هل العثمانيون لم يتركوا في بلادنا غير المشانق؟

بادئ بَدء، القضية التي يطرحها العنوان يتعذّر أن يعالجها مقال، فقد تناولتها كتب تأريخيَّة عديدة، ولكن ما حثّني على الكتابة فيه، فكرةٌ طرحها، مؤخَّرًا، كاتب عربي،.

 في مقال صحفي، بعبارات بدت مستهجنة لأن أقلَّ ما يقال فيها أنها متعجِّلة، في الحُكم على الدولة العثمانية التي أمتدّ حكمُها للبلاد العربية ما يزيد قليلًا عن قرون أربعة، إذ حكم الكاتب بأن الدولة العثمانية لم تترك لنا، نحن العرب، سوى المشانق:”

وكنَّا نسمِّي رئيس البرلمان صاحب العطوف وكلها،    تعظيمات وتشريفات، تركها لنا البابُ العالي العثماني. هي كل ما ترك بعد 500 عام. مستشفى ما ترك. جامعة ما ترك. نارجيلة ترك، مشنقة كمان ترك”.
 وهذا الكلام لا ينفي، فقط، عن الدولة العثمانية إنشاء المرافق الحيوية للعرب، أو على الأصحّ، في بلاد العرب، ولكنه يوحي بانحصار آثارها في بلادنا، بما يضرّ، ولا ينفع. وتحت هذا الحكم شعورٌ غيرُ قليل بالتغايُر، لم يكن، على الأقل، وقت التعايُش العربي التركي، ضمن الحكم العثماني، بهذا المقدار.
وعلى مثل هذا التناول المتعسّف، ردّ مؤرِّخون عرب، وغير عرب،  يقول دكتور أحمد إيبش: ” ومثل هذه الأحكام العامة المتسرِّعة والانفعالية لا تتماشّى مع الحقائق التي تبرزها الدراسة الجادَّة الشاملة، ولا مع الملاحظة المتأنِّية لما خلّفه العثمانيون في بلادنا؛ من آثار مادية وسياسية وسلوكية، تنفي ما يقال، عادة، من أنهم مجرَّد محاربين، مجرّدين من أيَّ قيمة حضارية” (تاريخ الشام في مطلع العهد العثماني، دراسة وتحقيق: د. أحمد إيبش)
وتأسيسًا، مِن الضروري الانتباه إلى أن أهمية الدول والكيانات السياسية لا تنبع، فقط، مما توفِّره من خِدْمات، وما تتركه من مرافق، تعليمية أو صحية، أو غيرها، وإنما تنبع، وبما لا يقل عمّا سبق، من بنائها حياة اجتماعية لائقة بالإنسان، والجماعات الإنسانية.

“وهنا ينبغي التنويه بأن الدولة العثمانية كانت التنظيم السياسي الوحيد في العصور الوسطى والحديثة، الذي اعترف رسميًّا، بالأديان السماوية الثلاثة، وأوجد بينها تعايُشًا يشوبه شيءٌ من الانسجام. وقد بلغ عدد المجموعات اللغوية والعرقية التي خضعت للحكم العثماني أكثر من ستِّين مجموعة، لعبت فيما بعد دورها.

قدمت الدولة العثمانية للعالم نموذجًا للتعايُش بين مختلف الطوائف والأعراق .. هذا لا يعني أن رعايا الدولة؛ من مسيحيِّين ويهود لم يُضطهدوا، من حين لآخر، بالرغم من مبدأ التسامح الثابت الذي أصرّت الدولة على التقيُّد به، والحقُّ أن هذا المبدأ العام بقي، لعدَّة قرون

 

إِمَّا في قيام دول قومية حديثة، أو في إثارة كثير من مشاكل الأقلِّيات التي استعصى حلُّها، على الحكومات الحديثة، كما جرى في عصرنا الحاضر، مثلا في أزمتي البوسنة والهرسك وكوسوفا، بأقليَّاتها المسلمة البوسنية والعرقية الألبانية، ضمن المحيط الصربي المعادي لها.

على أن الحكم العثماني كان، نوعًا ما، قد أوجد الحلول الملائمة لهذه المشاكل العالقة، واستعاض عنها بمفهوم ” المواطنة العثمانية” عن روابط القومية واللغة، وحتى الدين، بصورة أضيق، قليلا.” (د. أحمد إيبش: المرجع السابق)
وعطفًا على أهميَّة المعيار الكُلِّي أعلاه، يهمُّني أيضًا، أن أُلفت النظر تحديدًا، إلى تعامُل الدولة العثمانية مع البلاد العربية، حيث لا يسع المؤرِّخين، التعسُّفُ في الحكم، بأن لا يقرُّوا بالحقائق.

ولعلَّ أهمَّها نظرة الدولة العثمانية إلى العرب المسلمين، وغير المسلمين، وأنها كانت قائمة على الاحترام والتقدير، دون استلاب، أو قهر. يقول إيبش، وهو كاتب لا تُظهر كتاباتُه انحيازًا للدولة العثمانية: “هذا ناهيك عن أن نظرة الحكام العثمانيين لغالبيَّة الأقطار العربية، في المشرق كانت نظرة إجلال وتقديس واحترام تامّ”. (المرجع نفسه)
التعايُش بين الأعراق والأديان:
يقول كواترت في كتاب الدولة العثمانية: “قدمت الدولة العثمانية للعالم نموذجًا للتعايُش بين مختلف الطوائف والأعراق .. هذا لا يعني أن رعايا الدولة؛ من مسيحيِّين ويهود لم يُضطهدوا، من حين لآخر، بالرغم من مبدأ التسامح الثابت الذي أصرّت الدولة على التقيُّد به، والحقُّ أن هذا المبدأ العام بقي، لعدَّة قرون يحكم العلاقات بين مختلف شرائح المجتمع العثماني” ويقول “فيليب كورتن” في كتابه “الغرب والعالم:”إنّ كل الدول الكبرى تُعَدُّ متعدّدة القوميات، إلى حدٍّ ما.

“لكن الإمبراطورية العثمانية كانت أكثر تنوُّعًا من معظمها” (من مقال الباحث محمد شعبان صوان:” إنجازات الدولة العثمانية بصفتها آخر نسخ الخلافة الإسلامية)
وهذا مؤشِّر على قوَّة كيان الدولة، المتمثل في امتلاكها خطابًا إنسانيًّا، ينبع في الأساس، من الشريعة الإسلامية، وكيفية معاملة الرعايا، من منطلقات غير استعمارية، أو عنصرية. ولم يكن لدولة أن تستمرّ، هذه القرون الطويلة، وسط صراعات دولية، وتكالُبٍ من الدول الغربية، إلا لكونها تنطوي على أسباب الصمود والاستمرار، فكريًّا وعسكريًّا، وسياسيًّا، وعلميًّا.
فقد دام الحكم العثماني، في سورية وبلاد الشام من 1516، التاريخ الذي انتصر فيه جيش السلطان سليم الأول على المماليك، بقيادة قلنصوة الغوري، في معركة مرج دابق، حتى قيام الحرب العالمية الأولى 1918، أي أنه لبث فيها نيّفًا وأربعة قرون.
وهنا، نورد مقتبساتٍ من أقوال مؤرِّخين متعدِّدين؛ في مرجعيَّاتهم الفكرية، وفي خلفيَّاتهم السياسية، تُلقي بعض الضَّوْء على ملامح مهمَّة، من تاريخ الدولة العثمانية، وسياستها، خصوصًا، تُجاه العرب، والبلاد العربية.  
لعل أوَّل ملامح السياسة العثمانيةـ أنها لم تكن دولة  تدخُّليَّة، فيما يتعلّق بولاياتها، ورعاياها، وهذا ينمّ عن احترامها لهم، ولأنماط عاداتهم، وعوائدهم في العيش، لم تتعالَ عليهم، ولم تصادِر وجودَهم، وموروثهم، هذه النظرة الإيجابية تجسَّدت، عمليًّا، في سياسات الحكم، تُجاه العرب، إذ “استفادت الشعوب العربية من كون الحكم العثماني للأقطار العربية كان حُكْمًا غير مباشر، حيث لم يتدخَّل العثمانيون في تغيير البناء الاجتماعي والاقتصادي السائد في العالم  العربي، قبل القرن السادس عشر، ومن ثمَّ احتفظ العرب، تحت الحكم العثماني، بمؤسساتهم السابقة ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم.” (إيبش، المرجع السابق)

خريطة الدولة العثمانية

وفيما يتعلَّق بـالنظام التعليمي، ” يقرِّر المؤرِّخ الأمريكي ليبر أن النظام التعليمي، في مدارس الهيئة الإسلامية، كان يفوق أيَّ نظام تعليمي آخر، في دول أوربا، في ذلك الوقت”. (الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، أ. د. عبد العزيز محمد الشِّناوي)  
وتذكر كتب التاريخ عن السلطان محمد الفاتح أنه “فاق أجداده في هذا المضمار، وبذل جهودًا كبيرة، في نشر العلم، وإنشاء المدارس والمعاهد، وأدخل بعض الإصلاحات في التعليم، وأشرف على تهذيب المناهج وتطويرها، وحرص على نشر المدارس والمعاهد في كافة المدن الكبيرة والصغيرة وكذلك القرى، وأوقف عليها الأوقاف العظيمة. ونظّم المدارس، ورتَّبها على درجات ومراحل، ووضع لها المناهج، وحدَّد العلوم والمواد التي تدرَّس في كلِّ مرحلة، ووضع لها نظام الامتحانات؛ فلا يتنقّل طالب من مرحلة إلى أخرى، إلا بعد إتقانه لعلوم المرحلة السابقة، ويخضع لامتحان دقيق.

وكان السلطان الفاتح يتابع هذه الأمور، ويشرف عليها، وأحيانًا يحضر امتحانات الطلبة، ويزور المدارس، بين الحين والحين، ولا يأنف من الاستماع للدروس التي يلقيها الأساتذة، وكان يوصي الطلبة بالجِّد والاجتهاد، ولا يبخل بالعطاء للنابغين من الأساتذة والطلبة، وجعل التعليم في كافة مدارس الدولة بالمجَّان. وكانت المواد التي تدرَّس في تلك المدارس: التفسير والحديث والفقه والأدب، والبلاغة ، وعلوم اللغة من المعاني والبيان والبديع، والهندسة…إلخ”، (تاريخ الدولة العثمانية: د. إيناس محمد البهيجي)

من خطاب الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر:” مهما يكن الأمر بيننا وبين تركيا في الماضي أو الحاضر، فهي مِنَّا، ونحن منها، ماضينا وماضيهما فصلان من كتابٍ واحد، في تاريخ العرب والإسلام.

الجامعات:”أنشأت الدولة العثمانية أوّل جامعة للطبّ، في أواخر 1400 ميلادية سمَّوْها (دار الطب)، ثم تمَّ إنشاء المجمع الطبي، في القرن الخامس عشر، في ذلك الوقت الذي كان الأوربيون يحرقون المرضى العقليين والنفسيين بالنار؛ بحجَّة إخراج الشيطان منهم، بل استمروا في ذلك، حتى القرن الثامن عشر.

يقول الدكتور الفرنسي (آبينج كرافت) في كتابه عن علم الأمراض العقلية الصادر في باريس سنة 1898: “إن أوربا  تعلّمت من العثمانيين معالجة المصابين بالأمراض العقلية”. وفي القرن الخامس عشر بدأ الأطباء العثمانيون في معالجة المرضى النفسيين والعصبيين بالموسيقى، وهو أمر لم يقم به الأطباء في عصرنا إلا في الولايات المتحدة بدءًا من سنة 1956.(من مقال الباحث يحيى حسن:” الدولة العثمانية.. مفتريَّة أم مفتَرَى عليها؟!)
و”أولى سليمان “القانوني” اهتمامًا خاصًّا بإصلاح التعليم في الدولة العثمانية، كونه كان يدرك تمامًا قيمة العلم والعلماء في تطوير الدولة، ووضعها في مصافّ الدول الكبرى. (…)

وبالفعل اهتمّ بشكل خاص، بمدارس العلماء التي كانت تحت إشراف الأوقاف، حيث اهتمّ بالمناهج والأفكار الجديدة، خصوصًا التسامح، كما أنشأ المدارس المجّانية لتعليم الرعية، إضافة إلى تطوير مراكز التعليم ورفعها لمصاف الجامعات. واهتمَّ، أيضًا، بتعليم المعمار والهندسة، بصفة خاصة، وساعده على ذلك أشهر المعماريين المعروفين، في ذلك العصر، المعماري الشهير سنان (معمار سنان).” من مقال (سليمان «القانوني».. والنهضة العثمانية: د. محمد عبد الستار البدري)
تقديرها للنتاج الثقافي العربي:
” ويذكر تاريخ الأدب العثماني أن السلطان مراد الثاني كان يحمي حركة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة التركية، ويشجِّع هذه الحركة ويُغذِّيها، ويقول البعض إنه حوَّل القصر الحاكم إلى نوع من الأكاديمية العلمية.” (العثمانيون في التاريخ والحضارة، د. محمد حرب)
ومن المعروف مدى تأثُّر اللغة التركية باللغة العربية، ومقدار الكلمات والمصطلحات العربية التي دخلت في اللغة التركية، وقد يكفي أنها اتَّخذت من حروف اللغة العربية حروفًا للغتها التركية، حتى تحويلها إلى اللاتينية، على يد مصطفى كمال أتاتورك. وبالمقابل تأثرت اللغة العربية بالتركية، شأن أيّ لغتين، يتداخل الناطقون بهما، ذلك التداخل العميق والطويل.  
وفي الجانب الاقتصادي:”وفّرت الدولة العثمانية التكامل الاقتصادي الصناعي التجاري الدفاعي الزراعي التامّ لأراضيها، يقول الجنرال النمساوي كونت فارسكلي الذي أمضى حياته كلَّها في محاربة العثمانيين، يقول: “وصل التنظيم الاقتصادي العثماني إلى درجة عالية، بحيث لم يكن يعادلها نظير في الحكومات (الغربية).” (يحيى حسن: المرجع السابق)  
وأمَّا بخصوص المشروعات والمرافق، سيّما التي كان نفعُها يأتي على الولايات العربية؛ بالتسهيل الكثير، فقد أنشأت الدولة العثمانية سكّتي حديد، لم يكن لهما مثيل، حينها؛ سكّة حديد الحجاز، وسكّة حديد بغداد.
“وفي مجال العمران والعمارة، كان سليمان [القانوني] مولعًا بالمعمار الذي أخذ من وقته الكثير، فلقد اهتمّ ببعث نهضة معمارية، في البلاد، لم تشهدها، من قبل، ولم تقتصر فقط على مدينة إسطنبول، بل امتدّت لبعض مدن الشام والقدس والعراق.”

” أمَّا في البلاد العربية فقد بنى سنان الجوامع والمنشآت الخيرية وغيرها، من أمثلتها، جامع خسرو باشا (جامع الخسروية) في حلب، وجامع السلطان سليمان، ومطعم السلطان سليمان الخيري، في دمشق، وفي مكة المكرمة قام بترميم قباب الحرم المكِّي، وبنى مطعمًا خيريًّا، باسم خاصكي سلطان، ومدرسة السلطان سليمان، وحمَّامًا، باسم السلطان سليمان أيضًا، وفي المدينة المنورة بنى سنان مطعمًا خيريًّا، باسم خاصكي سلطان” (د. حرب: المرجع السابق)
وبعد، فإن الحُكْم على التاريخ يحتمل، كما غيره، من مجالات الحياة ومعارفها، الأحكام التحيُّزية، لأسباب سياسية، أو لغيرها، والتاريخ ووقائعه أكثر تعرُّضًا لمثل هذا التحكُّم في الرأي؛ كونه سجّلًا لأحداثٍ مضت، ولوقائع غابت عن الحسِّ والمشاهدة.

ولا تعدم الدولة العثمانية السياساتِ الخاطئة والمظالم، وسوء الإدارة، واعترت عهدها التقلُّبات والفتن والمحن، كأيِّ دولة بشرية،  تتنازع حكَّامَها النزعاتُ الشخصية، ويغريهم بريق السلطة، بالتعسُّف الذي يطال الأرواح والأموال، وكان للبلدان العربية  والمدن نصيب منها، وقد يكون لها نصيب أكبر، بالمقارنة مع نظائرها التركية، وتحديدًا في فترات التعسُّف والتتريك.

 

لكنه مع ذلك يملك من الأدوات والشواهد ما يعيد بها إلى نفسه بعضًا من توازنه وعلميّته. ومن المعروف مقادير الإجحاف والمغالطة العلمية الكامنة في إسقاط الحاضر، بمقاييسه، وأزماته، على الماضي، وهذا ما تُصاب به الدراسات التاريخية، كثيرًا، حين تتعرّض حوادث التاريخ، والفاعلون فيه، للأحكام المتناقضة، أو المتقلّبة، مَدْحًا وقدْحًا، وَفْق العلاقات السياسية وتقلُّباتها.

ومهما يكن، فقد توفَّرت الدولة العثمانية على شروط الدولة العظيمة، وكأيِّ دولة كمثلها، حفلت بالمظاهر التي تؤكِّد هذه الصفة، مدنيًّا وعسكريًّا، وعلى مدار تاريخها، ولا سيما قبل دخولها مرحلة الضعف والتراجُع، خرّجت الكفاءات العلمية، واحتضنت والطاقات والمواهب الخلَّاقة.
وقد لا يكون بوسع الباحثين المنصفين التشكيك في تلك العظمة، لكنهم يرون أنفسهم أقدر على رمي الدولة العثمانية، باعتماد سياسة تفضيلية لصالح تركيا ومدنها المهمة، على حساب البلاد العربية، وحواضرها. وفي هذه الجزئية مجالٌ فسيحٌ محلٌّ للبحث والتقصِّي.
ولا تعدم الدولة العثمانية السياساتِ الخاطئة والمظالم، وسوء الإدارة، واعترت عهدها التقلُّبات والفتن والمحن، كأيِّ دولة بشرية،  تتنازع حكَّامَها النزعاتُ الشخصية، ويغريهم بريق السلطة، بالتعسُّف الذي يطال الأرواح والأموال، وكان للبلدان العربية  والمدن نصيب منها، وقد يكون لها نصيب أكبر، بالمقارنة مع نظائرها التركية، وتحديدًا في فترات التعسُّف والتتريك.
ونختم بهذا الفقرة من خطاب الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر:” مهما يكن الأمر بيننا وبين تركيا في الماضي أو الحاضر، فهي مِنَّا، ونحن منها، ماضينا وماضيها فصلان من كتابٍ واحد، في تاريخ العرب والإسلام.

ونحن إلى كلِّ ذلك أنسباء وأقرباء وأصهار، ففي كلِّ دار من دور العرب، على اتِّساع بلادهم، عربيٌّ يمتّ إلى التُّرك بخؤولة، وفي كلّ دار من دور التُّرك، برغم اعتزالهم في ديارهم، تركيٌّ يمتّ إلى العرب بعمومة…فلقد اختلطنا نسَبًا، وإن قامت بيننا الحدود والسدود والأسلاك الشائكة”. ( إيبش: المرجع السابق).
هذا القول يختزل حالة التلاحُم التي كانت، وجدانيًّا، وثقافيًّا، وهو ما ينفي، في جوهره، ذلك التغايُر، أو التعالي المظنون أو الموهوم، في صُلْب العلاقة العربية التركية التي صمدت، وأنتجت، على مدى قرون أربعة، وإن اعترتها شوائب، كانت تقلّ، وتكثر.   

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه