لماذا يجب على المصريين الحذر ؟.. كورونا في مصر حقائق وأرقام

من مسببات انتشار الأوبئة انعدام ثقة الشعب في الحكومة

تحتل مصر المرتبة الأولى بين البلاد الأفريقية في عدد الوفيات، والمرتبة الثانية في أعداد الإصابات بعد جنوب أفريقيا،وتكمن الخطورة في نسبة الوفيات المعلنة التي تصل إلى 5% من المصابين.

الوضع في مصر يظهر أن الناس لا تلتزم بالتباعد الاجتماعي والزيارات العائلية مستمرة وصور السلفي من جلسات الأصدقاء تتوالى على مواقع التواصل الاجتماعي، والتزاحم في الشوارع والمواصلات متواصل وزيارات كبار السن تمضي وكأنه لا كورونا ولا يحزنون.

فما الذي يبرر هذه السلوكيات، هل هو تقليل من خطورة كورونا؟ أم إنها ثقة في النظام الصحي في البلد؟ 

 نتعرف في هذا المقال على بعض الحقائق والمعلومات المهمة والتي قد تساعدنا على فهم الوضع الصحي في مصر في مواجهة كورونا.
يجب الانتباه إلى أن العالم يعيش في ظروف استثنائية في ظل وباء عالمي، فيروس خطير وسريع وفتاك وينتشر بصمت ويتفشى كالنار في الهشيم وفقا لوصف مدير عام منظمة الصحة العالمية.
كما يجب الانتباه أن هذا الفيروس الذي لا يرى بالعين أظهر فشلا وعوارا في الأنظمة الصحية لدول متقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة نفسها، ودول أوربية فشلت في الحد من انتشار الفيروس ما أدى إلى عشرات الآلاف من الوفيات بين مواطنيها، الآلاف ماتوا منهم كبار السن ومنهم أصحاب أمراض مزمنة غير ضحايا الكادر الطبي.
وفي مصر يبدو الوضع وفقا للمعطيات مقلقا للغاية فالأرقام المعلنة رسميا والتي اعتمدتها منظمة الصحة العالمية خلال رصدها للوباء في أفريقيا تشير إلى أن مصر تحتل المرتبة الأولى بين البلاد الأفريقية في عدد الوفيات، والمرتبة الثانية في عدد الإصابات بعد جنوب أفريقيا.
لكن الخطورة تكمن في الوفيات فوفقا للأرقام المعلنة فإن نسبة الوفيات إلى أعداد المصابين تتجاوز ٥٪ وهي نسبة كبيرة تقترب من معدلات الدول الأوربية وأمريكا التي منيت بخسائر كبيرة، وأيضا تعد نسبة الوفيات في مصر مقلقة مقارنة بمعدلات الدول العربية المحيطة ما عدا الجزائر التي تشهد أيضا أرقاما مقلقة في الوفيات.

كيف يكون غياب الشفافية عاملا مطمئنا؟ 

الأرقام الرسمية المعلنة خاصة في بلاد العالم الثالث دائما ما تكون محل شكوك واتهامات بعدم الشفافية والمصداقية، وأعتقد أنه لو أخذنا في الاعتبار ولو بنسبة ما أن أعداد الإصابات المعلنة تتحكم فيها الحكومة المصرية  وأنها لا تعلن الأرقام الحقيقية للإصابات التي تشير الشواهد إلى أنها أعلى بكثير من المعلن إما بسبب عدم الشفافية في الإفصاح  أو بسبب عدم إجراء فحوصات لكل المحتمل إصابتهم، فهذا يعني إن نسبة الوفيات إلى الإصابات قد تكون أقل من النسبة الموجودة  حاليا، ولكن هذه الفرضية تضعنا أمام احتمالية أخرى أن تكون أعداد الوفيات الحقيقية كذلك أكبر بكثير من المعلن.

 متطلبات مواجهة الوباء 
أولا بنية تحتية لنظام صحي متكامل

يكون النظام مستعدا للحالات الطارئةــ لديه تجهيزات ومعدات ودواء وطواقم طبية كفؤة وكافية فضلا عن توفر أسرة كافية للعناية المركزة وهي المقياس الأهم في ظل الجائحة مع توفر أجهزة التنفس الاصطناعي.
وفي مصر، نقلت صحيفة المال عن خبراء أن عدد أسرة العناية المركزة بما بين ١٢٠٠٠ و ١٥٠٠٠سرير في كل البلد أي ما يعادل ١٢.٥ سريرا لكل ١٠٠ ألف مواطن، وهي أقل من تركيا وألمانيا والولايات المتحدة التي تزيد عن ٣٠ سرير عناية مركزة لكل ١٠٠ ألف نسمة وأكثر من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا في حال صحة هذه الأرقام. 

ثانيا الأطباء والطواقم الطبية 

وعلى صعيد أعداد الأطباء فمصر تعاني في السنوات الأخيرة من نقص شديد في أعداد الأطباء بعد هجرة آلاف الأطباء المصريين خاصة الشباب إلى خارج البلاد.
وفي منتصف ٢٠١٩ ظهرت مشكلة نقص المستشفيات بوضوح عندما ناقشها مجلس الوزراء في إطار محاولة إيجاد حلول ونُشرت هذه المناقشات في وسائل الإعلام المحلية 
ويبلغ معدل عدد الأطباء لكل ١٠٠٠ مواطن في مصر هو ٠.٨   ويعد ذلك أقل من المعدل العالمي الذي يبلغ ١.5 لكل ١٠٠٠ مواطن ومعدل العالم العربي الذي يبلغ ١.١ لكل ١٠٠٠ مواطن والمعدل الأوربي ٣.٦ لكل ١٠٠٠ مواطن.
هذه الأرقام عن البنك الدولي وكانت آخر تحديثات لبياناته عن مصر في ٢٠١٧ أي قبل ظهور أزمة نقص الأطباء، وتظهر مشكلة نقص الامكانات في فيديوهات شكاوى المواطنين من عدم رد أرقام الطوارئ غير فيديوهات طواقم التمريض والأطباء التي تشكو من ضعف الاستعدادات.
كل هذه المقدمات تعني أنه في حال ازدياد أعداد الإصابات وبالتالي ارتفاع نسبة الحالات الخطرة التي تحتاج رعاية مركزة فلن يجد الناس مستشفيات تستقبلهم ولا أطباء يعالجونهم وهذا ما حدث في إيطاليا ونيويورك وهو الذي تخوفت منه جميع الدول واتخذت على أثره إجراءات الإغلاق المشددة.

ثالثا: إجراءات وقائية 

 اتخاذ السلطات الإجراءات المناسبة وتشديدها عند الضرورة ونشر الوعي بين الناس وحثهم على التطبيق الطوعي للتدابير الاحترازية.
في هذا الصدد تواجه مصر صعوبات كبيرة مثل كثير من البلاد التي تفرض عليها الأوضاع الاقتصادية ضغوطا شديدة تجعلها مترددة في فرض إغلاقات تهدد النشاطات الاقتصادية خاصة مع التحديات الموجودة من قبل كورونا. 

كيف تقرر الحكومة قدر الإغلاق؟  

لكي تتخذ حكومة قرارا بالإغلاق الاقتصادي وتحدد قدر هذا الإغلاق فإن عليها فك رموز معادلة مهمة أولها الخسائر الاقتصادية المحتملة والتكلفة التي ستتكبدها الحكومة والمداخيل التي ستفقدها في حال الإغلاق.
ثم تحديد عدد المصابين الحاليين والتقديرات المتوقعة للزيادة وحساب القدرة الاستيعابية للمستشفيات لتلقي الحالات العادية والحالات الحرجة من خلال حصر الفئات الخطرة الأكثر عرضة للتضرر الكبير من الفيروس وتشمل كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
وبالطبع هذا يتطلب توفر قاعدة بيانات قوية كانت موجودة أصلا للبناء عليها، ولا يرجح أن يكون ذلك متوفرا في مصر بشكل متطور في الوقت الحالي خاصة أن تطوير النظام الصحي لم يكن ضمن أولويات الحكومة الحالية وفقا لما أعلنته سابقا.
وبناء على هذه العوامل تتخذ الحكومة قراراتها بدرجة الإجراءات التي ستفرضها ولذلك تباينت الدرجات بين دول مثل السويد التي فرضت إجراءات خفيفة وإيطاليا التي فرضت إجراءات مشددة.

رابعا: وعي الشعب والثقة في الحكومة

من عوامل تفاقم الوضع في غرب أفريقيا أثناء تفشي وباء إيبولا  2013 -2015  كان انعدام ثقة الشعب في الحكومة، فالشعب يعتقد  أن الحكومة فاسدة لا تكترث بمصلحته ولا يرى أصلا اهتماما من الحكومة بالنظام الصحي إلا في إطار المتاجرة لتحصيل معونات من الخارج و  الإعلام لا يصدقه الشعب لأنه يعتبره مجرد  أداة لتبرير أي قرارات تتخذها الحكومة وذلك وفقا لبحث تعليمي لجامعة هارفارد عن وباء إيبولا، وبالتالي فإن الناس في دول غرب أفريقيا الثلاث التي تفشى فيها الوباء وهي ليبريا وسيراليون والكونغو لم يلتزموا في البداية بتوصيات الحكومة بالحجر المنزلي واتخاذ إجراءات التباعد والحجر المنزلي وعدم  التنقل ..ما أدى إلى تفشي الوباء الذي كان أقل قدرة على الانتشار من وباء كورونا  وأودي بحياة ١١ ألف شخص وهو ما عد رقما كبيرا وصدمة في الأوساط الصحية.
وفي مصر قد يكون من المجحف الادعاء بتماثل الوضع مع دول غرب أفريقيا إبان وباء إيبولا.. ولكن أيضا لا يمكن إنكار أن الوقائع تشير إلى تشابه بدرجة ما. 

وعي المصريين 

للإنصاف لا يمكن تحميل الحكومات المسؤولية عن كل النتائج بالرغم من مسؤوليتها عن كل القرارات، فالإعلام يبدي اهتماما بتمرير الرسائل السياسية من قرارات الحكومة بشأن الإجراءات الصحية أكثر من اهتمامه بالتوعية الحقيقية، وحتى المشاهير والمسؤولين على أعلى مستوى منهم الوزراء والمحافظون يظهرون في الإعلام غير ملتزمين بالإجراءات الوقائية في رسالة سلبية التأثير على الوعي المجتمعي.
 فالوضع في مصر حاليا يشير إلى عدم الوعي بخطورة الموقف فما حدث في دول متقدمة كالولايات المتحدة أو إيطاليا لو تكرر في مصر لا قدر الله ستكون كارثة نتائجها وخيمة.

سبيل المصريين إلى النجاة؟ 

بالرغم من السخرية من مشاهد الازدحام وعدم التزام المصريين بالتباعد الاجتماعي فإنه لا سبيل للنجاة بأقل الخسائر إلا بالرهان على وعي المصريين.
فالآن منحنى أعداد الإصابات في مصر يتجه لأعلى ما يعني أن الذروة في مصر لم تأت بعد، ولكن لا داعي للخوف لو علمنا أن ٨٠٪ من المصابين يشفون تماما بلا أعراض أو بأعراض خفيفة و١٥٪ بالمئة تظهر عليهم أعراض أشد بينما ٥٪ فقط هم من يحتاجون دخول المستشفى والعناية المكثفة وتحدث بينهم الوفيات وأغلبهم من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
ولكن مع عدد سكان مصر الكبير فإن نسبة ٥٪ ستكون كبيرة مع ازدياد الأعداد لا قدر الله ما يهدد بانهيار المنظومة الصحية التي تعاني أصلا وفقا للمعلومات التي عرضناها، لذلك فالحل بسيط، على كل مصري  أن يبذل ما في وسعه لتجنب الإصابة و  أن يحمي أهله كبار السن من الاختلاط والتعرض لأية احتمالات إصابة. 
وعل كل مصري أن يتخذ كل التدابير الوقائية التي تحددها الدولة خاصة وأن الوباء عالمي وإجراءات الدول تخضع للتنسيق والمتابعة مع الجهات الدولية، لا أحد يستطيع أن يمنع قضاء الله ولكن يجب إدراك حقيقة يكررها الأطباء في كل العالم ومنهم الأطباء المصريون أنفسهم ألا وهي عليك ألا تضطر للذهاب للمستشفى ولن يكون ذلك إلا بتجنب الإصابة.

ارتداء الكمامة تنظيف اليدين والتباعد الاجتماعي 

التوقف عن زيارة والاختلاط بكبار السن وعزلهم تماما وتأمينهم هو أمانة في رقبة كل مسؤول عنهم، توقفوا عن الزيارات والمعايدات والتجمعات حتى تمر الأزمة.
فإذا حدثت الإصابة في ظل وعي الناس ستكون المستشفيات قادرة على استيعاب أعداد معقولة وفق قدرتها الاستيعابية فضلا عن إمكانية تقديم الخدمات للمرضى بأمراض أخرى  ، إنما الإصابة في ظل الفوضى تعني أن الوضع سيكون صعبا على المريض وعلى المستشفيات والأطباء والطواقم الطبية.
سلمكم الله وسلمنا من كل شر

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه