ما وراء كورونا؟

هذا الفيروس اللعين تخطى حدود التوقعات بالسيطرة عليه أو الحد من انتشاره ومن قوته المميتة، وهي بالمناسبة توقعات خرجت من فم رئيس أكبر دولة في العالم.

 

ليس فيروس كورونا الجديد بالأمر السهل الذي يتم التعامل معه بخفة كما تم التعامل مع الأزمات والكوارث التي تمر بها مصر، فالفيروس الشرس بل الأكثر شراسة من كل سابقيه سواء من نفس التركيبة الجينية أو غيرها ينتشر ويتوغل ويضرب ويقتل في شعوب العالم من شرق الدنيا إلى غربها.

 هذا الفيروس اللعين تخطى حدود التوقعات بالسيطرة عليه أو الحد من انتشاره ومن قوته المميتة، وهي بالمناسبة توقعات خرجت من فم رئيس أكبر دولة في العالم وهو دونالد ترمب الذي صور الفيروس على أنه يشبه الإنفلونزا ثم أدرك أو استدرك أو استدرك له أو عليه أن الامر ليس بهذه البساطة والتعامل معه لا يكون بهذه الخفة والاستهتار.

العالم اليوم يضرب أخماسا في أسداس فالبنية التحتية الصحية في أرقى بلاد العالم لم تكن ولا أعتقد أنها ستكون جاهزة للتعامل مع أي وباء من هذا النوع، خصوصا وأن الإصابة بالمرض تتطلب توفير غرف رعاية أو عناية مركزة بشكل ضخم وهو أمر ليس متعارفا عليه؛ فهناك نسبة معلومة من أسرة الرعاية المركزة لكل 100 الف مريض وهذه النسبة تتفاوت من بلد إلى آخر، وبالتالي وحين يضرب فيروس كورونا بهذه القسوة بعض البلدان الأوربية أو معظمها فهذا يعني أن غالبية المصابين هم من كبار السن وهذه الفئة هي من تحتاج إلى الرعاية المركزة.

الهرم المقلوب:

 دعني أوضح لك الأمر بطريقة أسهل، فالتركيبة السكانية  أو الهرم السكاني في معظم دول أوربا مقلوب بمعنى أن قاعدة الهرم من الطبيعي أن تكون لصغار السن والشباب ولكن في أوربا نسبة صغار السن والشباب حتى سن 35 سنة أو حتى أربعين سنة لا تتجاور الـ 40 %، وهذا يعني أن نسبة الكبار 60% أو أكثر ، وإذا علمنا أن متوسط عمر الإنسان في أوربا يتجاوز الـ70 عاما وربما أكثر في بعض الدول بفضل الرعاية الصحية والرفاهية الاجتماعية فعليك أن تتخيل حجم الإصابات وأعداد المرضى من كبار السن الذين وبلا أدنى شك سيحتاجون إلى أسرة الرعاية المركزة .

هذا جانب، أما الجانب المفجع في القصة فهو عدد غرف وأسرة العناية المركزة في الدول الأوربية المتقدمة، فنظرة واحدة حسب ما نشر في بعض المواقع والنشرات الطبية الدورية تقول لك بأن أمريكا توفر 34.7 سرير رعاية مركزة لكل 100000 مواطن، وهذا الرقم يعتبر كبيرا لأنه في الأصل ألا يصل المريض إلى الحالة الحرجة التي تحتاج هذا السرير في العناية المركزة ، وعادة ما تخصص هذه الأسرة للطوارئ ولعمليات القلب والجراحات الكبرى مثل زراعة الأعضاء وعمليات المخ وغيرها .

 وحسب بعض التقديرات التي نشرها موقع    www.medpagetoday.comفإنه لو استمرت معدلات الإصابة على النحو المتزايد الذي تشهده أمريكا والعالم حاليا فمن المتوقع أن يصاب 4.9 مليون أمريكي من بينهم1.9 مليون يحتاجون الدخول للرعاية المركزة من بين هؤلاء 960 ألف مريض يحتاجون أجهزة تنفس صناعي ولو علمت أن عدد أجهزة التنفس الصناعي في أمريكا كلها هو 62 ألف جهاز فقط فلك أن تتخيل حجم الكارثة.

هذا في أمريكا ذات القدرات العلاجية الهائلة؛ فما بالك ببقية العالم الأول والثاني والثالث إذ إن كلمة (نظام صحي) غير موجودة في القاموس أصلا؛ ناهيك عن (العناية الفائقة) و(التقدم الطبي) وهما مصطلحان طبيان قد لا يعرفهما كثير من شعوب العالم الثالث إلا ما ندر.

فهلوية ترمب:

 إن العلم والمعرفة هما اللذان أجبرا الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على العودة عن تصريحاته الفهلوية والالتزام بكلام الخبراء واتخاذ موقف أشد صرامة تجاه الفيروس وتجاه ما يجب عليه عمله كرئيس يجب أن يعرف حجمه ويلتزم حدوده خصوصا إذا ما تعلق الأمر بالصحة والطب والوباء.

هل استطعت أن اشرح لك حجم الكارثة التي تواجهها البشرية في مواجهة فيروس لا يرى بالعين المجردة؟

هل أدركت حجم تسيب وإهمال السلطات حول العالم ومحاولتها بيع الوهم للشعوب بأن الأمر بسيط ولا داعي لاتخاذ أي إجراءات، وأن بلادنا محروسة من زمان، وأنه وبفضل الزعيم الفلاني والقائد العلاني سوف تمر الأزمة وو إلخ .

 لا مانع عندي من التهدئة ولا مانع لدي من أن تكون هناك خطة للتعامل النفسي الحذر مع الأمور حتى لا تتحول العمليةإالى عملية انتحار جماعي خوفا من المرض الذي قد لا يكون وصل بعد؛ ولكن المانع الحقيقي هو أن يتم عزل الشعوب عن الحقيقة وأن تترك لتفعل ما تشاء دون اتخاذ إجراءات وقاية كافية ورادعة لمنع انتشار هكذا فيروس .

حجم التوقعات:

المشكلة في التعامل مع الفيروس الجديد هي حجم التوقعات من إنتاج المعامل ومراكز الأبحاث ، وهنا لدي شخصيا مشكلتان  :-

الأولى هي أن نبدو في العالم العربي كالمساكين على موائد اللئام ننتظر بلهفة وشوق ما سيلقيه إلينا علم ومعرفة الغرب من دواء أو لقاح ، وهذا يشكل حسرة وألم على أمة لديها مخزون نفطي يتجاوز ال 300 عام، ولدى معظم دول الخليج العربي تريليونات الدولارات كاحتياطي نقدي في بنوك أوربا وأمريكا ومع ذلك فلم ننتج دواء ولا حتى غذاء بل أنفقت الثروات على الملاهي والملذات وما يشبع العروش والكروش .

والمشكلة الثانية هي الإفراط في التفاؤل والأمل رغم أنني متفائل بطبعي، فكل يوم يمر على البشرية يحصد الفيروس الآلاف أو مئات الالوف من النفوس البشرية التي كانت تظن أنها في منأى من المرض وأن المرض هو منتج حصري للأفارقة ودول العالم الثالث والرابع .

 تتصاعد الأمال مع كل خبر ينشر هنا أو هناك عن نتائج إيجابية للقاح جديد أو حتى دواء جديد ، وهذه الأخبار تكون مصدر سعادة حين تصدر عن جهات متخصصة وليس عن زعماء سياسيين يسعون لتعزيز مواقعهم السياسية أو إعلاميين أو أطباء غير متخصصين  يؤيدون زيادة نسبة متابعيهم أو عن مشاهير الفيس بوك واصحاب الصفحات المليونية على اليوتيوب الباحثين عن عائدات المشاهدة.

تطوير اللقاح:

هناك العديد من المحاولات الجادة لتطوير لقاح جديد لمنع انتشار الفيروس ولكنها وكما قرأت وسمعت من الكثير من العلماء ومن مراكز الأبحاث المتخصصة لن ترى النور قبل عام على الأقل، وهذا ما أكده لي أحد أساتذة علم البيولوجي في إحدى الجامعات الهندية في لقاء أجريته معه في برنامجي مع زوبع الأسبوع الماضي ، أما مسألة علاج المصابين فهذه نقطة أخرى فيها الكثير من الأمل والتفاؤل على النحو الذي خرجت به الأخبار من شركة سانوفي Sanofi  الفرنسية الضخمة والتي يصل حجم إنتاجها من الأدوية واللقاحات سنويا إلى 42 مليار يورو يعني أكثر من 8 أضعاف دخل مصر من قناة السويس سنويا  . هذه الشركة أعلنت أن أن دواء الملاريا المعتمد لديها منذ عقود يشكل علاجا حقيقيا لمرضى فيروس كورونا الجديد .

ثمة فرق بين اللقاح الذي يحول دون الإصابة بالمرض وبين الدواء الذي يعني أن الإصابة قد حدثت وعلينا التعامل معها طبيا، لذا وفي ظل غياب اللقاح وفي ظل الانتشار الرهيب للمرض حتى مع توفر العلاج وليس اللقاح فالحل هو تقليل وتقليص حجم الإصابة ومنع انتشاره..

يعني ( خليك في البيت )

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه