراد بها بل تكاد تكون سحبت لصالح ذلك التشكيل المشترك لمجلسي الأمن القومي والمجلس العسكري،الذي لن يجتمع إلا بأمر السيسي نفسه. والأخير بذلك قد منح القوات المسلحة ما أراد إسناده لنفسه ابتداءً ثم حرمها من الانفراد به دونه في مسلك غريب من الإسناد المتضارب المنقوص بتعمد!

التعديلات أيضا قلصت عدد أعضاء المجلس العسكري ليصبح بخلاف وزير الدفاع 17 عضواً بدلا من 22 على الأقل مع تغيير جوهري في بنيته الداخلية، كما حجبت صلاحية وزير الدفاع في منح عضوية المجلس لمساعديه للتخصصات الفنية في الوقت الذي قصر صلاحية الإضافة علي رئيس الجمهورية!  فيما يبدو أنه تحكم مبدئي في الأغلبية التي تحتاجها قرارات التشكيل المشترك لمجلسي الأمن القومي والأعلى للقوات المسلحة.

لم تكتف التعديلات بذلك بل ألغت الميزة الدستورية للمجلس العسكري بأخذ رأيه في تعيين وزير الدفاع لدورتين رئاسيتين ليصبح النص (الموافقة على تعيين وزير الدفاع وفقا للقواعد والإجراءات التي يحددها رئيس الجمهورية)!

قيود على الترشيح:

أما المستوي الثالث فجاء خادمًا للمستويين السابقين معبراً عن توزيع تنفيذي للمهام والاختصاصات لحماية تلك المكتسبات من القاعدة حتى القمة.

فتعديلات قانون الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة حرمت الضباط بالخدمة أو خارجها من الترشح لأي انتخابات رئاسية ونيابية ومحلية إلا بعد موافقة المجلس العسكري وجعلت قرارته في هذا الشأن نهائية لا يجوز الطعن عليها في أي جهة قضائية سوي لجان الضباط بالجيش!

والمراد هنا من وجهة نظري ليس حرمان بقدر ما هو توزيع مهام وتقسيم واقعي يخدم المستويين أعلاه فالضباط سيتم اختيارهم لما هو أهم من المجالس النيابية والمحلية. فهم سيتحكمون مفصلياً في قواعد الدولة وستسند لهم مهام لا تحصي في المشروعات القومية والهيئات المستحدثة من جهة، ومن جهة أخري سيتحكمون في كل حي وجهة وإدارة وهيئة بالمحافظة من خلال قانون المستشار العسكري و مساعديه وهذه الأمور بالطبع تحتاج لعدد ليس بالقليل لا سيما وقد أضافت التعديلات لقانون المجلس العسكري مهمة (التعاون والتنسيق بشأن مشروعات الأمن القومي التي تمس أمن البلاد وسلامتها داخليا وخارجيا) وهذا بالطبع أصبح محجوز لأبناء المؤسسة العسكرية .

بجانب المزايا المتعددة التي شملتها التعديلات جاءت العقوبات لمن يفكر في استغلال الصلاحيات الممنوحة للتغريد خارج السرب شملها قانون مجلس الأمن القومي وقد جاءت معبرة بحق عن التوجه الاستثماري الجديد للدولة العسكرية المصرية وهذا يحتاج لأهميته تفصيلاً مستقلاً

في الأخير- يحتاج المستفيدون أعلاه لتوثيق دستوري يحصن تلك المزايا والعقوبات فيما أعتقد أنه تعديل دستوري وشيك سيمثل سابقة في التاريخ القانوني المعروف أن تصدر القوانين أولا ثم توضع قي الدستور لاحقاً وهذا ما عودتنا عليه الدولة العسكرية الشقيقة التي تصنع نموذجها المتفرد وفق نظريات العفي محدش يقدر ياخد لقمته! و الأسد محدش يقدر ياكل أكله!!

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه