“الضمّ” بين تهوُّر ترمب وكوابح بايدن

ترامب يسير مع النائب العام ويليام بار، ووزير الدفاع مارك إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة (يمين) لزيارة أثناء الاحتجاجات

لم ينفِّذ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ضمِّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية، في أول الشهر الجاري، كما سبق أن تعهَّد، ويصعب الجزم بالسبب المحدَّد الذي دعا إلى التأجيل.

وإن كان لا يُستبعَد أن يكون من بين الأسباب ترقُّب ردّة الفعل الإيرانية على ما تعتقد طهران أنه سلسلة استهدافات إسرائيلية لمنشآت نووية إيرانية، ومنها منشأة نطنز، في ضوء إقرار طهران رسميًّا بوقوع خسائر كبيرة فيها، وقول المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، إن الحادث قد يؤدِّي إلى إبطاء تطوير وإنتاج أجهزة طرد مركزي متطوِّرة، على المدى المتوسط.
وإن كان من الواضح أن خطوة الضمّ غير الهيّنة، في طبيعتها، وفي آثارها، لم تنضج ظروف تنفيذها بعد، لا في الإدارة الأمريكية، ولا في حكومة الاحتلال، ولا في المنطقة العربية، والإقليم؛ ومع ذلك، لا يعوّل كثيرا على مراعاة ترمب للنُّضج.
كما يصعب الجزم بالموعد الفعلي. وإن كانت توقُّعات تشير إلى أنه قد يكون قبل نهاية هذا الشهر، بناء على ما نقلته صحيفة “معاريف” العبرية، عن “مسؤول” في البيت الأبيض، أنّ “الضم قد يدخل حيّز التنفيذ هذا الشهر”، ووفق ما أشارت صحيفة “جيروزاليم” بوست باللغة الإنجليزية، أنّ “تنفيذ مشروع الضم مازال من الممكن تنفيذه الشهر الحالي، بالتنسيق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب”.

من الواضح أن خطوة الضمّ غير الهيّنة، في طبيعتها، وفي آثارها، لم تنضج ظروف تنفيذها، بعد، لا في الإدارة الأمريكية، ولا في حكومة الاحتلال، ولا في المنطقة العربية، والإقليم؛ ومع ذلك، لا يعوّل كثيرا على مراعاة ترامب للنُّضج.

كما رجّح روبرت مالي، مستشار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إلى الشرق الأوسط، موافقة ترمب على الضم، وميله إلى محور سفيره في إسرائيل ديفيد فريدمان، على حساب محور مستشاره، جاريد كوشنير، (ومعه مسؤولون في البيت الأبيض) والذي يفضِّل خطة ضمٍ محدودة، ويرفض المخطَّط الواسع الذي أعلنه نتنياهو، وذلك وَفْقًا ليديعوت أحرونوت، وصحيفة هآرتس، بما يتسق مع تفضيلات كوشنير بأنْ يكون الضم  في إطار خطة ترمب للسلام، المعروفة بصفقة القرن.

وكما جاء في مقابلة صحفية معه، فقد عزا المستشار السابق ميل ترمب إلى إقرار الضم، إلى مراعاته وضعه الانتخابي الراهن، باستطلاعات رأيٍ غير مبشِّرة؛ فهو في أمسِّ الحاجة إلى دعم قاعدته الانتخابية، وخاصة الإنجيليين المؤيِّدين لإسرائيل، وهم المتحمِّسون للضم، إلى درجة ممارستهم ضغوطًا على الرئيس الأمريكي، وتهديدهم بعدم دعمه في انتخابات الرئاسة، وفق ما نقلت يديعوت أحرونوت العبرية.
 وتزداد حاجة ترمب إلى الإنجيليين، ومن على موقفهم، من أنصار إسرائيل، بعد أن تتابعت المؤشِّرات على تراجُع التأييد لترمب؛ لإعادة انتخابه في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بعد الخسائر الاقتصادية، وزيادة أعداد العاطلين عن العمل، والاتهامات التي تلاحق الرئيس، على خلفية تعاطيه مع كوفيد 19، وتكاثُر الدلائل على عنصريته، على خلفيَّة تعاطيه مع الاحتجاجات التي أعقبت قتل الشرطة للمواطن الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد.  

ناشطون يدشنون حملة للتضامن مع الفلسطينيين على غرار حملة التضامن مع السود في أمريكا

أما جو بايدن، مرشَّح الحزب الديمقراطي، ومنافس ترمب على الرئاسة، والذي كان قد تعهَّد بإبقاء السفارة الأمريكية في القدس، وفي المقابل إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية؛ لإجراء حوار مع الفلسطينيين، وبذل جهود؛ لإبقاء حلّ الدولتين قابلًا للتطبيق، فمِن المُحتمل ألا يعترف بالضمّ الاحتلالي، وفق توقُّعات مالي، خصوصًا إذا كان الضمُّ واسعًا، كما يريده نتنياهو شاملًا كلَّ الأغوار، والمستوطنات.
 ومع ذلك يستبعد المستشار السابق أن تكون القضية الفلسطينية أـولوية لدى بايدن؛ لأن بايدن، ووفق نظرته الواقعية، يعتقد بأن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، بعيدان جدًّا عن أيِّ اتفاق، وأنَّ محاولة التغلُّب على خلافاتهم ستكون مضيعة للوقت، لكن بايدن قد يعمد، وفق مستشار ترامب، إلى بعض المواقف الإيجابية تُجاه الفلسطينيين؛ من قبيل فتح قنصلية أمريكية في الجانب الفلسطيني، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، في واشنطن، وسيعمل على إعادة المساعدات الأمريكية للفلسطينيين.

 وتزداد حاجة ترمب إلى الإنجيليين، و أنصار إسرائيل، بعد تراجُع تأييده ؛ لإعادة انتخابه في نوفمبر القادم، بعد الخسائر الاقتصادية، وزيادة أعداد العاطلين عن العمل، والاتهامات التي تلاحق الرئيس، على خلفية تعاطيه مع كوفيد 19، وتكاثُر الدلائل على عنصريته

وبذلك يعود بايدن، في حال فاز بالرئاسة، إلى نهج رؤساء سابقين، وهو نهج لا يوقِف، فعليًّا، المشروع الاستيطاني التهويدي الذي تعاقبت عليه حكوماتُ الاحتلال، ولكنه لا يسمح له بالحسم السريع والتام؛ ليترك ذلك لبعض الزمن، مع ترك بعض (التوازن) مقارنة بترمب، بحيث لا تظهر إدارته، معادية للفلسطينيين، وبذلك توفِّر فرصًا أكثر واقعية لاستئناف مسار التفاوض، كشكل من أشكال إدارة الأزمة، وذلك لحالة الاستعصاء والتشدُّد الذي لا بدَّ أنَّ بايدن يعرفها عن اليمين الإسرائيلي الحاكم، وهو الذي خَبِر ذلك، بوصفه نائبًا للرئيس، في إدارة أوباما، التي اقتربت كثيرًا من توجيه اللوم لحكومة الاحتلال، على خلفيَّة إفشال الجهود الأمريكية للسلام، ولا سيَّما على لسان وزير الخارجية السابق، جون كيري.  
وليس هذا هو السبب الوحيد لإزاحة عمليَّة السلام عن أولويات إدارة بايدن المحتملة، ولكن لتقدُّم أولويات عالمية أكثر إستراتيجيةً وإلحاحًا.

وذلك بعد الاضطرابات الكبيرة التي تركتها إدارة ترمب على تحالُفات الولايات المتحدة، وعلى صورتها، في العالم، كما يتجلَّى ذلك مع دول الاتحاد الأوربي، وكذلك لكي تواصل واشنطن محاولاتها تعزيز حضورها في آسيا، في مواجهة الصين، وهو الهدف كان سبق إليه أوباما، حيث تُوِّج آخرُ عهده بتوتُّر ملحوظ في العلاقات الأمريكية الصينية.      

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه