ما وراء كورونا: الأمل في مصر وأفريقيا!

هنا يصبح الأمل في افريقيا الشابة الولود وفي العالم العربي أيضا وخصوصا في دول كبرى مثل مصر، أومثل فلسطين التي تصل معدلات الخصوبة (الانجاب) فيها الى أعلى مستوياتها في العالم.

 

تحدثنا في المقال السابق عن التركيبة السكانية الشابة لأفريقيا مقارنة بأوروبا وأمريكا وأن حاجة اوروبا الى الدماء الجديدة تعني الشباب، لن تغطيها بزيادة المواليد لأن الثقافة المتوارثة عبر أجيال هي عدم الانجاب بل لقد تطورت الى ثقافة عدم الزواج من أصله ، لا بل زاد الطين بلة أن طبيعة الأسرة وشكلها التقليدي الملائم للفطرة الإنسانية ( رجل وامرأة ) تم العبث به كما يتم العبث بجينات الفيروسات والميكروبات في المعامل الأمريكية والأوربية ، وبالتالي فليس هناك أمل في زيادة سكانية محلية الصنع في المدى القريب أو المتوسط وربما البعيد اللهم إلا اذا حدثت عودة عكسية عن المسار الاجتماعي والثقافي الراهن الذي وبلا أدنى شك سيقضي على أوروبا سكانيا .

الأمل في أفريقيا:

 هنا يصبح الأمل في افريقيا الشابة الولود وفي العالم العربي أيضا وخصوصا في دول كبرى مثل مصر ،أو في فلسطين التي تصل معدلات الخصوبة (الانجاب) فيها الى أعلى مستوياتها في العالم.

فماذا عساها أن تفعل أوروبا بالمال والثروة وبالثقافة والفكر إذا لم يسكنها بشر أو يبنيها الإنسان، وعلى ذكر الانسان علينا أن نستدعي إلى الذاكرة ارقام وإحصائيات الذين ماتوا  والذين يتوقع موتهم في سن متأخرة في أوربا وأمريكا بسبب وباء فيروس الكورونا من اليوم وحتى عام مقبل على الأقل وبالتالي تثور نقطة غاية في الأهمية حول السلوك الذي تسلكه أوروبا تجاه كبار السن، وكيف أنها تحولت في معاملتها من الشعارات البراقة إلى القتل ولو بصورة لطيفة أو تحت مبررات واهية ، ومن ذلك تصريحات رئيس وزراء بريطانيا عن الموت الآتي وانذاره الشعب بأنه سيفقد المزيد من الأهل والأحباب دون مراعاة لأي جوانب إنسانية وكأنه يتعين على الناس كبار السن أن يموتوا لأنهم عاشوا أطول من اللازم . ويمكنك قياسا على ذلك أن تراجع تصريحات الرئيس الأمريكي ترمب حول ضرورة عودة العمل إلى طبيعته حتى لا تتوقف الحياة الاقتصادية وحتى لا يموت البزنس والمال حتى وإن ضاع الانسان أو مات أو قتل. فالمطلوب بقاء المال والرأسمالية المتوحشة حتى على حساب الإنسان الذي هو أصل الحضارة ومنشؤها. بالطبع ستسمع صدى لكلام ترمب وجونسون الذي أصيب  هو  بالمرض وأدخل المستشفى ليلة الأحد 5 أبريل نيسان،رغم إعلانه تعافيه من الفيروس الذي أصابه قبل عشرة أيام أو أقرب. هذا الصدى ستجده في كلام نجيب ساويرس ملك العقارات والاتصالات وحسين صبور ملك الإنشاءات وغبور عملاق تجارة السيارات في مصر.

التعامل على مستوى الدولي:

هذا على مستوى تعامل الدول الغربية المسماة بالـ(متحضرة) مع شعوبها فما بالك بتعاملها مع بعضها بعضا وطريقة تعامل منظمات دولية يفترض أنها تدير الأزمة إنسانيا وليس سياسيا، مثل منظمة الصحة العالمية وقد نلحظ تغيرا سلبيا واضحا في سلوك الدول والحكومات تجاه بعضها بعضا ويمكننا رصد التالي:

  1. حملة الاتهامات المتبادلة بين الصين وأمريكا حول سبب انتشار الفيروس
  2. قرصنة الدول الأوربية في عرض البحر وعلى أرض المطارات من أجل الحصول على الكمامات والقفازات للوقاية من المرض إضافة الى مستلزمات ومعدات أخرى على النحو الذي جرى بين فرنسا التي صادرت كمية من الكمامات والقفازات الصينية كان في طريقها إلى كل من إيطاليا واسبانيا ، والأمر ذاته تكرر  مع دولة أوكرانيا التي أرسلت موفدها لشراء كمامات وقفازات من الصين فوجد مندوبي أمريكا وروسيا وفرنسا يضاربون على السعر وأصبح معيار الإنجاز هو (الكاش) في حرب ليس فيها أي معيار أخلاقي في زمن الوباء والبلاء المفترض أن يوحد العالم ويزيد فيه  من رقعة التضامن لا الفرقة والصراع من أجل حفنة كمامات .ونفس الأمر تكرر قبل أيام بين فرنسا وأمريكا على أرض  مدرج مطار صيني أخيرا ، دعك  عن استيلاء أمريكا على شحنة كمامات ( 200 الف كمامة مستوردة لصالح ألمانيا من تايلند في جنوب شرقي آسيا ).

إذن الأمر لم يعد عملا سريا أو سلوكا أحاديا بل تكرر وأصبح سلوكا منظما تقوم به الدول وتعترف به كما فعل ترامب بلا حياء ولا خجل وكأنه ليس رئيسا لأكبر دولة في العالم بل قاطع طريق بامتياز، وأنقل هنا جزء مما قاله ونقلته عن وكالات الأنباء والمحطات التلفزيونية ” نحتاج إلى الأقنعة ولا نريد لغيرنا الحصول عليها ولذلك فعلنا الإنتاج الدفاعي، بإمكانكم أن تسموا هذا انتقاما ولكن إن لم نحصل على ما نحتاجه سنكون قساة جدا “

  1. حصار إيران وحرمانها من الحصول على المستلزمات الطبية وهي بلدٌ واقعٌ تحت الحصار والمقاطعة والعقوبات منذ ثلاثين عاما.
  2. طريقة أداء وسلوك الرئيس الأمريكي رئيس أكبر وأعظم دولة في العالم والقطب الوحيد فيه تجاه الجائحة وتجاه الشعب الأمريكي نفسه، ففي بلد يعرف بأنه بلد تحكمه المؤسسات نفاجئ بالرئيس ترامب وهو يمارس الدجل و الفهلوة ويزعم أن الوباء في طريقه للنهاية تارة ، وتارة أخرى يزعم أن علاج الملاريا مفيد وجدي وعلى الشعب أن يجربه في الوقت الذي يرفض فيه كبير الاستشاريين
  3. تصريحات المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والمنشورة يوم الاثنين 6 ابريل نيسان  2020،التي أوضحت فيها وبجلاء عمق الازمة التي يمر بها الاتحاد الأوربي وكيف أن كورنا اختبار صعب بل هو أصعب اختبار للاتحاد منذ تأسيسه.
  4.  في مقال له نشر بست لغات في صحف المانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال واسبانيا وهولندا ،قال بيدرو سانشيز رئيس وزراء اسبانيا ” إن وباء كورونا قد يتسبب في انهيار الاتحاد الأوربي إن لم يتم اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ” ومن الواضح طبعا أن المقال في حد ذاته هو صرخة ألم من دولة تعد في مقدمة دول العالم تضررا من الفيروس (من حيث الأعداد) بعد أمريكا وقبل إيطاليا.
  5. صرخة رئيس صربيا الكسندر فوتشيتش التي أطلقها في السابع عشر من مارس آذار  الماضي بعد ما شهد تخلي اوربا عن بلاده في محنتها وهو الذي كان يظن باعتباره رئيسا لدولة لم تعرف الديمقراطية من قبل أن أوربا الديمقراطية ستكون أكثر تحضرا وإنسانية وقت الشدة.

 

خيبة الأمل:

أعرب فوتشيتش عن خيبة أمل بلاده واعلن وبوضوح أن التضامن الأوربي أكذوبة، وأن بلاده لم تجد صديقا في محنة كورونا سوى الصين ، وهي بالطبع ليست عضوا بالاتحاد الأوربي .

هذه عينة من وقائع حدثت ولو نقلناها عن دول افريقية لهان الأمر على المتلقي أو القارئ ولكننا ننقل أحداثا وتصرفات دول تزعم أنها متحضرة وأنها متحدة ومتضامنة وتقدم نفسها ونموذجها الوحدوي على أنه النموذج الأفضل عالميا. اليوم نراها ونرى المسئولين فيها يخلعون طواعية هذا القناع المزيف ليبدو من تحته الوجه الحقيقي والقبيح للمصالح الفردية للدول والشعوب كل على حدة.

 أحد أهم معالم عالم ما وراء أو ما بعد كورونا هو انكشاف الرصيد الأخلاقي للدول الغربية ووصوله إلى مرحلة ما تحت الصفر، وهذا الانكشاف وإن كان موجوداً من قبل إلا أنه اليوم وبفضل كورونا أصبح معلنا وغير محتجب خلف كلمات براقة وشعارات رنانة.

العالم الجديد هو عالم قد يكون أكثر وضوحا وأكثر شفافية وهذا سوف يصب لصالح أصحاب القيم والمبادئ الإنسانية الحقيقية وليس لهؤلاء الذين يبيعون الوهم ويحصلون على الإنسان النظيف ليعيدوا استخدامه وتلويثه ثم يعيدوه من جديد ليكون جزءا من منظومة الحكم الفاسدة في بلادنا.

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه