الإسلام والشذوذ الجنسي

الخلاف في صحة الأحاديث، وعدم وجود عقوبة دنيوية واضحة في القرآن، جعل الفقهاء يختلفون في عقوبتها، مع إقرارهم جميعا بجرمها وحرمتها
الخلاف في صحة الأحاديث، وعدم وجود عقوبة دنيوية واضحة في القرآن، جعل الفقهاء يختلفون في عقوبتها، مع إقرارهم جميعا بجرمها وحرمتها

لا يتوقف الحديث عن الجنس وموقف الإسلام منه، سواء موقف الإسلام والفقه الإسلامي من ممارسة الجنس بين الذكر والأنثى، أو بين الذكرين، أو بين الأنثيين، والموضوع المطروح الآن هو ما يسمى بـ: المثلية الجنسية، أو الشذوذ الجنسي، أي العلاقة الجنسية بين شخصين من نفس النوع الجنسي، وقد مر هذا اللون من العلاقة بأكثر من اسم، فكتب الفقه الإسلامي والتشريع تسميه: الفاحشة، وبعض الكتب الفقهية تسميه: اللواط، نسبة لفعل قوم لوط، وإن كره البعض هذه التسمية حتى لا يذكر اسم نبي الله لوط مرتبطا بجريمة، وإن كانت نبوته تنكرها. وأطلق عليه مصطلح: الشذوذ، ثم أخيرا: المثلية، وأيا كان اسمه، فهو في النهاية في عرف القرآن والسنة، اسمه: الفاحشة، أو الحرام.

وحديثنا هنا عن موقف الدين من هذا الفعل، وهل له عقوبة في الآخرة والدنيا، أم أن العقوبة أخروية فقط؟ وكيف نتعامل مع مثل هذه الحالات شرعا في مجتمعاتنا، سواء الإسلامية، أو الغربية التي يعيش فيها مسلمون كأقلية، في ظل قانون وتشريع غير إسلامي.

حديث القرآن والسنة عن عقوبة الشذوذ:

 لقد تحدث القرآن الكريم عن المثلية الجنسية أو الشذوذ الجنسي بين الذكرين، وهو ما سمي بفعل قوم لوط، حديثاً عن جريمة بشعة، وسماها الفاحشة، قال تعالى: (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين) الأعراف: 80، وقال: (ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون) النمل: 54، وهي نفس تسمية الزنا، فقال تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلًا) الإسراء: 32. فادعاء دعاة المثلية بأن فعل قوم لوط كان غير المثلية الجنسية، فهو تحريف لصريح الآيات البينة في تسمية الفعل بالفاحشة.

ولم يرد في القرآن الكريم عقوبة صريحة عن هذا الفعل في الدنيا، وهناك خلاف كبير واضح بين المفسرين والفقهاء في قوله تعالى: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا) النساء: 16، فمن المفسرين من يعتبر الآية تتحدث عن إتيان الذكران بعضهما، وأن العقوبة هنا هي الإيذاء بالكلام، والتوبيخ، إلى أن يتوبا، فإن تابا فتنتهي العقوبة، ولا يوجد حديث عن عقوبة جزائية في الدنيا، كما نرى في القرآن، مع تشديد القرآن في حديثه عنها من حيث أنها جريمة دينية وأخلاقية، وكبيرة من الكبائر التي يحرمها الإسلام، والأديان السماوية بوجه عام.

أما السنة النبوية فقد ورد فيها عن عقوبة اللواط أحاديث كالتالي:

1ـ عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به”[1].

2ـ وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يعمل عمل قوم لوط، قال: “ارجموا الأعلى والأسفل، ارجموهما جميعاً”[2].

3ـ وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من عَمِل عَمَلَ قوم لوط فاقتلوه”[3].

وقد اختلف العلماء في الحكم على هذه الأحاديث، من حيث الصحة والضعف؛ فقد ضعفها كلها معظم العلماء، وصححها بعضهم، فكانوا كالتالي:

فقد ضعفها كلها: ابن حزم[4]. وكذلك ضعفها شعيب الأرناؤوط، سواء حديث ابن عباس[5]، أو حديث أبي هريرة[6].

ومن صححها جملة بمجموعها الإمام الشوكاني، بعد ذكر تضعيف كثير من العلماء لها[7]. وصحّح الشيخ أحمد شاكر حديث ابن عباس في مسند أحمد[8]. وصحح الألباني حديث ابن عباس، وضعف الأحاديث الأخرى، حديث أبي هريرة وجابر[9].

موقف الفقهاء من عقوبة الشذوذ:

وهذا الخلاف في صحة الأحاديث، وعدم وجود عقوبة دنيوية واضحة في القرآن الكريم، جعل الفقهاء يختلفون في عقوبتها، مع إقرارهم جميعا بجرمها، وحرمتها، وشدة التحريم فيها، وتشديد السنة في جرمها، ومع ذلك كان تناول الفقهاء وتعاملهم مع هذه النصوص مختلفاً تماماً. وعلى الرغم ممّا ذكره ابن تيمية[10] وابن القيم[11] والماوردي[12] والعمراني[13]، وغيرهم من اتفاق الصحابة وإجماعهم على أنّ عقوبة القتل هي الحكم على الرجال الذين يفعلون الفاحشة معاً، مع اختلافهم في طريقة القتل، رأينا الفقهاء يختلفون في حكمه، على الرغم من وجود النص من السنة بالعقوبة الواضحة، فاختلفوا في العقوبة كتالي:

 فمنهم من قال: يقتل بالحجارة رجماً إن كان محصناً، ويجلد مئة إن كان بكراً، ولا يقتل. وإلى هذا ذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والنخعي والحسن وقتادة، وهو أظهر قولي الشافعي. وحكي ذلك أيضاً عن أبي يوسف ومحمد.

وقال الأوزاعي: حكمه حكم الزاني.

وقال مالك بن أنس وإسحاق بن راهويه: يُرجم إن أحصن أو لم يحصن. روي ذلك عن الشعبي.

وقال أبو حنيفة وابن حزم والظاهرية: يعزر ولا يحد، وذلك أن هذا الفعل ليس عندهم بزنى).[14]

وما أراه راجحا فقها: أنه ليس حدا، فالأدلة التي وردت في الموضوع لا تصل به إلى أن يكون حدا، وأنه أمر متروك في علاجه للقانون والمجتمع، بما يحافظ على قيم المجتمع، ويحفط دين الفرد وسلوكه، وفق النظام العام للدولة، حسبما يقرر أهل الاختصاص في الأمر من أهل الطب والعلاج والشرع والقانون في المسألة.

موقف المسلم من الشذوذ الجنسي:

هذا من حيث حكم الشرع في هذا الفعل، وهل فيه عقوبة أم لا؟ يبقى السؤال هنا: ما موقف المسلم في المجتمع الذي يعيش فيه، إن وجد من ابتلي بهذا الأمر، سواء كان في مجتمع إسلامي، أم مجتمع غير إسلامي.

إذا كان من يفعل هذا الفعل يستتر بستر الله، فأمره موكول إلى ربه، وندعو له بالتوبة، والإقلاع عن هذه الكبيرة. أما إذا أعلن بها، أو جاهر بها، فهنا يكون موقفنا كأفراد النصح والتوجيه، والإرشاد، بالحسنى، في إطار قوله صلى الله عليه وسلم: “فمن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقبله، وذلك أضعف الإيمان”، فتغيير مثل هذا المحرم بيد القانون، متروك للسلطة والقانون، وليس للأفراد التصرف فيه مكان السلطة القضائية أو التنفيذية.

وليس من حق من ابتلي بهذه الكبيرة، أن يدعي باسم الحرية أنه يفعل ما يشاء، من حيث المجاهرة بها، فإن كان مسلما فليستتر بمعصيته، وإن كان غير مسلم، فليحترم النظام العام للدولة، والنظام العام أمر معروف في كل دولة، وقد عرفه المختصون بأنه: (فكرة محورية يرتكز عليها أي نظام قانوني؛ إذ يقوم بضبط الإرادات الفردية والجماعية، فيحد الإرادة الفردية، كما يحد الإرادة الجمعية، بما فيها إرادة الدولة ذاتها، كي لا تبغي إحدى الإرادات على الأخرى). [15]

وفكرة النظام العام في الدول الغربية، هي نفس فكرة النظام العام الإسلامي، أي أن يكون موضوع الحكم، متعلقا بمصلحة المجتمع، ومعلوم أن مصلحة المجتمع الإسلامي في المحافظة على أمن أشخاصه، وعرضهم، ومالهم، ودينهم). [16]

فإن كان المسلم في مجتمع غربي لا يحرم هذا الفعل، فلو كان الفاعل غير مسلم، فهو غير مخاطب بشرعنا. ولو كان مسلما، فهو داخل في دائرة أن تحاوره وتدعوه بالتي هي أحسن، ومجال تغيير القوانين في هذه الدول هو النضال الدستوري، أو جماعات الضغط، التي تمارس حقها وفق القانون. مع إنكاره بقلبه لهذا المحرم، الذي تحرمه الأديان كلها.

ومن كان مسلما وابتلاه الله بفعل المحرم، فهناك وسائل العلاج التي حثنا عليها شرعنا، من دعوة الناس، وحسن خطابهم بما يقربهم من الله، ويجعلهم أبعد عن معصيته، وفرق بين مسلم يعلم أن ما يفعله محرم، ولكن ضعف إرادته توقعه في الحرام، ويرجو من الله التوبة، ويرجو من مجتمعه معاونته عليها. وبين من ينكر ذلك، ويكابر، ويستحل ما حرمه الله، فهو بهذا الاستحلال للحرام يفعل ما يخرجه من دينه، فكل دين له محرماته، وله فرائضه، والتحليل والتحريم ملك لله وحده، فليحدد كل إنسان دينه ومعتقده، بكل حرية، لكن بما لا يحل ما حرم الله، ولا يحرم ما أحله الله، فكلاهما مرفوض في ديننا.

——————-

[1] رواه أحمد (2732)، وأبو داود (4462)، وابن ماجه (2561)، والترمذي (1456)، وأبو يعلى (2463)، والبغوي (2593).

[2] رواه ابن ماجه (2562)، والبزار (9079)، والحاكم (4/355) (8048).

[3] رواه الخرائطي في مساوئ الأخلاق (416).

[4] انظر: المحلى (16/446،445).

[5] انظر: مسند أحمد (4/464)، وسنن أبي داود (6/510)، وسنن ابن ماجه (3/594)، كلها بتحقيق شعيب الأرناؤوط.

[6] انظر: سنن ابن ماجه (3/595) بتحقيق شعيب الأرناؤوط.

[7] انظر: نيل الأوطار (7/146).

[8] انظر: مسند أحمد بتحقيق شاكر (3/219).

[9] انظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني (8/16-18).

[10] انظر: مجموع الفتاوى (28/335).

[11] انظر: روضة المحبين ونزهة المشتاقين لابن القيم، ص: 372.

[12] انظر: الحاوي الكبير للماوردي (13/223).

[13] انظر: البيان للعمراني (12/367).

[14] انظر: معالم السنن للخطابي (3/184)، والأوسط لابن المنذر (12/505-510)، والمحلى لابن حزم (16/438).

[15] انظر: فكرة النظام العام في النظرية والتطبيق للدكتور عماد طارق البشري ص: 101. وميراث الاستبداد للدكتور إبراهيم البيومي غانم ص: 115.

[16] انظر: دفاع عن الشريعة لعلال الفاسي ص: 192.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه