دراما البكاء: “الاختيار” وشيطنة الإخوان المسلمين

أختلف مع الإخوان، وأنا ناصري الهوى ولدي ايمان بكل أفكار جمال عبد الناصر، ولم أنتخب في حياتي الإخوان المسلمين.

 

لم أستطع أن أتابع كل الدراما التي أنتجتها الشركة المتحدة المتخصصة في الإنتاج الدرامي لشركة إعلام المصريين التابعة للأجهزة الأمنية في مصر..

لم أشاهد سوى مسلسل “النهاية” وقد أشرت بمقال سابق لبعض ما فيه من أفكار تستدعي الانتباه والتفكير فيما يحمله لنا المستقبل القريب؛ ولكني تابعت ردود أفعال الشعب المصري على بعض المسلسلات، وبصورة عابرة رصدت تعاطف الشارع مع (عصابة ال١٠٠ وش) المسلسل الوحيد الذي أنتجته “العدل غروب” خارج الشركة المتحدة..

وكذلك الاحتفاء بمسلسل (الفترة) وهو المسلسل المأخوذ عن أحد نصوص نجيب محفوظ في سلسلة الحرافيش والقضية التي تعاني منها شعوب كثيرة في المنطقة العربية، هو العادل الذي تبحث عنه الحرافيش ليحقق لها العدل الاجتماعي..

اما مسلسل: القتل والخيانة والظلم الذي لاقى نجاحا ونقدا جماهيريا كبيرا فكان البرنس لمحمد رمضان، وهو مسلسل يمضي في طريق الدراما البكائية مع مسلسل البكاء والكراهية “الاختيار”..

الاختيار: مسلسل الشؤون المعنوية!

أكثر مسلسل أثار جدلا حقيقيا في الشارع المصري كان مسلسل الاختيار ومع كل حلقة من هذا المسلسل يزداد الشد والجذب بين المصريين إذ استطاعت الشركة المنتجة وفريق العمل استدعاء حادث قريب جدا، وهو استشهاد كتيبة مصرية كاملة تحت قيادة الشهيد الضابط أحمد المنسي في سيناء تألم له كل المصريين وأثار المسلسل العديد من القضايا..

كانت أولى القضايا أو المعارك هي معركة الإمام ابن تيمية والفتاوى التي أفتى بها منذ مئات السنين، وبدا في المسلسل أن هناك صراعا على تفسير تلك الفتاوى بين التكفيريين وبين النظام المصري ممثلا في الشؤون المعنوية وفي بطل المسلسل وكذلك مندوب الأزهر المفترض في المسلسل..

 انقسم الشارع كالعادة بين وجهة نظر الطرفين في الدراما طبعا. 

محاولة لصق داعش بالإخوان المسلمين

ربما كان هدفا خفيا جدا للمسلسل وربما لم يستطع القائمون عليه أن يقولوا مباشرة تلك الجملة في مسلسلهم فليس هناك أي رابط بين جماعة الإخوان المسلمين وبين داعش أو الجماعات التكفيرية..

لم يرصد أي محلل أو باحث لفظا أو دعما أو مقولة لأي منتمٍ للإخوان يدعم فيه داعش أو الجماعات التكفيرية بل على العكس فقد أدانت جماعة الإخوان تلك الجماعات حتى في العام الذي حكمت فيه مصر، ولعلنا نذكر جميعا حادثة في ٢٠١٢ عندما قتل أكثر من ٢٠ جنديا مصريا أثناء إفطارهم في رمضان، وعلى إثره  أقال الرئيس الراحل محمد مرسي -رحمه الله- المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، وعين السيسي الذي كان رئيسا للمخابرات العسكرية وزيرا للدفاع..

إذن كانت إحدى تلك العمليات سببا رئيسيا في تولي السيسي وزارة الدفاع، وكان هناك ضغط كبير على الرئيس محمد مرسي بدفعه لاتخاذ هذا القرار!

ولم تتوقف عمليات الجماعات التكفيرية أثناء حكم الاخوان، فلماذا تنتشر اللجان الإلكترونية للنظام طوال فتره إذاعة مسلسل الاختيار للربط بين من يقوم بالأحداث في سيناء والإخوان؟! ولماذا عقب كل حلقة تنتشر ألفاظ السب من مجموعات كثيرة ضدي الإخوان المسلمين؟!

الخطر الذي صنعه النظام

حاول النظام خلال السنوات السبع إيصال رسالة للشعب مفادها أن الإرهاب هو الخطر الذي يهدد حياتهم، وأشاع أن الإرهاب هو صناعة لجماعة الإخوان وهم المسؤولون عما يحدث من حوادث سواء داخل سيناء أو في محافظات الدولة ليظل هذا الخطر يهدد حياتهم، وبالتالي فإن السيسي ونظامه هم من يحمون الشعب منهم؛ فقد جاء من أجل مواجهة الإرهاب المحتمل وبوجوده صار الإرهاب حقيقيا، وهناك دائما فاعل مجهول حاضر هو الإخوان المسلمون!

أختلف مع الإخوان، وأنا ناصري الهوى ولدي ايمان بكل أفكار جمال عبد الناصر، ولم أنتخب  في حياتي الإخوان المسلمين حتى حينما كان حزب الكرامة الذي أنتمي إليه متحالفا مع الإخوان، بل لم أنتخب أصدقاء عمر ورفاق نضال لأنهم على قائمة الاخوان..

 في الانتخابات الرئاسية بعد يناير كنت ضمن حملة حمدين صباحي، وفي الإعادة لم أنتخب محمد مرسي ولا أحمد شفيق.. لكن بالطبع كل هذا لا يجعلني أقرر أن الإخوان المسلمين كانوا أصحاب يد في أي من الحوادث التي قيل إنها لجماعات ارهابية.. فالعقل هو دليل الحياة وعندما نفقده يستطيع إعلام جوبلز أن يوجهنا كيفما يشاء!

الحلقة ٢٨ من الاختيار تفجر الكراهية

عاشت الدراما كثيرا على البكاء والدموع، وكان أشهر صناع دراما البكاء والظلم المخرج السينمائي الراحل حسن الإمام، ولأن الشعب المصري بطبعه عاطفي وهو بكاء جدا، وفي ظل ظروف وباء مثل كورونا ومع حجم الإهمال والتعمد فيه من جانب النظام، تصبح الحلقة التي تدور أحداثها حول هجوم الجماعات التكفيرية على كمين البرث مهمة جدا في جريان نهر الدموع من المصريين ويبقي حجم التأثير أعلى جدا..

هكذا استغل المخرج والمؤلف في الاختيار الظرف للتأثير على جموع المصريين المستعدين للبكاء بطبيعة الأحداث وليسيل بعدها كمية هائلة من الكراهية بين المصريين بسبب هذه المناحة التي غابت عن الحادث الأصلي، رغم محاولة ذلك حينئذ، لكنها حضرت في الحالة الدرامية وعادت الاتهامات لجماعة الإخوان مرة أخرى وصار كل منتمٍ لها محل اتهام بقتل أولادنا في سيناء ولتشتعل مره أخرى نار الكراهية التي تسري في نسيج المصريين طوال سبع سنوات مضت!

محاولة شيطنة يوقفها العقل

هل فعلا جماعة الإخوان مسؤولة عما يمر به المصريون؟ أو هل ينتمي هشام عشماوي للجماعة مثلا؟

ألا يستدعي مثال كهشام عشماوي كونه ضابطا سابقا بالقوات الخاصة في صفوف التكفيريين تفكيرا مخالفا؟!

هل الملايين من المصريين هم فعلا من الدواعش الذين قال السيسي عنهم إنهم ٥٠٠٠ تكفيري في سيناء؟ كيف لا يستطيع الجيش المصري أن يدعم قواته في معركة استمرت ٤ ساعات في سيناء؟ وأين حينها المخابرات العسكرية وسلاح الاستطلاع والقوات الجوية؟

هل هناك علاقة بين طول الحدود مع الكيان الصهيوني وهي أكثر من ٢٠٠ كيلو متر؟ الا يستدعي هذا التفكير.. لماذا الحوادث جميعا في الأرضي المنبسطة السطح ولا توجد في الأراضي الوعرة ذات الجبال؟

 إن تلك المحاولة التي يحاول النظام من خلالها ربط أحداث سيناء بالإخوان أو حماس هي محاولة فاشلة لكل ذي عقل.. ولكنها ليست كذلك لشعب أدمن القهر والاستبداد والظلم!

تعالت أصوات من جوانب عاقلة للبحث وراء الحقيقة والتفكير في كل الأسئلة الشائكة بعد الحلقة تلك في مسلسل الاختيار المفروض بقوة الشركة الوحيدة المنتجة، وكانت الحلقة التي تليها ومع ارتفاع صوت الوطنية تحت سيل الدموع تم نشر فيديو إعدام هشام عشماوي.. ليتجدد السؤال عن الفرق بين الجماعات الإجرامية والمتطرفة والدولة، وهل تقوم الدول بهذا السلوك الذي يمنعه القانون، وكيف تهلل قطاعات من الشعب لنشر الفيديو؟ أي مساحات من الكراهية ونحر الإنسانية انتشرت في نسيج الوطن؟!

لم يقدم ثوار يناير مبارك وأركانه إلى محاكمات خاصة أو محاكمات ثورية.. لم يقم الثوار بطرد كل عناصر الدولة العميقة من الأجهزة والوزارات، ولم يتم إبعاد ضباط في أجهزة الدولة أو في مؤسساتها.. وكان التسامح سمه في ثوار يناير فهل تغير الوجدان والنسيج في مصر؟!

 كيف أصبحنا نستسيغ الدم والكراهية.. كيف هانت علينا إنسانيتنا إلى هذا الحد.. لماذا؟!

إن الكراهية والصراعات بين أخوة وأسر وعائلات وتيارات حالة لم يسبق أن مر بها شعبنا خلال تاريخه؛ لكن حالة الثأر تلك طريق نهايته مأساوية.. لا تنتهي إلا بالمحبة والتسامح في مواجهة شيطان ينشر الكراهية بين المصريين.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه