الحركة المدنية وملء فراغ الإخوان!

وكذلك تقديم الإخوان لأنفسهم محلياً وإقليمياً ودولياً كتيار إسلامي معتدل يرفض العنف ويقبل الآخر ويقدم الخدمات ويمثل الشعب

الحركة المدنية اسم اختاره التيار الليبرالي واليساري والقومي لنفسه أملاً في إنتاج تيار مقابل للحركة الإسلامية خاصة الإخوان..

 الحركة المدنية كانت الغطاء الشعبي لتظاهرات 30 يونيو في مصر، والتي كانت أداة العسكر لقتل المسار الديمقراطي الوليد الابن الشرعي لثورة يناير التي شارك فيها التيار المدني نفسه..

  الحركة المدنية ذات التوجه الديمقراطي شركاء الثورة يعتبرون أن إزاحة الإخوان من المشهد هو أكبر إنجاز تاريخي ربما أكبر من إزاحة مبارك وبعض رموزه.

  الحركة المدنية كانت تتوهم أن إزاحة الإخوان سيخلي لها الساحة تتمدد فيها كيفا شاءت بعيداً عن الإخوان المنافس الأقوى.

وحدث أن أزيح الإخوان في سلسلة من المشاهد الدموية والاستبدادية غير الحقوقية ولا القانونية، فهل شغلت الحركة المدنية الفراغ الذي تركه الاخوان رغما عنهم؟

الواقع يقول إن الحركة المدنية مجتمعة لم تنجح في ملء الفراغ الحادث،  بل لم يعد هناك فراغ أصلاً فقد تمدد العسكر في كل المساحات السياسية والتنفيذية والاقتصادية والقضائية والإعلامية وأيضاً الفنية في الدراما والغناء وغيرهما.

نعود للسؤال:  لماذا لم تملأ الحركة المدنية بأذرعها الليبرالية واليسارية والقومية مكان الإخوان وكانت سببا مباشرا في عسكرة الدولة والحياة المصرية بالكامل؟ يعود هذا لعدة أسباب منها ما يخص الحركة المدنية، ومنها ما يخص الإخوان، ومنها ما يخص المناخ العام خاصة السلطة وأذرعها.

أولا: ما يخص الحركة المدنية

الحركة المدنية و مكوناتها المختلفة هي حركة نخبوية من الطراز الأول وليست حركة شعبية، مكانها بين النخبة الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والأدبية، وليست بين عموم الشعب، خاصة بعد تآكل الحركة العمالية بالتزامن مع مرحلة الانفتاح الاقتصادي في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.

فالحركة المدنية كانت ومازالت منحازة للسلطة بل أحد أذرعها السياسية والثقافية والاقتصادية، وكان منهم وزراء التعليم والثقافة والتموين والإعلام وغيرهم، وقد تركت رصيدا سلبيا في ميادين هذه الوزارات بأزمات ثقافية أو دينية أو تدني الأداءات الخدمية.

أيضاً الحركة المدنية كانت منشغلة دوما بمعارك تكسير العظام مع حركة الإخوان والمعارك الفكرية الهاشة التي تمثل نفسها أكثر من تمثيلها السلطة أو الشعب.

 والانطباع غير الجيد لدى عموم الشعب عن الحركة المدنية خاصة في موقفها من الدين، حتى لو كان انطباعا غير دقيق، إلا أن الحركة المدنية هي التي صدرت هذه الصورة عن نفسها أمام شعب متدين ولو شكلا منقوص المضمون.

ثانيا: ما يخص الإخوان

الإخوان حركة وتيار شعبي بأفكاره السهلة ولغة خطابه البسيطة المناسبة للشعب والتي بالطبع ترتكز على الدين.

 نجاح الإخوان في تقديم أنفسهم كبديل سريع وداعم لبسطاء الشعب في مجالات التعليم والصحة والمجتمع؛ فالنشاط والتحرك الدؤوب لعناصر الإخوان بين الناس بصفة مستمرة خاصة في المناسبات الدينية والقومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ونجاح تجارب الإخوان وعدم نجاح غيرهم في الميدان البرلماني والنقابي والمحليات والعمل الخيري والدعوي.

وكذلك تقديم الإخوان لأنفسهم محلياً واقليمياً ودولياً كتيار إسلامي معتدل يرفض العنف ويقبل الآخر ويقدم الخدمات ويمثل الشعب.

فضلاً عن ترويج معاناة الجماعة من أنظمة الحكم المستبدة من أيام عبد الناصر حتى اليوم خاصة بعدما ذاق قطاع من الشعب هذه المظالم بنفسه.

ثالثا: المناخ العام

والذي تحول 180 درجة حين حذفت السياسة وأدواتها ومكوناتها ومصطلحاتها من المشهد بالتزامن مع انقلاب يوليو 2013. وبعدها أعلن السيسي أنه “مش بتاع سياسة” وأنه غير مطالب بدفع فواتير لأحد،  بل العكس هو الواقع عندما أعلن “مافيش حاجة ببلاش واللي عايز يدفع”.  أعتذر لقد حرصت كتابة تصريحات السيسي كما قالها بلهجته لأنها أكثر تعبيرا عن مقاصده التي يفهمها شعب مصر بوضوح.  و تمت عسكرة الدولة دستوريا وقانونيا وتنفيذيا، وكانت القوة الغاشمة بديل القوة الخشنة في التعامل مع المصريين دون غيرهم وانهيار كل ألوان القوة الناعمة والخشنة في ملفات مصيرية: سد النهضة نموذجاً. حفظك الله يا مصر.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه