قصة طائرة تركية قلبت الموازين في ليبيا

 

انتصارات قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية على مليشيات ومرتزقة المتمرد المتقاعد خليفة حفتر، التي أفضت إلى تحرير قاعدة الوطية الاستراتيجية، واقترابهم من استعادة مدينة ترهونة وقاعدة الجفرة الجوية التي تعد المركز الرئيس لغرفة عمليات ميليشيات حفتر، يعني التخلص من مثلث القوى الذي عول عليه الجنرال الليبي المتقاعد كثيرا في جولاته السابقة، والقضاء على حلمه باعتلاء السلطة في ليبيا، وإخضاعها لديكتاتورية حكم العسكر، وتأكيد هزيمة الداعمين له، الطامعين في السيطرة على ثروات الشعب الليبي، والقضاء على ثورته، وإعادته مجددا من حيث أتى.

تحرير الوطية ودور الدعم التركي

 إلا أن العنوان الأبرز لتلك الانتصارات، الذي سيظل حيا في ذاكرة الأعداء قبل الأصدقاء هو ذلك المرتبط بالدعم اللوجيستي والعسكري التركي، وتأثيراته على مجريات المعارك على الأرض لصالح قوات حكومة الوفاق الوطني الشرعية المعترف بها من جانب المجتمع الدولي، وبروز تركيا كإحدى الدول الرئيسية في مجال تصنيع الطائرات المسيرة، حيث أصبحت تحتل المركز السادس في هذا المجال.

 فلا أحد يستطيع إنكار الدور الذي قامت به الطائرة المسيرة التركية الصنع ” بيرقدار” في قلب موازين القوى على الأرض الليبية، وترجيح كفة الصراع لصالح الحكومة الشرعية في البلاد بما حققته من انتصارات، تمثلت في هزيمة مرتزقة المتمرد حفتر، وفرارهم من أماكن تمركزهم، تاركين خلفهم عتادهم الحربي وأسلحتهم والعديد من مخازن الذخيرة هربا من ضربات ” بيرقدار ” المتتالية الموجعة، التي أدخلت الرعب والفزع في نفوسهم.

تحرير قاعدة الوطية الجوية وعودتها إلى حكومة الوفاق الوطني، التي اعتمدت في معركة استردادها على الطائرة التركية المسيرة، منحها أخيرا الفرصة كاملة لفرض سيطرتها على سماء غرب ليبيا، وأتاح لها تدمير حظيرة طائرات مسيرة وطائرة شحن ومنظمة للدفاع الجوي الروسي، كانت الامارات قد اشترتها لصالح مرتزقة اللواء المتقاعد، كما كشف الستار عن ملامح منافسة عسكرية خفية بين كل من تركيا وروسيا، لم تكن الساحة الليبية أولى ساحاتها.

المنافسة العسكرية بين السلاح التركي والروسي

منافسة تشكلت ملامحها الأولية في المعارك التي شهدتها الساحة السورية، واستُخدم فيها كلا السلاحين التركي والروسي وجها لوجه، حيث تم تصنيف المسيرة ” بيرقدار” ضمن الطائرات العسكرية التكتيكية التي باستطاعتها تنفيذ بعض مهام الطائرات الامريكية ” أف 16″، بناءً على النتائج التي احرزتها في تلك المعارك، وبالرغم من اعتمادها على ذخائر محلية الصنع فقد استطاعت تلك الطائرة الصغيرة  الحجم إثبات جدارتها في تنفيذ المهام المطلوبة منها بنجاح ساحق، لتصبح لاحقا العمود الفقري للقوات الجوية التركية، حيث ساهمت بفاعلية في ثلاث عمليات عسكرية شنتها  تركيا في الشمال السوري.

فكان لها دور  في عملية درع الفرات التي استهدفت القضاء على قوات تنظيم الدولة ” داعش ” ومنع المسلحين الأكراد من التمدد في المدن السورية الشمالية، وتأمين المناطق الحدودية، كما أثبتت فعاليتها في عملية ” غصن الزيتون ” داخل مدينة عفرين الحدودية، لمنع مسلحي حزب العمال الكردستاني من السيطرة على مزيد من القرى والمدن السورية الحدودية مع تركيا، حيث بلغ عدد ساعات تحليقها حوالي أربعة آلاف ساعة، خلال مدة العملية التي استغرقت شهرين، وفق ما ذكرته وكالة أنباء الاناضول. وخلال تلك العملية تم تجربتها في تحد جديد تمثل في قيامها بمهام قتالية وسط العواصف والامطار وتساقط الثلوج وانتشار الضباب.

ومن بعدهما في عملية ” نبع السلام ” التي تزامنت مع توقيع أنقرة اتفاقيتها الأمنية مع ليبيا، وهي العملية التي استهدفت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من جانب روسيا ونظام الأسد، إذ اعتمدتها القوات التركية كأحد أهم أسلحتها إلى جانب قذائف المدفعية، مما أهلها لفرض سيطرتها على جزء من الطريق الدولي الاستراتيجي ” أم 4 ” الذي كانت تسيطر عليه القوات الروسية والنظام السوري وقوات (قسد)؟ التي تم طردها تماما من المنطقة. إلى جانب دورها الهجومي لعبت ” بيرقدار ” دورا خطيرا في مجال المعلومات المخابراتية بفضل احتوائها على خاصية التصوير بدقة من ارتفاعات شاهقة. 

فشل منظومة الدفاع الجوي الروسية

أما على صعيد ما أحرزته من نتائج عسكرية، فلعل أبرزها يتمثل فيما حققته من تفوق واضح على منظومة الدفاع الجوي الروسية الصنع ” بانت سير1- أس آي 22″ التي تعد فخر الصناعات العسكرية الروسية، ورغم تصميمها خصيصا للتصدي لجميع وسائل الهجوم الجوي الحديثة مهما بلغت تقنياتها الالكترونية حداثة، والعمل في مختلف البيئات المناخية والاشعاعية ليلا ونهارا، برا وبحرا، فإنها لم تستطع الصمود أمام إمكانيات الطائرة التركية ” بيرقدار ” التي نجحت في تدميرها في كل معركة ضمتهما معا، سواء في سوريا أو ليبيا، الامر الذي سيصب في صالح تسويقها دوليا، ويفتح المجال أمام الكثير من الصناعات العسكرية التركية الأخرى.

 كما يهدد في الوقت ذاته مكانة منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية، حيث من المنتظر أن تتم خلال الفترة المقبلة مراجعة الكثير من العقود الدولية الخاصة بشراء تلك المنظومة، خصوصا من جانب الدول التي كانت تعول على قدراتها الدفاعية كثيرا، وترغب في الحصول عليها وضمها إلى ترسانتها الحربية كالإمارات والسعودية وغيرهما، بعد أن أثبتت التجربة الميدانية فشلها في أداء المهام المنوطة بها، وهو ما يعني تلقائيا خسارة فادحة لروسيا، سواء على صعيد سمعة ومكانة منتجاتها العسكرية، أو من الناحية الاقتصادية.

الامر الذي يعد مواجهة مباشرة وصريحة بين أنظمة السلاح التركي ونظيره الروسي على الساحة الاقليمية، التي يستعرض فيها كل منهما قدراته الهجومية، وفاعلياته الدفاعية، بهدف تسويقها عالميا، رغم عدم اعتراف الدولتين بذلك حتى الآن، في إطار محافظتهما على العلاقات المشتركة، والمصالح التي تربط بينهما إقليميا ودوليا.

مكاسب أنقرة السياسية والعسكرية والاقتصادية

وأيا كانت التطورات التي ستشهدها العلاقات التركية – الروسية لاحقا، فلا شك أن تركيا استطاعت تحقيق العديد من المكاسب السياسية والعسكرية والاقتصادية بدعمها لحكومة الوفاق الوطني الممثل الوحيد للشعب الليبي على الساحة الدولية، فإلى جانب التفوق الذي أثبتته صناعاتها العسكرية المحلية، وما سيدره ذلك عليها من مكاسب اقتصادية في المستقبل القريب، فقد أصبحت لاعبا رئيسيا رسميا في أية مباحثات أو لقاءات أو اجتماعات يمكن أن تُعقد لبحث قضايا المنطقة الشائكة، حيث تزايد الحديث أخيراً في العديد من العواصم الأوربية الفاعلة في ملفات الشرق الأوسط عن إمكانية خلق فرص إيجابية للتعاون معها لإيجاد حلول عملية لتلك القضايا، بداية من الوضع في سوريا، ومرورا بالأزمة اليمنية، وانتهاءً بالملف الليبي الذي يُعد الأكثر تأججا في الوقت الراهن، بعد التطورات التي حدثت على الأرض.

وهو الأمر الذي يؤهلها إلى إملاء شروطها وفرض وجهة نظرها الخاصة بطريقة التعاطي مع سُبل الحل السياسي المطروحة لإنهاء الازمة الليبية، والتي يتصدرها على سبيل المثال  خطة ” إيريني” التي أقرها الاتحاد الأوربي لمراقبة تطبيق حظر توريد الأسلحة إلى الأطراف المتنازعة في ليبيا، والتي سبق وأن رفضتها أنقرة بسبب حصرها تلك المراقبة في حكومة الوفاق فقط ، مع غض الطرف عن مراقبة صفقات الأسلحة التي تشتريها الإمارات وتقوم بتزويد مرتزقة حفتر بها جوا وبرا، إلى جانب الدعوات الخاصة بوقف إطلاق النار تمهيدا للعودة إلى طاولة المفاوضات، التي تراها أنقرة وحكومة الوفاق محاولة لتخفيف الضغط على ميليشيات حفتر ومنحه الفرصة لالتقاط الانفاس، وإعادة تنظيم صفوفه تمهيدا لاستئناف هجومه على العاصمة طرابلس مرة أخرى ليس إلا.

 

 

 

 

 

.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه