كورونا والدروس غير المستفادة

ما الذي تغير في مصر التي كانت أم الدنيا فأصبحت أم العجائب فأضحت تقدم سفهاء الشلولو والفلولو دون سواهم من العلماء الحقيقيين وتتخذ من الراقصات وأمثالهن خط دفاعها الأول وتقهر أطباءها

تداول الناس فيديو لذلك الرجل الطيب الذي وقف على باب المسجد المغلق يطرقه ويقول: “افتح لنا يارب، خلاص عرفنا غلطنا ورجعنالك”. وقرأت تلك التعليقات المتأثرة لحد البكاء، ولا أخفيكم سرًّا أننى وددت لو أملك سؤاله وسؤالهم: ماالذى تغير فيستوجب قبول الدعاء وفتح الباب ورفع البلاء؟
وكأن قائلاً منهم ذكرنى بقول الله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. وقد غيٌَرنا وننتظر التغيير من الله. 

 وازداد يقيني أن الكثيرين لم يستوعبوا الدرس ولم يفهموا القصد، ولم ينفذوا  إلى مراد الله من تلك الجائحة وأمثالها، ورأيت الآية الكريمة من سورة الأنعام تمر أمامي: “فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون” (الأنعام 43)، فهل لانت قلوب الناس بحق  وتجاوبت معها جوارحهم وانعكس ذلك على سلوكياتهم؟  
 ثم سمعت صوتاً يرتل:”وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً” (الإسراء 16)، فقلت هل كف مترفوها عن الفسوق فيها؟
 واتهمت نفسي وقلت لعل الناس استوعبوا الدرس فعلاً وعادوا إلى الله أفراداً وأمماً، شعوباً وجماعاتٍ، دولاً وحكوماتٍ، وأخذت أراجع المشهد مراجعة المتأمل المتجرد عسى أن أكتشف خطأي وسوء ظني وتقديري، ولكن مع الأسف صدمتني الحقائق على مستوى العالم ودوله وأفراده، وبات السؤال ملحًّا ما الذي تغير حتى يرفع الله هذا البلاء ويفتح باب المسجد لذلك الطارق بدمعتين يذرفهما ويحاكيه فيهما المتأثرون به وكذا المساجد فى كل مكان؟!

هل تغير شيء في هذا النظام العالمي الذي لا قلب له والذي يخوض صراعاً صفرياً لا أخلاق فيه ولا قيم ولا رحمة ولا إنسانية؟!
نظام يقوم على الرأسمالية الجشعة المتوحشة،يهيمن على اقتصاده المرابون وعلى سدة الحكم المستكبرون، وعلى السياسة الكذابون المخادعون، ويسير خلفهم المنافقون والمتملقون.

هذا النظام العالمي ذو القطب الأمريكي الأوحد الذي يتحدث عن الديموقراطيات في الوقت الذي يساند فيه الطواغيت القتلة التابعين له فهذا ديكتاتوره المفضل وذاك صديقه الملك المبجل.

ولكن للحق قد طرأ تغير إذ جعل ترمب السر علانية، وما كان في سابق أعراف السياسة في الغرف المغلقة أصبح أمام الجماهير وعبر الشاشات بلا خجل فيقول لسلمان أنت لا تستطيع أن تحلق بطائرتك في  السماء بدون حمايتنا فادفع !!
 أنت لا تستطيع أن تستمر في الحكم أسبوعين بدون إرادتنا فادفع!!
وجاء رد ابن سلمان أن هذا جائز بين الأصدقاء فيقبله وتقبله الجماهير ويصبح هذا هو القاعدة الجديدة، وذكرني ذلك بموقف تلك المرأة الداعرة التي كانت تجري خلف رجل بالشارع وتصيح ليمسك به الناس وبالفعل يمسكون به، فتقول لهم لقد مارس معي الرذيلة ولم يدفع الأجر فينهال عليه الناس ضرباً! كيف تأكل عرقها وتهدر جهدها ويخرج شيخ معمم من بينهم قائلاً: هذا أكل لأموال الناس بالباطل ويأمره أن يعطيها أجرتها!

فهل خرج سلمان من وصاية ترمب أم يجب عليه دفع الجزية ثمن الوصاية  أم أنهما يقودان العالم إلى مرافئ الأمن والسلام كما قال كبير مشايخهم!!

ما الذي تغير على المشايخ من أمثال المغامسى والقرنى وشوقى علام ومختار جمعة وسعد الهلالي وخالد الجندي، هل اعتبروا أو اعتذروا؟

 وظهر حسان وقد يكون  أكثرهم استقامة، خرج فقط ليأمر الناس (بإخراج) الزكاة مقدماً وهذا جائز ولكن ما رأيه في إخراج المحبوسين ظلماً؟ وأيهما أولى؟ ما أظنك ستجد عنده جواباً!

ما الذي تغير ومازال ابن سلمان وابن زايد وبقية تحالف محور الشر يقتلون الأبرياء من نساء وأطفال اليمن ولا يرحمون طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً وسط صمت العالم ، وما اتعظوا من حصار الفيروس لهم إذ يستمرون كما هم فى حصار أهل قطر!!

ما الذي تغير وابن زايد يتعاقد مع الكيان الصهيوني على صفقة سلاح يتسلمها حفتر ليدمر بها ليبيا ويصب أطنان القنابل على المستشفيات ومخازن الأدوية حتى يقتل طريحى الفراش ويحرم المرضى من التداوي؟؟

ما الذى تغير وما زال عباس ينسق أمنياً مع الكيان الصهيونى الغاصب المحتل سراً وعلانية  ضد المقاومة من الجهاد وحماس و التى تصنفها السعودية منظمة ارهابية؟!

ما الذي تغير في إيران مع كل ما يحدث لها وما زالت تدعم أذرعها من الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد الشيعي في العراق والأسد في سوريا، ولم تتنازل عن مشروعها الفارسي الصفوي التوسعي، ولم تكف عن قتل أهل السنة في هذه البقاع؟

ما الذي تغير في مصر التي كانت أم الدنيا فأصبحت أم العجائب  فأضحت تقدم سفهاء الشلولو والفلولو دون سواهم من العلماء الحقيقيين وتتخذ من الراقصات وأمثالهن خط دفاعها الأول، وتقهر أطباءها وتلاحق أئمتها ووعاظها، وإذ يبادر إيلي كوهين المصرى بغلق المساجد فيزيد عليه الكهنة. وما رأيك أن نمنع الأذان وتتحرك جحافل الأمن نحو من رفع الأذان وصلى (بمفرده) في المسجد قبل الانصراف، وليس لك أن  تسأل: هل خطر العدوى من التجمع للجماعة أم من صلاة الفرد؟
وأخذوا يمهدون لعدم صيام رمضان ولن يعدموا فتوى فالكل جاهز والحكم جائز. إن إبليس أوشك على الاعتزال لأنه أصبح غير قادر على منافسة هؤلاءالمشايخ!

 

ما الذي تغير في سلوك الأفراد الذين يتحفونا آناء الليل وأطراف النهار بتلك المواعظ عبر وسائل التواصل ؟

ويوصون ألا تتوقف عندك وعليك بنشرها وإلا سيصيبك –الثعبان الأقرع قديماً- وفيروس كورونا حديثاً ؟

وأيم الله إني لأعرف أناساً بأشخاصهم وأعيانهم يأكلون أموال الناس بالباطل ويعيشون على السحت ومع ذلك يتحدثون بخشوع ويذرفون عند حديثهم الدموع فما الذي تغير؟؟

ما الذي تغير؟
هل سمعتم عن ظالم عاد عن ظلمه وأعلن توبته ثم أخذ في الدعاء وألح على الله برفع البلاء؟؟

هل سمعتم عن قاطع رحم قام بوصلها قبل أن يتحفنا بالمواعظ ويسأل الله رفع البلاء؟

هل سمعتم عن أحد مِمَن ناصرَ الباطل وعادى الحق أعلن براءته مما وقع فيه وأخذ في التضرع إلى الله برفع البأس عنه وعن الناس؟

 هل سمعتم عن مانع للزكاة قام بحصرها وحسابها وأنفقها في وجوه الخير؟

الأنظمة الظالمة هي كما هي وزيادة، والدهماء المغيبون هم هم في مساندتهم ويحرصون في النفاق على الريادة.

بل والجماعات التي تقاوم تلك الأنظمة هي كما هي لا يراجع قادتها مواقفهم ولا يبرحون أماكنهم ولا يتنازل المرتزقة حولهم عن مكاسبهم ويصمت المخلصون خشية انفراط العقد وعدم مناسبة الظرف، وهذا السبب هو هو منذ عشرات السنين وما أظن الظرف سيسمح إلا يوم القيامة أو دونه بقليل على أحسن تقدير

فما الذي تغير؟؟
وربما يسألني سائل فكيف السبيل وقد أظلمت الدنيا في أعيننا، فأقول

أولاً: على مستوى العالم لا تنظروا بعين الضعيف المستكين إلى الصراع بين أمريكا والصين وتنتظروا من المنتصر، فكلاهما أسوأ من بعضهما، والنظام الرأسمالي الآن ليس له بديل ولكنه وصل إلى نهايات غير مسبوقة في الجشع وإن لم يتجه نحو العدالة الاجتماعية سينهار؛  فعلى مفكري الأمة أن يعملوا على إيجاد تصور جديد لإدارة اقتصاد العالم، والإسلام فيه من الكنوز ما يحل مشاكل البشرية لو فطن له أرباب العقول

هذه الجائحة ستخلف شقوقاً في جدار النظام العالمي وعلينا أن ننفذ منها إلى مستقبل أفضل لا يقوم على التبعية.

ثالثاً: إن أمتنا فيها من المقدرات والخيرات والعقول والخبرات ما يؤهلها لقيادة العالم وإنقاذ البشرية؛ ولكن وجود الحكام الخونة والعملاء هو السد المنيع أمام أي مشروع حضاري إنساني إسلامي عالمي ولابد من إزالة هذا السد وإلا ستهدر كل الطاقات.

رابعاً: علينا أن نبدأ بأنفسنا وعلى الفور دون إبطاء بإصلاح ما فسد منا وما أفسدناه، وثق في نفسك أنك وحدك قادر أن تفعل، وتذكر جيداً أن البشرية بدأت بشخص آدم وحده، ثم كانت منه هذه المليارات، وأن الإسلام بدأ بشخص رسول الله محمد -عليه الصلاة والسلام- ثم كان له الأتباع بالمليارات وأن الإصلاح يبدأ بشخص يعرف مهمته في الحياة.

خامساً: إصلاح كل الدوائر التي حولنا دون كلل أو ملل حتى نصل إلى إزاحة السدود المانعة من إقرار موازين العدل والخير بثورة لا تترك حجراً من تلك السدود

علينا إذ نرفع الأذان أن نرفع القيم، وإذ نخرج الزكاة نخرج المحبوسين ظلماً، وإذ نطرق أبواب المساجد نطرق أبواب الخير، وإذ ندعو غيرنا نبدأ بأنفسنا، وإذ ندعو الله نقدم بين يدي الدعاء ما يرضيه فنصحح الأخطاء ونقيم موازين الحق والعدل ولو على أنفسنا أوالوالدين والأقربين، هذا وإلا ستكون الجائحة بدروس غير مستفادة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه