من وحي صورة: عمارة الشربتلي.. ما عمارة الشربتلي؟!

إنها واحدة من معارك “فضة المعداوي” ضد السفير “أبو الغار”. تذكر تفاصيل هذا المسلسل الذي كتبه أسامة أنور عكاشة ليمكنك فهم العقلية التي تحكم!

 

وإذ فجأة أصبحت “عمارة الشربتلي”، أشهر من “الزمالك” حيث المنطقة التي تقع فيها هذه البناية، وذلك رغم محاولة السلطة التخفيف من حدة الفاجعة بالإسراف في النشر عن تصدع العقار الذي يقع في 17 شارع البرازيل بالزمالك، “وتخفي في نفسك ما الله مبديه”!

لقد أصاب “عمارة الشربتلي” التصدع جراء عملية الحفر الخاصة بمترو الأنفاق، وكان أهالي الزمالك قد اعترضوا على الحفر ومرور المترو من المنطقة، لكن السلطة لم تعبأ بهذا الاعتراض، ليقع ما كان يخشاه الأهالي، من مشكلات، امتدت إلى سور سفارة البحرين القريب من العقار، ومن الواضح أن منطقة الزمالك كلها ستتضرر بمرور الوقت، وهو ما دفع البعض للاعتقاد بأنها خطة مدروسة، للتضييق عليهم وحملهم على ترك هذه المنطقة الراقية والتاريخية، ضمن مخطط التضييق على سكان مناطق بعينها في العاصمة المصرية، وإذا كانت الازالة قد تمت عنوة في مناطق الغلابة، فإن الأمر سيأخذ أسلوباً آخرا في منطقة يسكنها أصحاب النفوذ التاريخي، وهم من الشخصيات العامة، وليست الشخصيات الحاكمة، فلا يوجد أحد في السلطة الحالية من القاطنين في الزمالك، أو يملك نفوذاً تاريخياً.

الحقد الطبقي

عندما اعترض سكان الزمالك على مرور المترو، تم الرد على الاعتراض باستدعاء “الحقد الطبقي” ضد سكان هذه المنطقة، وهو الأمر الذي كسب به العسكر كثيرا من معاركهم منذ سنة 1952، وتم استخدامه في مواجهة طبقة الباشوات والأندية التي تقتصر عضويتها على الطبقة العليا في المجتمع، لكن دائما يكون استدعاء الفقراء هنا، ليس لتمكينهم من أن يشاركوا هذه الطبقة نصيبها من الحياة الدنيا، ولكن في أن يرتقي العسكر عليها، الذين قضوا على الباشوات ليحتلوا هم أماكنهم، على النحو الذي ذكره المؤرخ الكبير الدكتور حسين مؤنس في كتابه “باشوات وسوبر باشوات”، ولأن الكتاب يُقرأ من عنوانه، فخلاصة هذا الكتاب أن ثورة يوليو أنهت وجود الباشوات لتخلق طبقة جديدة هي “السوبر باشوات” من صغار الضباط وأراذلهم!

لقد استولت الثورة على قصور الأثرياء ليقيم فيها الضباط الأحرار وأعضاء مجلس قيادة الثورة فيما سمي بقصور الحراسات، فماذا استفاد الشعب من هذا الاستدعاء وبعملية تأليب الطبقات؟

لقد هاجمت الثورة أعضاء نادي الجزيرة، وقررت فتح هذه الأندية أمام الشعب، هكذا قالت اللافتة المرفوعة، ليتم اختزال الشعب في طبقة الضباط الذين منحت لهم عضوية مجانية في كل أندية الصفوة سمحت لهم بدخولها للترقي الطبقي!

وتم استدعاء المجتمع مرة أخرى لمواجهة رفض سكان الزمالك، لمرور مترو الأنفاق من المنطقة، لاسيما مع التأكيد المبالغ فيه بأنه لا ضرر ولا ضرار، فمصر ليست حديثة عهد بحفر الأنفاق، حيث قامت بذلك الشركة الفرنسية، من دون تصدع في المباني ولا خطر على التربة، وإن كنا لا نعرف اسم الشركة التي تقوم بالحفر بالزمالك، وعندما تتعرض عمارة وضواحيها للتصدع أليس هذا مما ينبغي أن تؤاخذ عليه، لأنه مرتبط بسوء التقدير أو بسوء التصرف؟

نية الحكومة المبيتة

لقد تصدعت “عمارة الشربتلي”، وخرجت بعض النسوة بملابس النوم في خوف، وأرادت السلطة استغلال حالة الفزع هذه لتعرض عليهم التعويض أو الانتقال إلى شقق أخرى وتحويلها إلى جراج متعدد الطوابق، كما لو كانت النية مبيتة والخطة جاهزة، لكن رد الفعل دفع لعرض خيارات أخرى، على سكان هذه العمارة التي لها قيمة تاريخية مهمة، وهي التي سكن فيها نجوم كبار راحلون وحاليون، مثل نجاة، ومحمود المليجي، وأرملة الدكتور مصطفى مشرفة، وليست مجرد العقار 17 شارع البرازيل بالزمالك، كما أرادت السلطة أن تروج في اعلامها!

هذه العمارة تتكون من إثنى عشر طابقاً بخلاف الميزانين، وتضم سبعين شقة، وبناها في سنة 1948، رجل الأعمال الحجازي حسن عباس الشربتلي، وهو أحد الأثرياء الخليجيين والعصاميين قبل طفرة البترول، وقد كرمه الملك السعودي المؤسس عبد العزيز آل سعود بأن منحه لقب “معالي” ولقب “وزير دولة فخري” في سنة 1934، وأطلق عليه شعبياً “المحسن الكبير” لأنه وهب ثلث ثروته للفقراء.

ويذكر المؤرخ المعروف الدكتور محمد الجوادي أن حسن الشربتلي له عمارة أخرى في منطقة العجوزة تحمل الاسم نفسه: “عمارة الشربتلي” كان يسكن فيها المشير عبد الحكيم عامر. ثم إنه وقف بجانب مصر في حرب 1956، وجمع مليون جنيه لدعم المجهود الحربي بمساعدة الملك سعود!

وتمثل عمارة “الشربتلي” واحدة من العلامات المهمة في منطقة الزمالك؛ التي هي جزيرة يحيط بها نهر النيل من كل جانب، و”الزمالك” اسم تركي، ويعني أنها منطقة العشش وقد كانت كذلك فعلا، وبدأ تحويلها إلى منطقة سكنية بالشكل الحالي مع سنة 1863 في عهد عباس حلمي، لتصبح المنطقة السكانية الأولى للطبقة الراقية في المجتمع، على الأقل في المرحلة التالية، ضمن مناطق جديدة لاحقة لها، كانت إقامة للصاعدين لهذه الطبقة في مراحل تاريخية معينة: “مصر الجديدة”، “المهندسين”، ثم بعض أحياء “مدينة نصر”، وهي المرحلة التي ارتبط السكن فيها بوحدات سكنية، قبل مرحلة الفلل والقصور، التي لا يقدر أن يجاريها سكان الزمالك، لكن من الواضح أن منطقتهم فيها الطمع!

حل ممدوح حمزة

لقد طلب الاستشاري ممدوح حمزة، وهو علامة في مجال تخصصه، تفويضا من السكان لمراجعة التقارير الحكومية حول “عمارة الشربتلي” وفي حال ما أوصت بالهدم سيقوم بترميمها واصلاحها وإعادة الشيء إلى أصله مجاناً. وهو يؤكد “فيه ناس عينها على الأرض”، فاته أن العين على المنطقة كلها، مثلما كانت العين على منطقة بولاق أبو العلا القريبة من الزمالك والتي تشاركها في الإطلالة على النيل، لكن بولاق منطقة شعبية فتم طرد السكان بتعويضات زهيدة بسهولة، لكن سكان الزمالك وإن لم يكونوا في شجاعة أهالي الوراق فلن يتصدوا لجرافات الاعتداء، فإنهم لن يقبلوا بفكرة التعويضات، ولابد من أن تقوم عملية الحفر بالمهمة؛ اخلاء السكان ولو على مراحل، ولو استغرق هذا سنوات.

فالسلطة التي تركت كبار النجوم من سكان المنطقة، ومن أم كلثوم لفريد الأطرش، لكي تطلق على محطة مترو الزمالك، اسم المذيعة “صفاء حجازي”، هي سلطة يسيطر عليها أخلاق سمساسرة الأراضي، بجانب كونها سلطة ممتلئة بالحقد الطبقي، وليس في الزمالك “خرم ابرة” يصلح لقبول أهل الحكم سكاناً جدداً لها، على قواعد فتح نادي الجزيرة لعضوية الضباط، أو الاستيلاء على قصور الباشوات والأعيان لصالح الضباط الأحرار وتجريد أصحابها من أهم ما يميزهم، ثم إن الزمالك ليست المهندسين ولا مصر الجديدة ولا مدينة نصر، إن التاريخ فيها هو الحكم، والامتياز ليس لسكانها، فليس فيها كثير الآن مما يغري وقد صارت مكتظة بالسكان، وبناياتها قديمة، ولكن الامتياز بالتاريخ. وكونهم ورثة لأجداد كانوا يسكنون هنا. والتاريخ لا يُشترى!

لقد قال وزير النقل كامل الوزير: إنهم يقولون إن التربة رخوة، لكن هذا ليس سبباً لعدم جواز الحفر فيها، ولكن لعدم بقاء عمارات كثيرة بها. لقد اتضحت الرؤية إذن!

إنها واحدة من معارك “فضة المعداوي” ضد السفير “أبو الغار”. تذكر تفاصيل هذا المسلسل الذي كتبه أسامة أنور عكاشة ليمكنك فهم العقلية التي تحكم!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه