معركة الحمقى ضد الأطباء المصريين

لا يمكن ترك الأطباء وحدهم، وهم أبطال اللحظة في أخطر معركة تواجهها أجيالنا لينقض عليهم مجموعة من الحمقى وأصحاب العقول الصغيرة

 

بينما تحتفي شعوب العالم بالأطباء وتكرمهم لدورهم البطولي في مواجهة فيروس كورونا، يتعرضون في مصر لحملة مسعورة من الهجوم والتشويه، بسبب شكواهم من الحرمان من حقوقهم، ورفض الحكومة توفير احتياجاتهم الضرورية، وسقوط عدد كبير منهم نتيجة فشل المنظومة الصحية.

منذ البداية لم تكن هناك خطة واضحة، وتجاهلت الحكومة صرخات نقابة الأطباء ولم توفر مستلزمات الحماية للأطقم الطبية، فانتشر الفيروس بشكل جماعي وسط الأطباء وفرق التمريض، وتكتمت وزارة الصحة المأساة حتى ظهرت النتائج الكارثية، بداية بمعهد الأورام ثم باقي المستشفيات تباعا.

الأطباء حتى اليوم يشترون الكمامات من مرتباتهم، ولا يجدون البدلات الواقية، والأكثر خطورة هو رفض وزارة الصحة أخذ المسحات من الأطقم الطبية المخالطين للحالات المصابة، بل أصدرت وزارة الصحة بروتوكولا طالبت فيه استمرار الأطباء المشكوك في إصابتهم في العمل إلى أن تظهر عليهم الأعراض!

تصاعد الغضب مع عدم وجود أماكن لعزل الأطباء المصابين، حتى توفي الطبيب شاب وليد يحيى بمستشفى المنيرة، لعدم وجود سرير، في نفس الوقت الذي وفرت فيه الوزارة غرفة مجهزة لفنانة مشهورة مع إخلاء غرفة عناية مركزة احتياطية لها إذا ما احتاجتها، وقامت القيامة عندما تقدم اثنان من زملاء الطبيب المتوفي باستقالة مسببة، وفتحت النيران على الأطباء مع اتهامهم بالخيانة!

شنت وسائل الإعلام الموالية للسلطة حملة تحريض تتنافى مع العقل والمنطق، ولم يخرج مسؤول في الحكومة أو وزارة الصحة يوقف هذا العدوان ويدافع عن الأطباء، ويوقف سيل السباب والشتائم ضد من يقاتلون في الصف الأول ويضحون بأرواحهم لإنقاذ المرضى.

انهيار المنظومة

من الواضح ان المنظومة الصحية لم تكن مؤهلة لمواجهة الوباء، بسبب سياسة خصخصة القطاع الصحي التي التزمت بها الحكومة مع صندوق النقد الدولي، فالسلطة فتحت الباب للقطاع الخاص والاستثماري لتملك المستشفيات والمعامل، وقطعت شوطا كبيرا في إلغاء العلاج المجاني وكادت أن ترفع يدها تماما وتتهرب من مسؤوليتها.

يظهر عجز المنظومة في عدم القدرة على عزل كل المرضى، حيث لم يتم تحويل كل المستشفيات لاستقبال المصابين، وأيضا في عدم توفير اختبارات فحص كورونا لكل المصابين والمخالطين، والأخطر عدم التفكير في حماية العنصر البشري الذي يعمل في المستشفيات، وتسبب كل هذا في انتشار الوباء.

من الأمثلة التي تكشف غياب العقل في إدارة المنظومة أن الحكومة فكرت في تحويل الصيادلة إلى أطباء رغم أن 7 آلاف طبيب من الخريجين يريدون استلام العمل والانضمام لمواجهة الوباء، لكن وزارة الصحة ترفض تعيينهم، وترفض الاستجابة لمطالبهم بتعديل نظام التكليف الذي تم تغييره للأسوأ من دون الرجوع إليهم ولنقابتهم.

التربح من المسحات

من غير المعروف سبب عدم توفير الحكومة لاختبارات الفحص حتى الآن، ولم تسع لإنتاجه محليا، وفي الوقت الذي تعجز فيه الحكومة عن توفير الاختبارات للمستشفيات فإن المعامل المركزية لوزارة الصحة تتربح من إجراء الاختبارات بمقابل مادي يتراوح بين ألف جنيه و4 آلاف جنيه، وتحول المسحات إلى وسيلة للتربح.

المقابل المادي للمسحات ظهر عندما اشترطت دول الخليج شهادة الخلو من كورونا، للراغبين في العودة من مصر إلى أعمالهم فيها، ولكن هذا الأمر توقف مع الإغلاق، وليس من سبب لاستمراره إلا تحويل صحة المواطن إلى تجارة تتكسب منها الحكومة؛ فالمواطن الذي يذهب لفحص كورونا بمقابل مادي يذهب تحت الاضطرار للنقص في المستشفيات.

غياب اختبارات الفحص في المستشفيات وتوافرها في معامل الوزارة بمقابل يثير التساؤلات، ويفتح باب الشكوك حول العلاقة بين النقص هناك والوفرة هنا، ومن حق المواطن أن يجد الخدمة الطبية بدون مقابل وفي مكانها، لأن كل ما يتعلق بصحة المواطن حق على الدولة وليس سلعة ولا خدمة تتم المتاجرة بها.

المستشفيات الاستثمارية

من غير المعروف مبررات عدم تحويل كل المستشفيات الحكومية لاستقبال مرضى كورونا، فدول العالم حولت القطاع الطبي كله لمواجهة الوباء، بل وأنشأت مستشفيات ميدانية لاستيعاب الزيادة في عدد المصابين، لمواجهة الجائحة التي ستستمر فترة ليست بالقصيرة.

 مع ضعف القطاع الصحي الحكومي بدأت المستشفيات الخاصة والاستثمارية تعالج المرضى، وتستقبل المصابين بالفيروس بمبالغ كبيرة تتراوح بين 10 و20 ألف جنيه لليوم الواحد، ولا توجد بها مشكلة متعلقة بأخذ المسحات من المرضى بأسعار أعلى من المعامل المركزية.

بالتأكيد لا نعارض دخول القطاع الخاص بضوابط واضحة، لكن يجب أن تتحمل الدولة المسؤولية كاملة وتقود بنفسها القطاع الصحي لتوفير العدالة، وألا تسمح باستغلال الوباء لجني الأرباح، وأن توفر كل مستلزمات المستشفيات والعلاج واحتياجات الفرق الطبية ليكون العلاج للجميع.

إذا لم توفر الحكومة العلاج المجاني للمواطن فما هي الضرورة من وجودها؟ وإذا كانت الدولة تبيع الخدمة الطبية فما الفرق بينها وبين الشركات الاستثمارية التي هدفها الربح؟

حتى لو انحرفت السلطة عن دورها ورضيت بأن تكون مثل الرأسمالي الجشع فإن التربح في زمن الوباء جريمة، وعدم توفير العلاج المجاني للمواطن وقت محنته انحراف بالسلطة وتخل عن المسئولية.

لم يعد مقبولا إدارة أخطر معركة متعلقة بصحة الناس بمنطق الذباب الإلكتروني، وتحويل المطالب المشروعة والعادلة إلى صراع سياسي لخدمة توجه لا يبالي بمصالح الناس، فالصحة العامة فوق الخلافات السياسية، ولا صلة لها بالصراعات على كرسي الحكم، بل هي فرصة لتوحيد الجبهة الداخلية لمواجهة الهجوم الفيروسي الذي لا ينتقي ضحاياه.

لا يمكن ترك الأطباء وحدهم، وهم أبطال اللحظة في أخطر معركة تواجهها أجيالنا لتنقض عليهم مجموعة من الحمقى وأصحاب العقول الصغيرة الذين لا يشعرون بخطورة اللحظة، ويساهمون في سقوط المستشفيات وتدمير حائط الصد أمام الهجوم الفيروسي.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه