الشعب الحائر

أي نظام هذا الذي يواجه الأوبئة والكوارث وجبهته الداخلية مهترئة ما بين مسجون وجائع وضائع ومريض وفقير؟!

 

مسكين شعب مصر، حائر بين الواقع المؤلم والأماني والمؤامرات والوعود والمصالح السياسية والإيمان وحنان الحكام الذي يتشابه مع المثل المصري المشهور: “زي الوز حنية من غير..”، (أكمل بمعرفتك حتى لا أعرقل نشر المقال)

ما علينا، داهم وباء كورونا مصر كما داهم كل بلاد العالم، في مباغتة مريبة سنتجاهل البحث في أسبابها الآن، واستقبلتها كل دولة في العالم بما يتناسب مع إمكانياتها ومدى صدق علاقة أنظمتها الحاكمة بشعوبها، وفي إطار المصالح التي تحيط بالدولة وقت الوباء، ولهذا فهناك اختلافات نسبية بين النتائج والأحداث المحيطة بالوباء في كل دولة عن الأخرى، وإن كان هناك تشابه في الملامح، هذا عن كل دول العالم فيما عدا مصر، التي اختلفت ملامح وتأثيرات وأسلوب التعامل مع الوباء فيها عن كل بلاد العالم بشكل كارثي شديد الوضوح، سواء فيما يتعلق بنتائج المرض أو تأثيره، أو دلالات الاستخدام السياسي للأزمة…… دعونا نبحث ونرى.

في الأزمات والكوارث اعتادت آلة الإعلام المصرية الرسمية مطالبة الشعب بنبذ الخلاف والوحدة والاصطفاف خلف الحاكم والحكومة، والتنازل عن كل الحقوق والاحتياجات والمطالب من أجل مصر مصداقا لمقولة: «ما تقولش اديتنا مصر، قول حاندي ايه لمصر »، ويسود هذا المفهوم في الشارع المصري وبين البسطاء حتى إنهم يتنازلون عن كافة حقوقهم بما فيها المتعلقة بالحياة اليومية ويتحولون إلى مهاجم شرس لكل من يعارض الحكومة والدولة ويتهمونه بالخيانة، فهل يحصل المواطن على نفس الموقف النبيل من الطرف الآخر، وأقصد النظام الحاكم ودوائر الحكم وما يتعلق بها من فئات وطبقات، أم إنه موقف وحب من طرف واحد؟

الحقيقة أن الشعب قدم السبت والأحد وكل الأيام ولم يجد أي مقابل، فكما قلت في مقالي السابق: بدا النظام أول فاعلية له في مواجهة الوباء بالسعي لتقديم خدماته لأسياده في الغرب مهملا شعبه المُعرّض بشكل كبير للخطر أكثر من شعوب الغرب لهزالة الخدمات الصحية منذ سنوات، وعندما بدأت الدعاية الإعلامية لجهود الدولة في حماية الشعب، ظهرت نتائج تدني المنظومة الصحية من الأساس، وأصيب عدد كبير من الهيئات الطبية بالمرض وفقد بعضهم حياته، ولم تظهر أي كرامات للدولة الباكية على الشعب، سوى مشاهد سينمائية لرأس الدولة وهو ينفعل على بعض من المسؤولين لعدم ارتداء العمال الكمامات ..
وكما أن مصر تعاني من انهيار في منظومة الصحة؛ فهي أيضا تعاني بشدة من عدم توافر عدالة اجتماعية وانعدام وجود منظومة الضمان الاجتماعي لغير القادرين وخاصة في الظروف الاستثنائية مثلما حدث وقت الوباء، فتعطل الملايين من عمال اليومية والعمال الموسميين وتم الاستغناء عن آلاف العاملين في مجالات عديدة مثل السياحة، وأغلقت محال تجارية كانت مصدر رزق لآلاف من العاملين بها دون تعويض يذكر في ظل انعدام وجود مظلة ضمان اجتماعي في مصر، هذا باستثناء بعض التعويضات الهزلية والتي مورس حولها دعايات ضخمت منها، وأثناء كتابتي المقال أعلنت الولايات المتحدة خبر تعويض المزارعين المضارين بكورونا بـ19 مليار دولار كشكل من أشكال الضمان الاجتماعي، أعلم أن فصيح من فصحاء الإعلام الرسمي سيرد أن الولايات المتحدة ودول الغرب هي دول غنية ومتقدمة ونحن دولة نامية، وهذا ما سيدفعني لسؤاله: لماذا هرولت الدولة النامية لتقديم مساعدات للدول المتقدمة الغنية بينما شعبها معرض للموت نتيجة نقص الموارد؟!!

أكذوبة العدالة

وأشد ما أثار اندهاشي وغضبي هو أنه في الوقت الذي يجب أن تكون الدولة فيه مشغولة ومهمومة بحماية الشعب المسؤول منها من خطر الوباء والبحث عن حلول تتجاوز بها هذه المحنة، شغلت الجزء الأكبر من اهتمامها في الاستمرار في مطاردة المعارضين لها من الشباب والقبض عليهم واستمرار حبسهم في السجون في ظروف صحية متردية ومخاطر شديدة من تفشي الوباء بينهم، ولكم يا سادة أن تعلموا أن هؤلاء القابعين وراء قضبان الزنازين ليسوا من الخارجين عن القانون بل هم من المعارضين والخارجين عن رضاء الحاكم والدولة فهل يُعقل هذا؟!
بل ما زاد الطين بلة هو قيام الدولة بإصدار قرار بإدراج بعضهم على قوائم الإرهابين وهم داخل السجون لأسباب هزلية منها مثلا: مطالبة أحدهم بمناظرة رئيس الدولة،!!!

 ودعونا نتحدث بصراحة أكثر حول المحبوسين منذ سنوات داخل المعتقلات بعد أحداث فض رابعة والنهضة، فبالرغم من الدعاية الإعلامية التي مورست حولهم بأنهم إرهابيون، فإن الحقيقة يعلمها الجميع، إنهم رجال وأنصار النظام السابق ومنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين التي كان رئيس الجمهورية الأسبق ضمن أعضائها، وبصرف النظر عن رأينا في الجماعة أو في النظام الأسبق أو في النظام الحالي، وبصرف النظر عن اعترافنا أو عدم اعترافنا بالنظام السابق أو النظام الحالي فإنه لم يحدث في أي دولة من العالم أن قام نظام بسجن مؤيدي النظام الحاكم الذي يسبقه، ولو تم تعميم هذا المنهج العجيب لكان نصف الشعب الأمريكي أو الفرنسي في السجون الآن!!

وإذا كانت الدولة والنظام قد قاما بهذه الإجراءات العنيفة وفتح أبواب السجون على مصراعيها لتستوعب المعارضين بهدف تشديد قبضتها وتمكينها من الحكم، فالوضع تغير الآن، وخاصة في ظل انتشار الوباء الذي يلزم الدولة بالمسؤولية عن أرواح كل أفراد الشعب، وأصبح من الضروري الإفراج عن كل من هم في السجون بغير جرم ارتكبوه سوى أنهم من المعارضين، وموقف الدولة في هذا الموضوع يعكس مدى صدق ادعائها بمسؤوليتها عن سلامة الشعب والوطن، وهل ستقدم مصلحة الوطن عن مصلحة النظام الحاكم الذاتية أم العكس؟

الاستخدام السياسي

وأيضا من العوامل الكاشفة لصدق نوايا الدولة هو مدي اهتمامها ببعض المخططات السياسية التي تتوقع أن تجد لها معارضة من الشعب مثل الموقف من سد النهضة، وتمرير مشروعات لتدويل سيناء ضمن مراحل مشروع الشرق الأوسط الكبير، ولهذا فإن اختفاء هذه الموضوعات من المشهد الإعلامي المحلي، وفي الوقت ذاته تبدأ إجراءات تنفيذية مثل البدء في ملء سد النهضة، أو تمرير أراء بشكل خبيث لتدويل سيناء من خلال أفكار خارج الصندوق مثل الإعلان عن حاكم لسيناء مستقل عن الدول المحيطة والتعامل معها باعتبارها دولة مستقلة، وبالطبع يكون هذا الأمر بمثابة بالون اختبار، وربما بعدها يتم تطوير المقترح لشكل آخر، بينما الشعب مشغول ومهموم بكورونا على عكس النظام المهموم بتمرير ما يريد تمريره أثناء كارثة الوباء، المقصد هو أن المحك العملي لصدق أي نظام حاكم تجاه شعبه هو مدى صدق ما يقدمه له من رعاية، والتنازل عن كل ما يتعلق بمصالحه الذاتية الضيقة والتي تصل به إلى التآمر على شعبه وتقديم مصالح شعوب دول أخرى.

أي نظام هذا الذي يواجه الأوبئة والكوارث وجبهته الداخلية مهترئة ما بين مسجون وجائع وضائع ومريض وفقير؟!!!

المشهد والأحداث أمامكم، والحكم لكم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه