هل يستفيد العرب من تراجع أسعار النفط الأمريكي؟

                         

في شهر يناير من العام الحالي بلغ متوسط سعر برميل النفط 61.6 دولارا، وهو المتوسط الذي يمثل أسعار ثلاثة أنواع رئيسية هي: خام برنت الخاص ببحر الشمال والذي يمثل المعيار الأوربي والذي بلغ 63.6 دولارا، وخام دبي الذي بلغ 63.8 دولارا وخام غرب تكساس الذي يمثل النفط الأمريكي والذي بلغ 57.5 دولارا.

وفى شهر فبراير تراجع هذا المتوسط للسعر الى 53.3 دولارا للبرميل، نتيجة انخفاض الاستهلاك الصيني من النفط والذي يمثل ثاني أكبر استهلاك دولي بعد تعرضها لوباء كورونا، والذي فرضت مواجهته قيودا على حركة النقل والصناعة بها مما قلل من الاستهلاك النفطي.

وفى أوائل مارس الماضي اجتمع ممثلو دول أوبك وحلفائها من المنتجين للنفط وعلى رأسهم روسيا، لبحث اتفاق تخفيض الإنتاج الذي كان موعد انتهائه آخر شهر مارس، وأصرت السعودية على زيادة معدل الخفض بكمية أكبر مما كان عليه الاتفاق المستمر منذ بداية 2017، بينما رأت روسيا خفضا بكمية أقل لحين اتضاح أثر كورونا على الاستهلاك العالمي من النفط.

 لكن السعودية – بمباركة من الرئيس ترامب الذي رأى في تراجع السعر مصلحة للمستهلكين ببلاده وإضرارا بروسيا وإيران – أعلنت أنها لن تلتزم باتفاق خفض الإنتاج مع بداية أبريل، بل وأنها ستزيد من إنتاجها لأكثر من 12 مليون برميل يومي مقابل 9.7 مليون برميل حينذاك.

واستقطبت السعودية الإمارات للإعلان عن زيادة إنتاجها، أيضا ردت روسيا بالإعلان عن رفع كمية إنتاجها بنصف مليون برميل يومي، حيث كانت ترى أن الخفض السابق كان في مصلحة النفط الأمريكي مرتفع التكلفة في استخراجه، وتزامن الخلاف مع انتشار آثار كورونا ببلدان صناعية متعددة أبرزها إيطاليا وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة.

 مما دفعها لتقييد حركة الطيران والنقل فزاد ضعف الطلب على النفط، ليؤدي السببان زيادة المعروض ونقص الاستهلاك الى زيادة الفجوة بين العرض الكبير من النفط والطلب المتراجع له، وكانت النتيجة انهيار الأسعار بصورة غير مسبوقة منذ 17 عاما حيث اقترب السعر من العشرين دولارا وليصل متوسط سعره الى 32 دولارا خلال مارس، ما بين 33 دولارا لبرنت و34 دولارا لخام دبي و30 دولارا للأمريكي.

   خفض أوبك وحلفائها لا يفي بالغرض

وفى أبريل  تدخل الرئيس بضغط من تضرر الشركات الأمريكية وهو مقبل على انتخابات رئاسية، وقد تأثر اقتصاد بلاده بآثار كورونا، بالسعي لدى السعودية وروسيا لخفض الإنتاج، وبالفعل اجتمعت دول أوبك وحلفائها ليتفقوا في الثاني عشر من الشهر الحالي على خفض الإنتاج مع بداية شهر مايو القادم بنحو 9.7 مليون برميل يوميا لمدة شهرين.

ومن بداية يوليو وحتى نهاية ديسمبر خفض الإنتاج بمعدل 7.7 مليون برميل يومي، ثم خفض بمعدل 5.8 مليون برميل يومي لمدة 16 شهرا من بداية يناير 2021 وحتى نهاية ابريل 2022  

وصدرت تصريحات من بلدان منتجة للنفط بأنها ستشارك في الخفض مثل كندا والنرويج، وطلبت أوبك وحلفاؤها من المكسيك خفض 400 ألف برميل يومي لكنها لم تستجب وأصرت على كمية أقل، وحدث اجتماع لوزراء الطاقة بدول مجموعة العشرين لكن لم يصدر عنه وعود محددة بكمية الخفض، وإن كانت قد راجت تقارير عن خفض الدول المنتجة خارج أوبك وحلفائها لنحو 5 ملايين برميل يومي.

أي أنه في حالة التزام الطرفين سيصبح إجمالي الخفض حوالي 15 مليون برميل تمثل نسبة 15 % من الطلب عام 2019، لكن الطلب بسبب تداعيات وتعطل الطيران والسياحة والنقل والانتاج زاد معدل تراجعه لحوالي 30 مليون برميل يومي، مما قلل من عوامل الثقة في نجاح خطة أوبك وحلفائها الأمر الذي أدى الى استمرار الأسعار بالانخفاض.

وخلال الفترة من أوائل مارس والأسابيع التالية زادت الدول من شراء النفط الرخيص، وزادت مخزوناتها لكن لتلك المخزنات سعة قصوى اقتربت من اكتمالها، الأمر الذي أدى لوجود صعوبات في التخزين رغم اللجوء لاستخدام ناقلات النفط العملاقة بالتخزين بجانب صهاريج التخزين مما زاد من تكلفة التخزين، كما أن اضطرارهم لوقف الإنتاج بالآبار قد يعرضها للتلف مما يجعلها غير اقتصادية مستقبلا.

 الأمر الذي أدى الى أن التجار الذين لديهم عقود آجلة ولا يرغبون في تسليم عقودهم، اضطروا قبيل موعد انتهاء عقود شهر مايو من العام الحالي والمقرر له يوم الثلاثاء 21 أبريل الحالي، الى بيع العقود بسعر سالب بلغ بنهاية تعاملات الإثنين 20 ابريل سالب 37.6 دولارا لخام النفط الأمريكي.

 قيود لاستفادة الدول المستوردة للنفط

وفى التعاملات المبكرة من (اليوم الثلاثاء) تحسنت أسعار النفط الأمريكي لكنها ظلت في المنطقة السلبية، مع الأخذ في الاعتبار أن سعر العقود الآجلة للنفط تسليم يونيو من العام الحالي تتداول عند سعر 20.4 دولارا للبرميل.

لكن خام برنت الذي انخفض سعره أيضا يوم الإثنين العشرين من أبريل حقق سعر 25.6 دولارا للبرميل بختام التعاملات، ورغم استمرار سعره بالتراجع بالتعاملات الأولية اليوم الثلاثاء إلا أنه ظل يدور حول سعر 21 دولارا للبرميل.

ويظل السؤال ماذا يعنى ما حدث للنفط الأمريكي من تحقيق سعر سالب للمرة الأولى تاريخيا للمنطقة العربية؟ وهنا يختلف الأمر ما بين الدول المنتجة النفط والدول المستوردة له، فالدول المنتجة ستتأثر إيراداتها مع انخفاض الأسعار العالمية للنفط في ظل منافسة سعرية مع النفط الأمريكي الذي بدأ يتجه الى آسيا وأوربا، الى جانب النفط الروسي الذي يرتبط بدول أوربا وآسيا بخطوط أنابيب تجعله أقل تكلفة من النفط العربي الذي يتم شحنه بالناقلات البحرية.

وكان صندوق النقد الدولي قد توقع خسارة الدول العربية المنتجة للنفط أكثر من 250 مليار دولار من إيراداتها النفطية بالعام الحالي، حين توقع بلوغ متوسط السعر للنفط 35.6 دولار للبرميل. الى جانب زيادة العجز بموازنات الدول الخليجية التي تعتمد على الايرادات النفطية بشكل كبير، والتي توقع صندوق النقد الدولي بلوغ نسب عجز موازناتها 10.2 % بالعام الحالي، مقابل نسبة عجز 2.1 % بالعام الماضي.

أما الدول المستوردة العربية للنفط مثل مصر والسودان والمغرب وتونس والأردن ولبنان، فسوف تستفيد من انخفاض السعر بما يقلل من فاتورة وارداتها النفطية، كما قامت بعض تلك الدول بالاستفادة من انخفاض السعر بشراء كميات لزيادة مخزونها النفطي.

 إلا أنها لا تستطيع الاستمرار في الاستفادة بالسعر المنخفض لسببين، أولهما السعة القصوى لصهاريج التخزين لديها، والثاني وجود عجز مزمن بموازناتها يحول دون التوسع في استيراد كميات أكبر، وهي الموازنات المشغولة حاليا بتدبير نفقات مواجهة تداعيات فيروس كورونا اقتصاديا واجتماعيا كأولوية.

  أسعار الاستهلاك المحلى تتحدد إداريا

مع الأخذ في الاعتبار أن درجة الاستفادة لتلك الدول ستكون بالمقارنة لسعر خام برنت وخام دبي، حيث تقوم باستيراد احتياجاتها من الدول العربية المجاورة، حيث تستورد مصر غالب وارداتها النفطية من السعودية والكويت، وتستود الأردن غالب احتياجاتها من السعودية والعراق وتستورد البحرين غالب احتياجاتها من السعودية.

ولكن هل يستفيد المواطن بالدول العربية بهذا السعر السلبي للنفط الأمريكي؟ والإجابة أن أسعار المنتجات البترولية يتم تحديدها إداريا من قبل السلطات المركزية، ولعل ما حدث بمصر مؤخرا من خفض لأسعار بعض وليس كل المنتجات البترولية بنسبة أقل من 4 %، رغم انخفاض الأسعار الدولية بأكثر من 60 % خير مثال.

أيضا هل تستمر أسعار النفط في مسارها الهبوطى؟ والجواب هنا مرتبط بعاملين أولهما مدى استمرارية أزمة كورونا والمدى الزمنى لعودة الأنشطة الاقتصادية وحركة النقل الى طبيعتها، والعامل الثاني مرتبط بمدى مساهمة الدول خارج أوبك + في كمية الخفض.

 وإن كنا نجد بوادر مشجعة في ذلك بورود أنباء عن اتجاه السعودية بالتعجيل بخفض الإنتاج دون انتظار بداية الشهر القادم، وإعلان الإمارات عن خفض كميات بعض عقودها لشهر مايو، كما يتوقع أن تؤدى الأسعار السالبة لعقود الخام الأمريكي لشهر مايو لدفع الشركات الأمريكية للخفض الطوعي.

لتظل الفترة حتى نهاية يونيو مرشحة لتذبذب السعر، الذى يمكن أن يتماسك من بداية يوليو القادم، خاصة مع عقد دول اوبك+ اجتماعا في يونيو لبحث مدى نجاح كميات الخفض التي قررتها فى الثاني عشر من أبريل في تحقيق الاستقرار للأسعار، والتي نتوقع أن يتم تعديلها بالزيادة لكميات الخفض، وبدون انتظار موقف الدول خارج أوبك وحلفائها، إذا استمرت حالة الإغلاق الكلى والجزئي بأنحاء العالم لدواعي مواجهة كرورنا.

 

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه