نقل ملكية الرياضة المصرية باسم السيسي!

 

منذ أكثر من ستة أشهر كتبت هنا وفي نفس المكان، عن الخطوات الحثيثة التي يتخذها العسكر نحو السيطرة على بيزنس الرياضة في مصر، وكانت المناسبة هي توقيع شركة استادات المملوكة لجهاز المخابرات عقدا مع النادي الأهلي يقضي بأحقية الشركة في رعاية النادي الأحمر لفترة غير محددة المدة، وبمقابل يقل بأكثر من النصف عن عقد الرعاية السابق للأهلي، وهو عقد يضمن للشركة الراعية احتكار تسويق اسم الأهلي وكل ما يتعلق به من وسائل إعلامية مثل القناة التليفزيونية والمجلة الورقية والموقع الإلكتروني، وكل وأي شيء يمكن أن يحمل اسم الأهلي..

قلت وقتها إن هذه الخطوة سيعقبها المزيد من الخطوات المماثلة بالأندية الأخرى حتى تتمكن الشركة المخابراتية من الاستحواذ على كافة الحقوق التسويقية لكل الأندية المصرية، وهو ما حدث بالفعل حيث تم التعاقد مع أكثر من ناد أخر، وعلى الرغم من الشروط المجحفة التي تتضمنها عقود الرعاية بين الشركة والأندية، إلا أن الأندية ترضخ للتوقيع حفاظا على المصدر الأهم والعائد الأكبر لديها، وهو حقوق الرعاية..

وبالرغم من أن هذه العقود التي وقعتها الشركة المخابراتية مع الأندية المصرية ستحقق لها مكاسب مالية ضخمة تقدر بملايين الجنيهات وربما مليارات، إلا أن هذا لم يملأ عين العسكر أو يشبع نهمه نحو احتكار كل الأنشطة التي تدر دخلا ماليا بمصر، حيث ذهبت إلى مالا يمكن تخيله أو تصوره، بأن قررت امتلاك الرياضة المصرية من بابها، ونقل ملكيتها إلى رئيس مجلس إدارة مصر والجيش المصري، عبد الفتاح السيسي!

أندية ” C . C”

ما أقوله ليس من قبيل الاجتهاد الصحفي ولا بهدف الافتراء على سلطة طاغية، وإنما هو واقع يعلمه كل من يتابع أحوال الرياضة المصرية، فالشركة المخابراتية المسؤولة عن إدارة بيزنس الرياضة المصري لحسابها، تجهز الآن للمشروع الأهم والأكبر في تاريخ الرياضة المصرية، وهو المشروع الذي من خلاله ستمتلك الرياضة المصرية بأكملها، حيث قررت إنشاء أكبر سلسلة أندية رياضية في مصر باسم (سيتي كلوب)، وهو اسم تم اختياره بعناية فائقة ليوافق اسم المالك الأصلي وهو السيسي، فالحروف الأولى من الصيغة الإنجليزية للاسم هو (City Club)  واختصاره هو (C.C) أي سي سي، على نفس اسم قائد الانقلاب على ثورة 25 يناير (سيسي)، وتجري الآن حملة دعائية ضخمة للمشروع الجديد الذي تقرر تدشينه رسميا في شهر أكتوبر القادم.

المكاسب الحقيقية

كان طبيعيا أن يستدير العسكر على البيزنس الرياضي في مصر ويسعى للسطو عليه واحتكاره لنفسه كما استدار على كافة المجالات والأنشطة التجارية الأخرى، فما من نشاط يمكن أن يدر دخلا معتبرا في البلد، إلا ووضع العسكر يدهم عليه وحول كامل إيراداته إلى حسابهم الشخصي، فهو الآن المهيمن على بيزنس الإعلانات في مصر من خلال شركة برزنتيشن، ولا يخرج إعلان من أي شركة صغيرة كانت أو كبيرة إلا من خلال هذه الشركة، وهو أيضا المحتكر الآن للإعلام الفضائي بكل قنواته، عن طريق شركة إعلام المصريين وكل البرامج والنشرات والفقرات الإعلانية هو الذي يضع الاسكريبت الخاص بها وهو المشرف عليها، وهو أيضا المحتكر للانتاج الفني والغنائي الآن عن طريق شركة سينرجي، وكل الأغاني والأفلام والمسلسلات هي التي تنتجها وتحصد عوائدها، وغير ذلك من الشركات العديدة الأخرى التي تعمل في مجالات الاستيراد والتصدير والاستثمار والمقاولات والسياحة، وأشياء أخرى لا يعلمها إلا الله!

ويبدو أن الحكم العسكري لم يكن قد انتبه من قبل إلى أن البيزنس الحقيقي في الرياضة ليس في رعاية الأندية وتسويق حقوقها كما كان يعتقد، حيث اكتشف أن المكسب الحقيقي والوليمة الكبرى في بيع الأندية للعضويات، خاصة مع الارتفاع الرهيب الذي وصلت إليه أسعار العضويات بالأندية الكبيرة مثل الصيد وهليوبوليس وسبورتنغ وسموحة ووادي دجلة والأهلي والزمالك والتي تبلغ قيمة العضوية الواحدة في أغلب هذه الأندية حوالي 700 ألف جنيه، بما يعني أنه إذا انضم للنادي الواحد عشرة ألاف عضو، فهذا معناه أن خزينة النادي سيدخلها 7 مليارات جنيه، اضرب في عدد الأندية بمصر سيكون العائد مبالغ كبيرة للغاية، كلها ستذهب إلى جيب العسكر، هذا بخلاف العوائد السنوية للأندية من قيمة الاشتراكات والتي تصل لمئات الملايين من الجنيهات، أضف إلى ذلك المداخيل الأخرى الكبيرة المتمثلة في اشتراكات الأطفال في المدارس الرياضية بالأندية مثل مدارس السباحة والكاراتيه والسلة وأكاديميات الكرة وغيرها، والتي يصل عدد الأطفال فيها إلى الألاف يحصل فيها النادي اشتركا شهريا يصل إلى 500 جنيه للفرد الواحد..

لأجل هذا لم يفوت السيسي الفرصة وإذن للعسكر الدخول وبقوة في هذا النشاط لاحتكاره بالكامل كما حدث مع غيره.. والمؤكد أن نزول هذا الوحش ذلك السوق فمعناه أن تفسح له الأندية الأخرى الطريق طوعا وكرها، لأنه وببساطة بعد نزول أندية السيسي الملعب فلن كون من حق أي ناد أخر فتح باب العضويات الجديدة مرة أخرى، بما يضمن أن تذهب كل العضويات لأندية السيسي فقط، ولعل هذا الهدف هو الذي جعل العسكر ينشئ سلسلة أندية وليس مجرد ناد واحد فقط، ومعنى سلسلة أنه سيتواجد في كافة الأماكن القريبة من مقرات الأندية الشهيرة سواء في العاصمة أو الأقاليم، حتى لا يكون أمام المواطن الذي يرغب في عمل عضوية جديدة بأي ناد حجة لدخول ناد أخر، مثل بعد المسافة بينه وبين مقر نادي السيسي.. والمؤكد أن العسكر الذي يعتبر جميع الأرض المصرية في حيازته، لن يجد مشكلة في اختيار أماكن إنشاء مقراته الجديدة كما لن يجد مشكلة في تخصيص أي قطعة أرض تروق له ليقيم عليها أنديته، ومعروف أن إيجاد المكان المناسب وقرارات تخصيص الأرض، هما أهم وأصعب المشكلات التي تواجه الأندية عند السعي لإنشاء أفرع جديدة لها، بل أنهما العقبتان الدائمتان اللتان تقفا ن حائلا أمام نجاح المستثمرين في إشهار أندية جديدة.

الخلاصة:

مفاد ذلك، أن دخول العسكر هذا المجال سيكون له الكثير من التبعات والأثار الخطيرة على مستقبل الأندية المصرية، بل أراه خطوة تنذر بنهاية وفناء أندية كبيرة وعريقة مثل الأهلي والزمالك، والتي ستجف مصادر دخلها الرئيسية والمتمثلة في بيع العضويات، بعد أن يتحول الدخل بالكامل إلى هذا الوحش الذي لا يقبل أبدا أن يشاركه أحد في ولائمه، وليس ببعيد عنا ما حدث للقنوات الفضائية التي أصبحت خاوية على عروشها بمجرد أن قرر العسكر منافستها.

في أكتوبر القادم سيزاح الستار عن افتتاح سلسلة أندية السيسي، ومعه يجب أن نقيم للأندية المصرية سرادق عزاء بعد رحيلها، ولا أراكم الله مكروها في عزيز لديكم!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه