القيادة والسيطرة.. من يعلن الحرب في مصر؟

 

عادت أجواء الستينات إلى صدارة المشهد المصري؛ فالحروب التي خاضها جمال عبد الناصر في سلسلة متعاقبة أنهكت القوى وبددت الجيش في اليمن ليعقبها هزيمة مدوية في 1967.. فترة سادتها حروب الوجاهة وقرارات الرجل الكاريزما تارة، وحروب الدفاع المضطر تارة.

هذه الأجواء استحضرها المجلس العسكري حال انقلابه علي الرئيس مرسي منتبها لعدم تكرار تجربة الزعيم العسكري الأوحد التي عانى منها الجيش كما عانى منها الشعب.

مشاهد مخاطبة السيسي للقبائل الليبية والحديث حول الخطوط الحمراء والاستعداد للإسهام في حماية قرار الشعب الليبي أعادت أجواء لقاءات عبد الناصر بالقبائل اليمنية التي أعقبها المشاركة بقوات قُدرت بعشرات آلاف الجنود والآليات في مشهد (عروبي) استعراضي دمر قدرات الجيش الذي انهزم بعدها في 1967 .

هذا المشهد قد يستحضره الجميع الآن.

لكن على ما يبدو أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقادة الجيش الذي رتبوا للانقلاب قد استحضروه مبكرا جدا عندما قرروا الاستيلاء على السلطة وتقديم أحدهم للحكم المباشر.. كيف؟

الإجابة تكمن في سؤال أعمق.. من يعلن الحرب؟

هذا السؤال المحوري هو مربط الفرس وشُغل العسكريين الشاغل بعد تجربة الستينات، فإن تتبعت مسيرة القوانين والقرارات التي أعقبت الانقلاب والتي تعتبر بمثابة عقد مكتوب بين الجيش وقائد الانقلاب لتقنين القيادة والسيطرة!

تتضح لك ملامح ذلك العقد واشتراطات العسكريين على السيسي قبل إعلان ترشحه رسمياً في النقاط التالية: 

تواريخ هامة

بتاريخ 18 يناير 2014 صدرت التعديلات الدستورية على دستور 2012 المعطل

في 26 / 1 / 2014 صدر قانون الانتخابات الرئاسية 10 / 2014

في 26 مارس 2014 أعلن السيسي مرتديا (الزي العسكري) ترشحه للرئاسة

إذن ماذا حدث في شهرين بين 26 يناير و26 مارس؟

خارطة الطريق  

دعك هنا من السياق الإعلامي والجماهيري للحدث فما يدلك على الطريق هي العلامات الرسمية.. ابحث عن القوانين:

خارطة الطريق بين العسكر الداعمين وقائد الانقلاب الراغب في الرئاسة حفلت بالكثير من التفاصيل؛ لكنها تكثفت في يومين فاصلين هما 24 و25 فبراير فقد صدرت أربعة قوانين لضبط العلاقة بين الجهتين وتقنن وضعية الجيش وتعييناته وترقياته وميزانيته وتوزيع الاختصاصات داخل دولاب عمله وعلاقته بالدولة ومن ثم تنظيم شؤون الحرب ومن يعلنها؟ وكيف؟

القوانين الأربعة على الترتيب:

قانون 18 الذي يعدل بعض أحكام قانون 4 لسنة 1968 بشأن القيادة والسيطرة على شؤون الدفاع عن الدولة وعلى القوات المسلحة.

قانون 19 بإنشاء مجلس الأمن القومي..

قانون 20 بإنشاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة..

قانون 21 بإنشاء مجلس الدفاع الوطني.

ملامح الخارطة

–       تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس العسكري لمدتين رئاسيتين.

–       اختصاصات تلك المجالس في صنع السياسات العامة للعسكرية المصرية.

–       طريقة مناقشة ميزانيات الجيش. 

لكن أهمها علي الإطلاق التعديل الخاص بقانون (القيادة والسيطرة) وهو القانون الذي صدر عقب هزيمة 1967 لتقنين الأوضاع بين عبد الناصر والجيش والذي ما زالت البيئة العسكرية الحاكمة تحفظ حدوده طوال عهود عبد الناصر والسادات ومبارك و(طنطاوي) ! ليعود للأضواء بعد الانقلاب علي الرئيس مرسي ويستعيد مكانته في تنظيم الأمور؛ لكن بعد إضافة أربعة قيود على سلطة الرئيس العسكري الجديد كالتالي:

–       مادة 2 مكرر …القوات المسلحة ملك الشعب والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات ويحظر علي أي (فرد) أو هيئة أو جماعة أو جهة إنشاء تشكيلات عسكرية.

–       مادتا(3 مكرر) و (3 مكرر أ) قيدتا إعلان الحرب وإرسال القوات للخارج بالتالي :

1-     رئيس الجمهورية يعلن الحرب ويصدق علي خطتها ويحدد مهام القوات.

2-     لا يجوز إعلان الحرب أو إرسال قوات للخارج إلا بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني وموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب.

3-     إن كان مجلس النواب غير قائم (يجب) أخذ رأي المجلس الأعلى للقوات المسلحة وموافقة مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني.

4-     لا يجوز إرسال قوات للخارج إلا في إطار تنفيذ التزامات مصر الدولية.

5-     لا يجوز إرسال القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة إلا لمدة مؤقتة يحددها قرار رئيس الجمهورية الذي يتضمن تحديد مهام القوات ونطاق عملها ولا تجدد المدة إلا بعد موافقة مجلس الدفاع الوطني وثلثي النواب.

6-     وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة ولا يجوز تعيينه من غير ضباطها ويشترط أن يكون خدم في رتبة لواء مدة خمس سنوات على الأقل وتقلد فيها إحدى الوظائف الرئيسية وتعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى لدورتين رئاسيتين.

عادت المنظومة التي أقرتها تلك القوانين الأربعة للظهور مع أجواء الحرب الليبية

ففي يونيو الماضي صرح السيسي بأن تدخل مصر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية

وفي 16 يوليو صرح بالتوجه للبرلمان المصري لطلب أي تحرك عسكري خارجي.

إلا أن اللافت للنظر هو رغبة السيسي في الإفلات من تلك القيود والالتفاف عليها دليل ذلك التحركات الأخيرة لتعديل هذه القوانين الأربعة دفعة واحدة.

–       تعديل قانون القيادة والسيطرة بمنع العسكريين من الترشح للانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية.

–       وتعديل قانون مجلس الأمن القومي لجواز الدعوة لاجتماع مشترك  للمجلس الأعلى للقوات المسلحة مع مجلس الأمن القومي، في الأحوال التي تتعرض فيها الدولة ومدنيتها وصون دستورها وأمن البلاد وسلامة أراضيها والنظام الجمهوري والمقومات الأساسية للمجتمع ووحدته الوطنية لخطر داهم، لاتخاذ تدابير وآليات عاجلة لمواجهة ذلك..

ليضع وفق التعديلات قيودا على الحركة المستقلة للمجلس العسكري وتذويب قراره المنفرد بل استحداث عقوبات على مخالفة القرارات الصادرة عن التشكيل المشترك!

هل تعد تحركات السيسي تغييرا في تركيبة القيادة والسيطرة واستعادة أجواء انفراد الرئيس العسكري؟ أم إن هناك من لا يزال قادرا على التمسك بتلك القيود؟

يبدو أن معركة تكسير العظام ستستكمل طريقها الذي بدأته عندما كسرت أول قيود الشراكة بإقالة صدقي صبحي (الابن البكر) لتعاقدات فبراير المكوكية. 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه