حديث الممنوعات في مصر!

 

في الوقت الذي أصبحت فيه الكمامة فرضا على كل إنسان في العالم يخفي بها وجهه ليحمي نفسه ويحمي الآخرين من احتمالية نقل العدوي منه أو إليه بفيروس كوفيد 19 المستجد، صارت الكمامة أيضا مفروضة على كافة الألسنة في مصر من الحديث في أربعة موضوعات مصيرية يتحدد على أساسها مستقبل البلاد، ويتخذ المجلس الأعلى للإعلام قرارا خطيرا بمنع الكتابة فيها وهي: أزمة انتشار الكورونا بصورة لا يتصورها عقل، مع التعاطي الفاشل والمتعمد للحكومة في مواجهة تلك الجائحة. وأزمة سد النهضة حيث أعلن النظام المصري فيها توقف المحادثات وفشلها وتحميل إثيوبيا كافة النتائج، والتي هي خسارة مصر لموردها المائي الأهم وذلك في غضون أيام قليلة حسبما أعلنته أثيوبيا عن بداية ملء السد في بداية يوليو/تموز المقبل. وأزمة ليبيا التي يحاول البعض فيها توريط الجيش المصري في حرب للدفاع عن المنشق والمهزوم الهارب خليفة حفتر ، وتتخذ جانبا يعادي إرادة الشعب الليبي ويحارب إرادته في اختيار من يحكمه، وكل ما ينبني علي ذلك من شراء صفقات أسلحة بالمليارات من إيطاليا التي تورط النظام المصري في قتل مواطنها جوليو ريجيني وشراء صمتها بهذه الصفقات ، وتوريط البلاد في حرب لا طاقة لها بها، تاركا جنوب البلاد من دون أن ينبس ببنت شفة للدفاع عن حقوقه التاريخية في مياه النيل، ثم الأزمة الرابعة وهي سيناء، والتي يتم تجريفها بشكل غير مسبوق، بقتل أبنائها، وترحيل أهلها، وحرق مزارعها، وردم آبارها، كل هذا علي مرأي ومسمع من العالم، ثم زراعتها بالإرهاب لتظل ذريعة لحصار المحافظة التي تمثل كنزا استراتيجيا بكرا  لمصر لم يتم استغلاله.

عدم النشر

هذه هي الموضوعات المصيرية التي اتخذ الأعلى للإعلام المصري قرارا بعدم النشر فيها، وكأنها قضايا شخصية لا تخص مصائر البلاد والعباد، ولا ينبني عليها  خراب وبيع مصر، والتلاعب بمستقبل الأجيال الحالية والمقبلة، وتضاف إليها قضية خامسة، ربما كانت السبب المباشر في اعتقال الصحفي المصري الحر محمد منير، حين تحدث فيها مباشرة عبر شاشة الجزيرة، بفتح ملف الكنيسة المصرية وسطوتها ونفوذها داخل البلاد بعد نشر الصورة الشهيرة والتي جمعت بين المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين محمد بديع والموجود بالمعتقل يواجه عدة أحكام بالإعدام وعشرات السنوات بالسجن، وأحد القساوسة تتهمهم بالإرهاب، فتغضب الكنيسة وتزال الصورة بالفعل، وتحول الصحيفة للنيابة، وتنشر صورة المرشد منفردا ، فما الذي يحدث في مصر؟ وكيف آلت الأمور إلى ما هي عليه؟ وكيف وصلت لهذا الحد بعد الثورة العظيمة في يناير 2011؟ ولمصلحة من يمنع النشر في قضايا تخص الشأن العام المصري؟

ملفات شائكة وأداء يدعو للتساؤل

تعامل يدعو للريبة في كافة الملفات المفتوحة علي الساحة المصرية اليوم من قبل النظام الحاكم. فالقضية الأولي التي تشغل العالم وهي جائحة كورونا، تعمد النظام فيها الكذب البواح منذ اليوم الأول، وتعمد إنكار وجود حالات من الأساس رغم فضح هذا الزعم من قبل دول العالم التي عاد أفرادها حاملين الفيروس من مصر وليس من خارجها، ثم تعمد إخفاء الأعداد الحقيقية منذ بدء الجائحة وحتي اليوم. ويتعجب المتابع، إذ أين مصلحة النظام الانقلابي في الكذب علي الناس فيما يخص جائحة عالمية أصيبت بها البلاد؟  ولماذا يتعمد التعامل باستخفاف تجاه الاصابات التي تتضاعف كل يوم؟  ولماذا لم يستعد للجائحة التي تسببت في سقوط عدد كبير  من الأطباء مقارنة بالدول الأخرى؟ وأين مصلحة النظام في هذا التعاطي الغريب والذي يوحي بأن هناك تعمد لقتل أكبر عدد ممكن من الشعب في تلك المصيبة، ثم تصرح وزيرة الصحة والتي تنفذ سياسة الدولة تجاه مواطنيها بأن ممارسات الشعب هي السبب في زيادة عدد المصابين، ولست أدري كيف؟ فهل قام الشعب بالاستخفاف بالمرض واستمر في فتح الباب في وجه السياحة الصينية في الوقت الذي أغلق العالم أبوابه دونهم؟ هل الشعب هو السبب في عدم كفاءة المستشفيات، وعدم تجهيزها بما يكفي الأعداد المحتملة للإصابات؟ هل الشعب هو الذي قام بالتبرع بالأدوات الطبية وأدوات الوقاية من الفيروس للولايات المتحدة وإيطاليا والسودان وتشاد؟ هل الشعب هو الذي قام برفع سعر الكهرباء ورفع أسعار الطاقة أكثر من مرة رغم هبوط أسعارها عالميا، ما اضطر الناس للخروج للعمل لتغطية نفقات المعيشة الباهظة؟

 وما يثير التساؤلات هو منع النشر فيما يخص تلك الكارثة التي تحل بالبلاد رغم تحذير نقابة الأطباء من إجراء امتحانات الثانوية العامة لتوقع إصابة ما يزيد عن ألف طالب يوميا علي أقل تقدير، كذلك تحذير العلماء من أن الجائحة لم تصل لذروتها بمصر بعد، فهل هناك تعمد لزيادة الأعداد مع اتخاذ قرارات غريبة بمنع علاج مرضي الأمراض المزمنة ومن يزيدون عن سن الستين؟

المصيبة

وأما المصيبة الأكبر، فهي مصيبة سد النهضة التي وقع عليها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في 2015 مختارا ، واحتفل بذلك التوقيع علي الشاشات وأقام الحجة علي رئيس الوزراء الإثيوبي بتلاوة القسم عليه بعدم الإضرار بمصالح مصر في فعل ساخر غير مسبوق سيشهد التاريخ عليه وصمة عار في تاريخ العلاقات الدولية، وإمعان أثيوبيا في إذلال النظام المصري بالتصريحات المستفزة من دون أن تتلقى الرد المناسب، وكل ما تفعله الدبلوماسية المصرية أن تطلب من مجلس الأمن جلسة وفقا لنص المادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة بشأن مفاوضات السد، وبالطبع لم تلمح الخارجية المصرية ولو مرة واحدة بالخيار العسكري للحفاظ علي حقوق البلاد في المياه، والمرة الوحيدة التي صرحت فيها باستخدام القوة كان ضد إرادة الشعب الليبي بالانحياز لجانب حفتر الذي ارتكب جرائم حرب ضد الشعب الليبي.

العالم يثور والنظام يصر على المكابرة

إن ما يجري في مصر من قرارات مكبلة للإعلام والحريات في قضايا تخص مصائر الناس غير مسبوق في العالم كله، والضغط الشديد الذي يتعرض له شعب قوامه ما يزيد على مئة مليون لا يبشر باستسلام خاصة وأنه يتم تهديد حياة الناس على أكثر من محور سواء بالمرض، أو تعطيش وتبوير الأرض في بلد يقوم على الزراعة، ولن يحتمل المواطن مزيدا من الضغوط، إلا أن يكون الرد انفجارا لن يستطيع النظام مواجهته بالجنود والدبابات.

إن العالم اليوم يغضب ويثور علي حكم الطغاة والعنصرية، وتتحدى الشعوب الثائرة الجائحة لتخرج وتعبر عن إرادتها، وسرعان ما تنتقل ثورات الغضب من قطر إلي قطر خاصة إذا تم تهديد حياة الناس، والغريب أن يراهن النظام المصري على صمت الناس طويلا ويمارس المزيد من الضغوط تحت مظلة إرهاب السلاح وملاحقة الأحرار لتخويف البقية، فحين ينفرط العقد لن تنفعه بندقية ولا دبابة ولا فرض قوانين بعدم النشر .

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه