القوى الوطنية وانكسارات لا تنتهي

ويبدو أن الإخوان المسلمين قرروا أن يكون محمد مرسي هو الأنشودة الجديدة لمظلومية الجماعة إذ تحولت ذكرى مرسي الذي استشهد في محبسه نتيجة الإهمال والظلم الذي تعرض له إلى حالة بكائية

 

يبدو الوضع الحالي للقوى الوطنية في مصر في أسوأ الحالات التي مرت بها على مدار سنين طويلة منذ أول تجربة انتخابية في مصر شاركت فيها أحزاب متعددة مع الإخوان المسلمين في العام 1984 وحتى انتخابات 2011.
فيما يبدو فقدنا قوى متعددة كانت تحسب من القوى المعارضة للنظام مثل: الوفد والتجمع والحزب الديمقراطي الناصري؛ تلك الأحزاب التي تحولت إلى مساندة النظام الحالي بكل استبداده وظلمه وتجريفه للمجتمع، وبكل تفريطه في الثوابت الوطنية بما فيها الأرض ومحاور الأمن القومي المصري.. كما اختفت أحزاب على مدار سنوات مثل حزب العمل الذي كان اشتراكيا ثم تحول إلى إسلامي، ومع ذلك اختفى في ظروف غامضة نتيجة غياب قادته التاريخيين مثل إبراهيم شكري وعادل حسين وكذلك دخول قيادات منه إلى سجون ومعتقلات السيسي.

ولم يعد يتبقى من قوى المعارضة الحقيقية في مصر سوى القوى الناصرية الشابة ممثلة في حزب تيار الكرامة، والناصريين الذين خرجوا من الحزب الناصري الديمقراطي اعتراضا على ارتماء قيادات الحزب في أحضان هذه السلطة التي أهدرت كل القيم والمبادئ التي يرتكز عليها التيار الناصري والفكرة الناصرية. كذلك ما زال في صفوف المعارضة للنظام أفراد وجماعات يسارية وليبرالية متناثرة وجماعة الإخوان المسلمين رغم ما أصابها خلال السنوات الماضية من تدهور وما عانته من ملاحقات للنظام الذي جعلها عدوه الأول وألصق بيها تهمة الإرهاب الذي يقع في مصر، فصار من الطبيعي في ظل آلة إعلامية شديدة وخاصة بعد ما حدث في أعقاب يونيو 2013 أن تتدهور شعبية الإخوان ويتوارى المنتمون لها من الجموع العادية للشعب المصري.

إلى حين

بفقدان قوى اليسار من الاشتراكيين والشيوعيين لم يتبق في جناحي المعارضة سوى التيار القومي الناصري وجماعة الإخوان المسلمين وأفراد كثيرة من صفوف المصريين ولكنها غير منظمة أو موحدة تحت كيان واحد، فصار كل منهم كيانا بذاته ورغم كثرة عددهم إلا أنهم غير مؤثرين على الحالة العامة؛ فيبدو أن هناك استقرارا لنظام السيسي إلى حين.

إن أخطر ما يواجه قوى المعارضة للنظام الحاكم في مصر هو التفتيت والتمزق الذي تعاني منه، و تلك المعارك التي لا تنتهي بين أكبر كتلتين فيها، وهي: جماعة الإخوان والناصريين، وقد أشرت في مقال سابق إلى محاولات سابقة فيما قبل ثورة يناير أو في الانتخابات التي تلتها من محاولة التكتل في مواجهة نظام مبارك؛  تلك المحاولات التي كان بعضها مثمر والبعض الآخر لم يكتب له النجاح أو الاستمرار مع  اعتقادنا أن توحد هاتين الكتلتين ربما يعيد المعادلة للقوى المعارضة لنظام السيسي؛ ولكن يبدو أن هذه الفكرة بعيدة كل البعد عن قيادات الكتلتين والكثير من أبنائها بل تحولت كل طاقات التيارين إلى معارك بينهما، وكان أحدهم في الحكم والآخر يعارضه بل يقاومه مقاومة الأخوة الأعداء

كان شهر يونيو قد شهد معارك طاحنه بين القوى الاكثر معارضة لنظام السيسي إذ بدأ الشهر بذكرى هزيمة يونيو ٦٧ بتحولها إلى قاعدة صواريخ أطلقتها الجماعة ضد التجربة الناصرية بكل ما فيها فتقابلها قواعد جوية ناصرية دفاعا عن التجربة وعن قائدها دون التطرق إلى أي معايير نقدية حقيقة، وإن لم ينكر الناصريون الهزيمة والأخطاء التي حدثت بما فيها غياب الديمقراطية؛ لكن يبدو أن ما بين الإخوان وعبدالناصر أكبر من أي محاولة جادة لبناء المستقبل، وكذلك يبدو أن ما بين التيار الناصري وما حدث بعد ثورة يناير من جانب الجماعة أيضا ما هو أكبر في خيالهم من فكرة البحث عن طريق لبناء دولة جديدة في مصر، ونستطيع أن نتخيل جميعا مدى سعادة النظام بمثل تلك المعارك التي تتم بين أكبر كتلتين تعارضانه!

الأنشودة الجديدة

نتحرك قليلا في يونيو لتأتي الذكري الأولى لرحيل الرئيس محمد مرسي في محبسه، ويبدو أن الإخوان المسلمين قرروا أن يكون محمد مرسي هو الأنشودة الجديدة لمظلومية الجماعة إذ تحولت ذكرى مرسي الذي استشهد في محبسه نتيجة الإهمال والظلم الذي تعرض له إلى حالة من البكائية، ولا ينسى الإخوان بالطبع ما حدث في يونيو 2013 ليحملوا كل من شارك فيه المسؤولية عما حدث لمحمد مرسي، وتبدأ معركة أخرى إعلامية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي لتتأكد نظرية الصراع الدائم بين الإخوان والناصريين على الماضي وتزداد الفجوات.

 تمر الايام وتأتي ذكرى ٣٠ يونيو ويستمر التراشق بين الجميع بمن فيهم الذين كانوا في ٣٠ يونيو وكانوا أول من عارضوا السيسي ولكن الجماعة لا تنسى ما حدث والآخرون لا ينسون أيضا في سنة الثورة الأولى، وفي العام الذي حكم فيه الاخوان نكسات متتالية تصيب الجميع جراء الماضي سواء البعيد أو القريب.

رغم مرور سنوات تسع على ثورة يناير وما حدث فيها إلا أن الجميع يرفض الاعتراف بأخطائه أو جرائمه إذ لا يزال الجميع يهول من أخطاء الجميع بينما يعتبر ما فعله هو مجرد خطأ؛ فمن وجهة نظر الاخوان أنهم أخطأوا بينما الآخرون أجرموا، وعلى الطرف الآخر نرى النقيض: فالإخوان أجرموا بينما هم أخطأوا، والحقيقة أن الجميع أجرم في حق الثورة ولا بديل عن الاعتراف بذلك حتى نمضي قدما للأمام..

 ولكن هيهات فتلك أحلام رومانسية فالمعارك لا تنتهي بين القوى التي تجمعت يوما في الميادين

ويهل علينا يوليو وفيها من المعارك الكثير؛ لعل أخطر معركة فيه بعيدا عن ٣ يوليو والانقلاب الذي قاده السيسي على الثورة المصرية هو الحدث الذي من المفروض أن يوحد الجميع الذي يقفون الآن في خندق واحد ضد السيسي إلا أنه زاد الفجوة بينهم بكيل الاتهامات بين الطرفين..

إلا أننا سنكون على موعد ضخم كبير في ٢٣ من يوليو/تموز القادم مع معركة أخرى بين تلك القوى وهي الذكرى الـ ٦٨ لقيام ثورة يوليو وفي هذا فسيتنافس الجميع في الصد والركل وفتح ملفات الماضي.  خناقة كل عام حول عبد الناصر والإخوان والديكتاتورية والديمقراطية، والمنجز الاجتماعي والصناعي والتحرر الوطني والعلاقة مع الاتحاد السوفيتي وقضية الصراع بين ناصر والإخوان.. سنرى العجب العجاب من اختلافات من هنا وهناك وستزداد الفجوة بين الجميع ولكنها معركة تكسير عظام بين القوى اليسارية القومية والإخوان المسلمين سيستخدم فيه كل طرف أدواته من أجل إنهاك الطرف الآخر..

راحة الجميع

يبدو أن الجميع يسعى لتبقى الحال على ما هي عليه، فالسيسي يستمر في الحكم مستمتعا بهذه الجولات والمعارك التاريخية الماضوية بين قوي المعارضة له. ولا أحد من الآخرين يفتح بوابة جديدة ولا شباك أمل نحو المستقبل.

في أحيان كثيرة أشعر أن الجميع يرتاح للوضع الحالي ويحقق منه أهدافه. ولا أحد يريد له تغييرا ليبقى في النهاية أن الشعب والفرادي منه هم من يدفعون الثمن. أما من يديرون الصراع أو يقودنه فهم آخر تمام!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه