العيد مع كورونا

                            

استشعرت تبرم البعض من طول الحظر الصحي، وتوقف بعض الأعمال، وعدم التمكن من إمضاء برامج الأعياد والمناسبات ، فقلت: نعم هناك أنواع من التضييق، لكن لا يمنعنا هذا من رؤية نماذج أجمل من الأعياد، وصوراً أكثر من الفرح.

فقد أكرمنا الله تعالى فنقلنا من أعياد المظاهر إلى أعياد الحقائق، ومن فرحة الأشكال الى فرحة الأفئدة، ومن التلذذ بالأعراض إلى التلذذ بالجواهر، ومن المشاركة في الأعياد وفق عادات الناس إلى صناعة الأعياد وفق مراد الله.

عشت رمضان والعيد أزمنة مديدة وفي أشكال وأحداث وبلاد عديدة، فما رأيت أسعد من هذا الشهر وهكذا عيده، فتذكرت الحديث القدسي:  أنا عند ظن عبدي بي؛ فإن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن بي شرًا فله. رواه أحمد

ويعلم ربي سبحانه فماكنا نظن بتقديره سبحانه إلا الخير، ولا بتدبيره إلا الرحمه ، ولا بمشيئته إلا اللطف.

فأدركت أن للعيد معاني أخرى غير تلك المعاني التي نشأنا عليها، وتعودنا على أشكالها، وارتبطنا بمظاهرها وما كنا نظن العيد في غيرها. فإذا تدبرت حقية الأمر ستجد عيداً آخر بل ستعيش أعياداً أخرى مختلفة.

لذة العيد:

ستجد لذة العيد الحقيقي ساعة أن فتح الله لك باب التعرف عليه في أيات جلاله، ودلائل عظمته، وبديع خلقه، ولطيف مشيئته، وعظيم تقديره، فامتلأ قلبك محبة له، وإقبالاً عليه، وتعظيماً لقدره، وإجلالاً لمقامه.

ستجد عيدك بحق حينما أكرمك  الله تعالى بنعمة المثول بين يديه في محاريب التجلي، حيث أبواب السماء المفتوحة، والعطايا الممنوحة ، والفيوضات السابغة ، والأرزاق الواسعة ، وفتح لك باب مناجاته، والتلذذ بمناداته.

ستجد عيدك ساعة  أن تجلى عليك بالفتح في كتابه،  فشرح  صدرك لآية من آياته، فزلزت كيانك، وهزت أركانك، فانتفض قلبك خشية، وفاضت عيناك تأثرا ، ففرحت بأن وجدت قلبك مازال حيا، وعيناك مازالت تنساب منها قطرات الندى. فتيقنت أنك مازلت على قيد الحياة مادمت بجوار الحي الذي لايموت.

عيدك  السعيد ساعة أن افاض عليك بهبوب رياح محبته ، فتسللت نسائم الفرحة إلى قلبك فامتلأ رضا بتقديره، ومحبة لخلقه، وعفواً عن كل من أساء إليك .

فإذا بمشاحناتك تتلاشى ويسكن مكانها العفو والصفح ،وإذا بالمحبة تفيض من قلبك، فترى نفسك بالشفقة على الخلق قد تعطرت، ، وأزهار الود لمن خاصمتهم قد تفتحت،ورحمات التواصل بمن هجرتهم قد تألقت، وأنوار صفو الوداد بمن قاطعوك أو قاطعتهم قد تلألأت، ، فقلت بلسانك حالك ومقالك : اللهم إني عفوت عن كل من أساء وظلم، فاجعلني أهلا لعفوك، فكم أسأت وظلمت.

عيدك أنت

نعم إنه عيدك، فقد هانت الدنيا في عينيك، وضمرت قيمتها في نفسك، وتصاغرت خلافاتها ومشاحناتها بين يديك.

عيدك حينما انتصرت على آلام غضبك فأطفأتها بماء ود العفو وطهرتها بعطر التواصل، وزينتها بأزهار التزاور، وأكرمتها بخليط التصافح والتغافر.

عيدك عندما رأيت نفسك تدعوه موقنا بواسع كرمه، وتسأله موقنا بعظيم استجابته، فأصبحت وكأنك ملكت مقاليد الدنيا ، وكنوز الآخرة.

العيد أن نتأهب للخروج الأولي من كهف كورونا الى العالم بقلوب أكثر ثقة في دين الله تعالى ، وأكثر اعتزازا بالانتساب له ، وأكثر تمسكا بقيمه وتعاليمه.وأكثر حرصا على دعوة الخلق اليه ودلالة الناس عليه.

العيد أن نتأهب للخروج بنفوس أصفى، وعلاقات أقوى ،ورؤية أوضح ، وعزم أمضى.

العيد أن نخرج وقد عاهدنا الله على إتقان ألأعمال، وصدق الأقوال، وإسعاد البشرية، وصناعة الأمل في النفوس.

وأخيراً:  فعيدك اليوم أن تستشعر بميلادك الجديد، الذي تغيرت فيه قناعاتك ومفاهيمك، وتجددت فيه مشاعرك وأحاسيسك، وقويت فيه من جديد همتك وعزيمتك ، ولاحت لك فيه رايات الأمل واليقين  في الفرج من رب العالمين.

                                           

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه