من وحي صورة: من لسعته الشوربة…!

الصورة هي لضريح سلطان العلماء وشيخ الإسلام العز بن عبد السلام، وقد تهدم كل ما حوله، وهي للدلالة على أن عملية الهدم التي يقوم بها النظام العسكري الغاشم في مصر، قد طالت ضريح الشيخ

 

تورطت في نشر هذه الصورة المرفقة، التي وجدتها على صفحة أحد الأصدقاء، ممن لا أشك في مصداقيته، لكن بعد النشر الذي لم يستمر لدقائق، أفزعني الأمر فحاورته عن مصدرها، فقال إنه نقلها من صفحة صحفي يعرفه جيداً، فذهبت إلى هناك، لأجده نقلها عن آخر، ليصبح الوصول إلى أول من نشر في مثل هذه الحالة أكثر صعوبة من الصعود للمريخ!.. تقول الامارات إنها وصلت للمريخ!

الصورة هي لضريح لسلطان العلماء وشيخ الإسلام العز بن عبد السلام، وقد تهدم كل ما حوله، وهي للدلالة على أن عملية الهدم التي يقوم بها النظام العسكري الغاشم في مصر، قد طالت ضريح الشيخ ضمن ما طالت، ولأن من لسعته الشوربة ينفخ في الزبادي، كما يقول المثل المصري، فقد ساورتني الشكوك وقبل التحقق من صدقها، كنت أحذف الصورة بالتعليق من صفحتي على “الفيس بوك”، و”تويتر”!

تربينا في مدرسة صحافة المعارضة في مصر، على أن سوء الظن من حسن الفطن، وأن هناك من قد يتحركون لضرب مصداقية الجريدة ومن يعملون بها، بتسريب أخبار أو وثائق مزورة بهدف النيل من مصداقية الصحفي، وربما ضرب حملة قوية ضد مسؤول، أو الإيقاع بالصحفي ضد طائلة القانون بتهمة نشر أخبار كاذبة، أو تلفيق اتهامات بمستندات مزورة!

حملة جريدة الشعب:

بعد معركة القضاة ضد نظام مبارك، كان المستشار محمود مكي، أحد رموز هذه المعركة في ندوة بنقابة الصحفيين، وتحدث عن أنه بفضل هذه المعركة كانت المرة الثانية التي يتعرف فيها على صحفيين، والأولى عندما مثل أمامه صحفيون بجريدة “الشعب” للمحاكمة بتهمة سب وقذف وزير الداخلية حينذاك اللواء حسن الألفي، وأنه الآن يأسف لأنه تعامل مع نصوص القانون في الحكم عليهم وليس مع روحه، فقد كانت لديهم عشرات الوثائق الصحيحة، إلا ثلاث وثائق كانت مزورة ولم يكن ملما بالظروف التي يتعامل فيها الصحفيون فاعتمدها لإدانتهم.

ساعتها أدركت من أين وصلت هذه الوثائق المزورة، والتي استخدمت لضرب حملة قوية تقوم بها صحيفة الشعب ضد الوزير، واستخدمت أيضاً في صدور حكم بإدانة الصحفيين الذين قاموا بالحملة!

كان عدد من الأشخاص قد زاروا مقر صحيفة أخرى وقالوا إنهم يعملون في وزارة الداخلية، وأن لديهم ما يدين الوزير، فقال لهم الصحفي الذي استقبلهم إن وثائقكم قد تفيد في حملة جريدة “الشعب”، وأرسلهم إلى هناك بكارت توصية، يبدو أنه كان هدفهم لتعزيز موقفهم، فكان التعامل معهم في “الشعب” بحسن نية، باعتبارهم “مصدر” معروف لدى زميل هو من أرسلهم.. وكان هذا هو الباب الذي دخل منه الشيطان. إنهم في “الشعب” يعرفون مصدرهم الذي أمدهم بوثائق الحملة، ويثقون في مصداقيته، لكنهم ضربوا من هنا، ويؤتى المرء من مأمنه!

وفاة السيسي:

وإذا كان لمثلي أن يرتاب في زمن السلم، فالارتياب أوجب في زمن الحرب، ومنذ وقوع الانقلاب وقد تعرضت لمحاولات لجرّي في اتجاه نشر أخبار كاذبة، كان أهمها “وفاة عبد الفتاح السيسي” وفي ليلة كاملة، تلقيت اتصالات من أشخاص كثيرين بعضهم أصدقاء لي، والجميع يحاول التأكيد على صحة الخبر بطريقته، وقد تمكنت في الأخير من الوصول إلى مصدره، وهو شخص يكتب ضد الانقلاب، وقد يكون هو ضحية أيضاً، ولثقته فيمن دس له هذا الخبر، شكل شبكة عنكبوتية أحاطت بي من كل جانب، وربما اختلط الخبر عنده بالأمنية فأنتج هذه الحالة، وأذكر أن من أعرفه جيداً، وأثق في نبل أهدافه، أراد اقناعي بأنه حصل على نفس الخبر من أقرباء له، وبعد سنوات وعندما ناقشته في الأمر تبين أن نفس الشخص كان مصدراً للجميع!

وهنا نجد أنفسنا أمام من يندفعون في اتجاه ترويج الأكاذيب، بحسن نية، وانحيازاً للقضية، لكن المعلومة تختلط في أذهانهم بالأماني، ومنهم من يقدم إلى التلفيق عامداً متعمداً، وهناك مواقع الكترونية أنشئت خصيصاً بهدف نشر الأكاذيب، والبعض يبحث عن الترويج والشير، “تعس عبد اللايك.. تعس عبد الشير”!

إن الأخبار الصحيحة تكفي لإسقاط النظام الحاكم في مصر عشرات المرات، ومع ذلك فإن هناك من يندفعون للتأليف والفبركة، لنقف على حالة مرضية تحتاج إلى العلاج!

صورة الضريح:

لقد ذهبت بصورة ضريح العز بن عبد السلام لمجال التحقق البسيط عبر “غوغل”، فاكتشفت أن الصورة عمرها عامين، وقد نشرت عبر موقع ضمن ملف صحفي يتحدث عن الإهمال التي تتعرض له المواقع الأثرية، ولا نعرف إن كان هذا الضريح وعمره يقترب من الـ (800) عام مسجلاً كأثر أم لا!

إن غشيماً في وزارة السياحة والأثار، قال إن مقابر المماليك التي تقوم السلطة بإزالتها، ليست مسجلة كآثار في الوزارة، ولعل الاتجاه المهم لمناقشة الأمر، هو بالسؤال: ولماذا لم تسجل؟ وهل الحماية تسبغ فقط على الآثار المسجلة؟ فماذا عن الآثار غير المسجلة؟1!

و”صورة ضريح” سلطان العلماء تصلح للتوظيف في هذه الحملة من زاويتين:

الأولى: إذا لم يكن هذا الضريح مسجلاً، فإنه يمثل إدانة لعملية التسجيل، التي تجاهلت هذا الضريح مع أهميته وتاريخيته وقدمه، الأمر الذي يسقط أي قيمة لكلام المسؤول بالوزارة عن أن مقابر المماليك التي يتم هدمها غير مسجلة.

الثانية: أما إذا كان الضريح مسجلاً، فإن الإدانة واجبة للوزارة وللسلطة التي لا تولي اهتماماً للآثار وتتركها عرضة للإهمال والسقوط رغم أنها مسجلة لدى الوزارة المختصة، فالسلطة التي لا تهتم بالآثار المسجلة كيف نطلب منها حماية غير المسجل، فماذا أفاد التسجيل؟!

بيد أن التوظيف كان في سياق الحملة على السلطة في قضية مقابر المماليك، لأن البعض لا يعرف كيف يخدم قضيته إلا بالأكاذيب، لما في ذلك من خطورة، تنتجها أيضاً أن يكون الترويج لها من قبل أجهزة السلطة، لأنها في الحالتين كفيلة بنسف حملة إدانتها وما تفعله بغباء منقطع النظير، فيضرب مصداقية الحملة في مقتل، ومصداقية الصور المنشورة أيضاً، ويُدخل من ينددون بهذا القرار الجريمة في موقع الدفاع عن أنفسهم وقد ضبطوا متلبسين بنشر الأكاذيب!

إنها الحماقة وقد أعيت من يداويها.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه