ضاع الشعب السوري .. بماذا يفيد قيصر الأمريكي المتأخر المنافق؟!

 

قيصر هذا، جاء متأخراً جداً، هو قانون الوقت الضائع الذي أصدره الكونغرس الأمريكي، وصدق عليه الرئيس ترمب، ودخل حيز التنفيذ قبل عدة أيام، وهدفه المعلن حماية المدنيين في سوريا، عبر فرض عقوبات شخصية وعامة على النظام السوري وأركانه، ومنهم الأسد وزوجته، وتوسيع العقوبات لتشمل من يتعامل مع هذا النظام في العالم في مجالات معينة حددها القانون؛ الطاقة، والبناء، والمعاملات المالية، ويشدد القانون رقابته على روسيا وإيران بشكل خاص باعتبارهما أهم حلفاء الأسد.

أهداف القانون

القانون يسعى للضغط على نظام الأسد بتغليظ العقوبات عليه لإجباره على تعديل سلوكه، ودفعه للتسوية السياسية، هذا ما قالته إدارة ترمب، وبالتالي هى لا تريد تغيير النظام، إنما ذهابه لمائدة التفاوض، وإذا تقدم باتجاه واشنطن، وقام بتبديل حلفائه لينضم لقائمة من يدورون في الفلك الأمريكي فإن بقاء الأسد وحكم العائلة ومواصلة إحكام سيطرتهم على الدولة ومقدراتها لا مشكلة فيه لدى واشنطن، هى لعبة المصالح والنفاق المعتادة.

 أما الشعب السوري وحريته وكرامته وتضحياته الضخمة التي لم يقدم شعب مثلها في العصر الحديث، فليس ضمن الخطة الأمريكية، ولو كانت حياة وإرادة هذا الشعب، الذي يتعرض لأبشع المجازر طوال تسع سنوات، هدفاً لأمريكا لكانت تحركت مبكراً جداً لإنقاذه بشكل عملي.

 ولم يكن مطلوباً من أمريكا أن يكون الإنقاذ عبر تحريك بوارجها وطائراتها العسكرية لإسقاط الأسد، إنما بقرارات عقابية دولية موسعة مبكرة قوية تزلزل كيان النظام، وبإجراءات عملية على الأرض عرضها حلفاء واشنطن في المنطقة ومجموعة أصدقاء الشعب السوري، لكنها لم تتجاوب معها؛ ومنها فرض المناطق الآمنة لحماية المدنيين والنازحين والمشردين، ودعم الجيش السوري الحر بالسلاح النوعي لمواجهة آلة الأسد العسكرية، والاعتراف السياسي الواسع بالحكومة المؤقتة المنبثقة عن المعارضة والإقرار بها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري، ومنها عدم تخاذل الرئيس الأمريكي أوباما بشأن الخط الأحمر الذي حدده بنفسه، وهو لجوء نظام دمشق للسلاح الكيماوي، وقد استخدمه في الغوطة شرق دمشق يوم 21 أغسطس 2013 متحدياً أوباما الذي اتسم بالضعف والجبن وتناسى خطه الأحمر، ووافق على الإخراج الروسي لحفظ ماء وجهه بأن يسلم الأسد مخزونه الكيماوي مقابل عدم توجيه ضربات عقابية.
 وفيما بعد ورغم تسليم الكيماوي، عاد النظام لاستخدام السلاح المحرم عدة مرات، واحدة منها في خان شيخون بريف إدلب يوم 4 أبريل عام 2017، وقد وجه ترمب ضربة للنظام، لم يكن هدفها العقاب الفعلي، والتدخل لردع النظام وحلفائه للتوقف عن المجازر والرضوخ للسلام، إنما هدفه الأساسي الاستعراض والتأكيد بأنه أقوى من أوباما، وأنه قادر على اتخاذ القرار بينما الرئيس السابق كان متردداً.

شرارة الثورة:

انطلقت الثورة السورية في 15 مارس 2011 في خضم الموجة الأولى الكبرى للربيع العربي، ومنذ اليوم الأول لجأ نظام دمشق للقوة المفرطة لقمعها، وكان هذا متوقعاً، هو نظام لا يعترف بالإنسان ولا بحريته أو مطالبه العادلة، إنما ينظر للشعب كأنه قطيع، ويتعامل مع سوريا الدولة باعتبارها إرثاً عائلياً، والأسد تجاوز كل الحدود في اللجوء للقوة متفوقاً على الديكتاتوريات العربية التي واجهت انتفاضات شعوبها، فقد استخدم الطائرات في قصف المدنيين، وابتكر قصف السكان بالبراميل المتفجرة وهى جريمة يندى لها الجبين، واستهداف كل مقومات الحياة في المناطق المنكوبة، لم يفعل شيئاً من هذا مع إسرائيل التي تحتل أراضيه، ولم يحررها لا حرباً أو سلماً، ولم يتصد يوماً للانتهاكات الإسرائيلية التي تستبيح سماء وأراضي بلاده، وتقصف أهدافاً سورية وإيرانية ومعسكرات وشاحنات سلاح لحزب الله دون أي رد.

إذا كانت أمريكا تريد حماية المدنيين، ودفع النظام للحل السياسي عبر قانون قيصر، فكان بمقدورها فعل ذلك منذ 15 مارس 2011 وحتى اليوم الذي خرج فيه أوباما من البيت الأبيض في 20 يناير 2017، كان الوقت مبكراً وطويلاً أمام إدارة أوباما لمنع نشوب الاقتتال الأهلي، وصد التدخلات الخارجية من دول وميليشيات لدعم النظام، وكذلك التدخلات الموازية لدعم قوى المعارضة التي حملت السلاح دفاعاً عن نفسها ومواطنيها أمام حرب شاملة يشنها النظام على المناطق المنتفضة ضده.

أمريكا القوة الأعظم لم تكن عاجزة عن منع المجازر والتوحش ضد الشعب الأعزل، والمعارضة التي تمسكت بالسلمية ستة أشهر كاملة، كان بمقدور واشنطن، ومعها حلف واسع يضم بلداناً كثيرة في العالم تتعاطف مع السوريين، إيقاف المذابح وإنتاج  حلول سياسية سلمية ولو ببقاء الأسد خلال فترة انتقالية يتم فيها ترتيب الأوضاع الدستورية والهياكل السياسية، ثم يختار الشعب السوري من يحكمه بكل حرية وبضمانات دولية.

تخاذلت أمريكا عن القيام بدور حمائي لشعب يواجه مذابح، ووجدتها روسيا فرصة ثمينة لتثبيت أقدامها في المياه الدافئة على ساحل البحر المتوسط ، وفي قلب المنطقة العربية التي تهيمن أمريكا عليها، وذهبت بقواتها وعتادها في الوقت المناسب، فقد كان نظام الأسد على وشك السقوط بعد فشل حليفه الإيراني وميليشياته في منع تهاوي النظام، وقادت موسكو الحرب وقاتلت بنفسها منذ 30 سبتمبر 2015 وتمكنت من إنقاذ الأسد من السقوط.

الرئيس الدكر:

بعد رحيل أوباما المتردد الضعيف، تولى ترمب (الرئيس الدكر) مقاليد الحكم في 20 يناير 2017، لكنه وحتى اليوم، ومع تفعيل قانون قيصر، لم يقدم شيئاً مهماً لحماية الشعب السوري، وردع النظام وحلفائه، وعلى رأسهم روسيا، التي ارتكبت فظائع، كل ما فعله استعراض قوة فقط، وقصف مطار (الشعيرات) كان مشهداً هوليوودياً أكثر منه عملية عسكرية مؤثرة للنظام، وقد انطلقت المقاتلات السورية منه في اليوم التالي لتواصل قصف المدنيين.

نعم، النظام ضعيف اليوم، ولا يحكم شيئاً في سوريا التي تخضع لاحتلالات من روسيا، وإيران، وتركيا، وأمريكا، وعشرات الميلشيات، والأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية للشعب المنكوب شديدة السوء، والليرة انهارت، وهناك انهيار للدولة ونحو مليون ضحية للحرب، وملايين المهجرين والمشردين والنازحين، وهذا البلد بحاجة لإعادة إعمار بكلفة مليارات الدولارات.

والنظام قد يزداد ضعفاً بتشديد الخناق عليه بواسطة قانون قيصر، لكن حليفيه الرئيسين؛ روسيا وإيران لن يتركانه ينهار، لأنهما في صراع سياسي مع أمريكا ويصعب عليهما القبول بالهزيمة بعد كل ما قدماه للأسد، روسيا لن تدفع أموالاً للأسد، لكن ستظل توفر الحماية السياسية والدعم العسكري، والفاتورة تزداد ضخامة، ودمشق ستدفعها سواء بوجود الأسد في الحكم أو بخروجه منه، وإيران غارقة في سوريا، وأيدلوجية النظام تمنعه من المغادرة، ومهما كانت قسوة العقوبات الأمريكية عليها، وهشاشة اقتصادها، وتردي أوضاع شعبها، فإن طهران لا تتخلي عن مناطق نفوذها في الخارج، وستظل تمولها من قوت الشعب الإيراني.

ومن دروس التاريخ أن العقوبات الأمريكية والدولية أضعفت الأنظمة، ولم تُسقطها، لكنها أسقطت الشعوب المغلوب على أمرها، الأنظمة المستهدفة بالعقوبات هى دوماً مستبدة وتحكم شعوبها بالحديد والنار، وهذه الشعوب تظل أسيرة الطغيان، وتعجز عن المواجهة وتغيير الواقع، ولدينا الأنظمة في كوبا وإيران والعراق وليبيا والسودان وسوريا، وغيرها، لم تفلح العقوبات في إزالة أنظمتها واستبدالها بأخرى ديمقراطية إنسانية، إنما المعاناة والإرهاق كان من نصيب الشعوب وحدها.

والتحالف الواسع عربياً ودولياً الذي تشكل لمساندة الشعب السوري ضد مذابح الأسد تفكك، والنظام يستعيد وجوده العربي، وبلدان عربية حليفة لأمريكا تعيد فتح سفاراتها في دمشق، وتتعامل مع النظام وكأنه لم يرتكب جرائم حرب، والمعارضة المدنية المدعومة عربياً ودولياً تفككت أيضاً، وتسببت جماعات التطرف والإرهاب التي تسللت إلى سوريا، وأعنفها تنظيم داعش، في تشويه المعارضة والثورة، وحولت القضية السورية من المطالبة بالحريات والحقوق والديمقراطية والعدالة إلى حرب ضد إرهابيين، ودعاية النظام بأنه يواجه الإرهاب تجد قبولاً، والربيع العربي نفسه ينكسر في كل بلدانه، والاستبداد يستعيد لياقته وسلطانه بصورة أشد قمعاً وتحدياً عن السابق.

بقانون قيصر أو بدونه تستطيع أمريكا جلب الأسد للمائدة والدفع في اتجاه إحياء مفاوضات الحل السياسي بشكل جدي وفاعل وفق قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف وفرض مرحلة انتقالية بين نظام قديم عفن ومتخلف ودموي وشرعيته متآكلة وبين بناء نظام جديد لسوريا جديدة موحدة ديمقراطية حرة تحت إشراف الأمم المتحدة، ويختار السوريون بإرادتهم الحرة من يحكمهم ويدير شؤونهم دون قيصر الاستعراضي الذي جاء في الوقت الضائع.

أمريكا تظل قادرة على وضع حد للأزمات والصراعات والاقتتال في بؤر التوتر العربية؛ سوريا، ليبيا، اليمن، بنفوذها العالمي الكبير وقدراتها الهائلة، لكنها في حالة انسحاب وتفريط في قيادة العالم وإدارات حكم متواضعة الأفكار وفلسفات السياسة والحكم وبحث عن المصالح فقط والأغرب أنها تنحاز للاستبداد وتتحالف معه وتهدر القيم والحقوق والمبادئ السامية التي تتخذها شعارات لها.   

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه