حجج الشواذ لتبرير الشذوذ

تقابلني حالات لنساء أو رجال يسرقون، أو يفعلون محرمات، وعند سؤال أحدهم وحسابه، يقول:لم أفعل، بل علي عفريت من الجن، يسخرني للسرقة، وكان بعض السذج يصدق ذلك، ويقول: لا تلوموه

 

تحدثنا في مقالنا السابق عن حكم الإسلام في الشذوذ الجنسي، وهل له عقوبة شرعية في الدنيا أم لا؟ وكيف نتعامل مع الشذوذ إذا كان في مجتمع إسلامي، أم كان في مجتمع غير إسلامي.

واليوم نناقش أهم الحجج التي يسوقها دعاة الشذوذ، أو المدافعين عنه باسم المثلية الجنسية، فالمدافعين عن الشذوذ يسوقون حججا تبدو من ظاهرها منطقية، لكنها في الحقيقة لا تمت إلى الشرع بصلة، ولا للعلم الصحيح كذلك.

وبداية، علينا أن نبين الأرضية التي ننطلق منها في النقاش، حول الشذوذ الجنسي، بكل ما يطلق عليه من مسميات حديثة: لواط، شذوذ، مثلية… الخ. وهذه الأرضية هي الإسلام، وما شرعه  من خلال أهم مصدرين له، وهما القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة. فنحن نتحاور في أمر تحدث فيه القرآن، وحرمه، وجرمه، وشدد عليه، وكذلك تحدثت عنه السنة النبوية بلغة شديدة، مبينة أنه انحراف خُلقي، وجريمة دينية.

أردنا توضيح هذه الأرضية لأننا لن نذهب في النقاش إلى أرضية الآخرين، ولا إلى فلسفاتهم، فالأمر بالنسبة إلينا يتعلق بجريمة نص عليها ديننا على حرمتها تحريما لا شبهة فيه، وقد ذكرنا أدلة ذلك في مقالنا السابق، ولا يوجد خلاف بين كل الأديان السماوية في تحريم الشذوذ، والخلاف فقط في عقوبة من يفعلها في الدنيا، أما في الآخرة فكل الأديان تبين أن فاعلها يعذبه الله تعالى يوم القيامة، ما لم يتب منها توبة نصوحا.

المثلية مختلفة عن فعل قوم لوط:

من أولى حجج المبررين للشذوذ، أو المثلية، بأن المثلية شيء مختلف، عن فعل قوم لوط، ففعل قوم لوط كان اغتصاب الضيوف من الرجال، بينما المثلية شيء آخر، لا قسوة فيه ولا عنف، ولا إجبار، بل حياة سعيدة، ولطيفة بين الطرفين، رجالا أو نساء، فلا يمكن الحكم على المثلية أو الشذوذ بأنه مثل فعل قوم لوط.

وهو كلام مهترئ لا قيمة له علميا، بل ينطلق من فم يجهل القرآن الكريم، فلم ترد آية قرآنية فيه تخبر عن أن فعلهم كان اغتصاب الضيوف، بل القرآن أخبرنا عن وصف الجريمة فقال: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ. إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) الأعراف: 81،80، وأما قوله عن ضيوفه، فقد كان كعادتهم يفعلون ذلك مع بعضهم بعضا، ومع الضيوف كذلك.

ولو كان قوم لوط يفعلون الشذوذ مع الضيوف فقط، فلماذا قال لهم: (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ. قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) هود: 79،78. فهو هنا يعرض عليهم الزواج ببناته، بدل فعلهم المشين، وهو إتيان الذكور. فلو كان الشذوذ لديهم هو الاعتداء على الضيوف، ما عرض عليهم الزواج بالبنات، ولذلك ردوا عليه بقولهم: (لقد علمت ما لنا في بناتك من حق)، أي ليس لنا رغبة في بناتك، ولا في النساء، وإنما رغبتهم في الشذوذ.

الشذوذ أمر جيني لا دخل فيه للشاذ!

ومن الحجج أن المثلية والشذوذ أمر يأتي عن طريق الجينات في الإنسان، ولا علاقة له به، فهو يولد شاذا، وبداخله هرمونات وجينات الشذوذ. وهو كلام لا يثبت علميا، بل مشكوك فيه تماما، ولم يثبت بأي بحوث علمية نزيهة محايدة، لا تعمل تحت تأثير الضغط الإعلامي والحقوقي للشواذ في الغرب، أو في غيره. بل الثابت علميا ضد ذلك، وهو ما نشرته مواقع علمية محايدة، وقد نشرت الجزيرة على موقعها عدة موضوعات في هذا الشأن، فليرجع إليه.

ولو صح ذلك لما حاسب الله الإنسان عليه، والله عز وجل هو أعلم بخلقه، يقول تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك: 14، فلو علم الله ألا دخل للإنسان في ذلك، وأنه مجبور، ما حاسبه، وما نص على تحريم ذلك، قال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، وقال: (ولكن ما تعمدت قلوبكم) وإلا لقلنا كذلك عن السارق إنه يولد وبداخله جينات السرقة، وكذلك القاتل، وكذلك الداعرة، التي تهوى الزنا، ولو فتحنا بابا كهذا بهذه الحجة الواهية، لفتح باب كل الجرائم وتبريرها، وانتفى عقاب أي فاعل لجريمة حرمها الشرع والقانون.

وكثيرا ما كانت تقابلني حالات لنساء أو رجال يسرقون، أو يفعلون محرمات، وعند سؤالهم وحسابهم، يقولون: لم أفعل، بل على عفريت من الجن، يسخرني للسرقة، وكان بعض السذج يصدق ذلك، ويقول: لا تلوموا هذا السارق، فليس هو، بل قرينه من الجن، وهي حجة واهية لو اتبعناها لأسقطنا الحدود والعقوبات كلها عن المجرمين، ولفتح باب الجريمة على مصراعيه، دون رادع، ودون عقاب.

الحيوانات تمارس الشذوذ:

ومن حججهم: أن الشذوذ أمر فطري في الحيوانات، وأن هناك من الحيوانات من يمارس الشذوذ. ولا ندري هل هذا أمر يقاس به الإنسان، فإذا وجدنا الخنزير لا يغار، وفيه التبلد، هل معنى ذلك أن تكون الدياثة أمرا مقرا، ومقبولا في المجتمعات؟ بحجة أن حيوانا يقبل بذلك.

وهل لو قضت الحيوانات حاجتها في الطرقات، نفعل ذلك بحجة أن الحيوانات تفعله؟ وإذا مارست الحيوانات الجنس في عرض الطريق، نفعل ذلك نحن أيضا؟ ولماذا يستدل بالحيوانات التي تفعل ذلك، ولا يستدل بحيوانات تمارس حياتها بحياء شديد، كالقطط عند قضاء حاجتها، والجمال عند الجماع، فالجمل والناقة عند عملية الجماع يحتاج لغطاء كامل، ولو أحس بأحد في المكان لا يقدم على ذلك.

وهل خلقنا الله آدميين مكرمين، أم حيوانات، والله عز وجل يقول: (ولقد كرمنا بني آدم) الإسراء: 70، ويقول: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم، الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك) الانفطار: 6-8.

والعجيب أن نفس هؤلاء، هم من يشنعون على بعض المشايخ الذين يستدلون بأن الرجم في الإسلام حد معترف به عند الحيوانات، ويستدلون بحديث في صحيح البخاري، أن قردة زنت مع قرد صغير، وخانت زوجها، فاجتمع القردة على القردين الزانيين، فقاموا برجمهم. وإذ بهم يسخرون من ذكر هذه الرواية في صحيح البخاري، رغم أنها لا دلالة تشريعية عليها، بل هي حكاية حكاها أحد الصحابة، رآها في اليمن، وذكرها البخاري، وعندما يستدل أحد الشيوخ بها على وجود حد الرجم للزاني عند القردة، يرد عليه هؤلاء أنفسهم: وما علاقتنا بالقردة؟ وهل نحن حيوانات؟

هل في الجنة شذوذ؟!

ومن أقبح حججهم، وسوء تجرؤهم على القرآن الكريم، ادعاؤهم أن في الجنة يوجد شذوذ، وقد فهموا ذلك من قوله تعالى: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ) الواقعة: 17-19، وقوله تعالى: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا) الإنسان: 19، ولا أدري من أين أتى عقلهم السقيم بهذا المعنى، فهل معنى وجود (ولدان) يطوفون على أهل الجنة، لزيارتهم، وخدمتهم، فهل كل خادم أو زائر في الجنة التي لا يدخلها إلا الصالحون من عباد الله، الذين اجتنبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كيف يتركون الفاحشة في الدنيا ليمارسوها في الآخرة؟!

والآيات تتحدث عن أن الإنسان المؤمن في الجنة، يكون له ذرية في الدنيا، فتلحق به ذريته في الآخرة، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور:21، فهذا عن أبناء المؤمنين، يلحقون بآبائهم.

فأما من مات ولم يكن له أبناء، والأبناء نعمة ورحمة من الله، فمن يطوف عليه لزيارته؟ إنهم أبناء المؤمنين، أو أبناء الكافرين الذين ماتوا قبل البلوغ، فهؤلاء في الجنة، فيطوفون عليهم بزيارتهم، أو خدمتهم من باب الإكرام لا من باب الامتهان. وفي الآيات، وفي معنى كلمة (ولدان) وهل هي أطفال، أم شباب، وما طبيعة عملهم في الجنة، كلام طويل، لا يوجد فيه ما يصوره خيال الشواذ المريض بأن الآخرة فيها شذوذ. وإذا صح كلامهم – وهو لا يصح – فلماذا لا يصبرون ولا يمارسون الشذوذ في الدنيا، حتى يجدوه في الآخرة؟! إن كانوا مقتنعين بهذا التفسير المنحرف للآيات.

ونسي هؤلاء الذين يحاولون بشتى الوسائل، لوي أعناق النصوص، ليجدوا أي ذريعة تحل لهم ما حرمه الله، أن القرآن الكريم قد حدثنا عنهم وعن أمثالهم، وصور لنا منهجهم، ورد عليهم فقال: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) الأعراف: 28-30.

وإذا كان من يروجون للشذوذ يخرجون عن نواميس الشرع، ويتحدونه بهذا الفعل، فلماذا حرصهم على الإتيان بحجج ترفع عنهم الحرج الشرعي، والعقاب الشرعي؟

إن معيار الحلال والحرام، والصواب والخطأ، عند المسلم، هو شرع ربه الذي آمن به، وأسلم وجهه له، وما عدا ذلك، فهو تحريف للدين، وافتراء على الله بغير الحق.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه