محمد بن زايد في إدلب والجيش التركي يستعد!

الفضيحة التي كشف عنها موقع ” ميدل ايست أي” البريطاني، الخاصة بمؤامرة محمد بن زايد الأخيرة ضد تركيا، وعرضه على بشار الأسد القيام بعملية عسكرية لإعاقة المساعي الرامية لوقف إطلاق النار في إدلب، مقابل ثلاثة مليارات دولار، ومحاولاته – حتى بعد تدخل روسيا لوقف تلك المؤامرة – حث الأسد على خرق الهدنة التي أقرها الاتفاق التركي – الروسي في منطقة خفض التوتر، توضح الكثير من الحقائق، وتلقي الضوء على التطورات المتلاحقة التي شهدها الشمال السوري مؤخرا، وحجم التحركات العسكرية في المنطقة، وتحديدا خلال الأسابيع الثلاثة المنصرمة.  

مليارات ملطخة بدماء الأبرياء

نظام الأسد الذي يخوض حربا ضد شعبه الرافض لاستمراره على رأس السلطة في البلاد، وافق بكل بساطة على قتل المدنيين من أبناء شعبه، الذين يحتمون بتلك المنطقة من جحيم الحرب وويلاتها، وعقد تلك الصفقة الشيطانية مع محمد بن زايد، ولم يلق بالا لعدد الضحايا الذين يُحتمل سقوطهم جراء مغامرته العسكرية في إدلب، فالمهم بالنسبة له المليارات التي سيحصل عليها كمكافأة نظير قتله لهؤلاء الأبرياء، الذين ساقهم سوء حظهم للوقوع في براثنه وتحت رحمته، وإشعال نار الحرب في مناطقهم، ارضاء لابن زايد.

ورغم الكشف عن هذا المخطط ، لم يتراجع الأسد عن محاولات تنفيذه مستغلا أزمة كورونا التي تتصدر اهتمام العالم، وتشغل المجتمع الدولي، وبدلا من توجيه إمكانيات بلاده في هذه الظروف الصعبة لتوفير الرعاية الصحية للسوريين لمواجهة هذا الوباء، اعتبر الأمر فرصة تاريخية لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فمن ناحية يفي بالتزامه مع ابن زايد مقابل الحصول على المليارات الموعودة، حتى وإن كانت ملطخة بدماء الأبرياء، وإحداث تغييرات ديموغرافية وجغرافية تمده بالقوة التي يحتاجها، وتمنح نظامه قبلة الحياة لمواجهة الضغوط المفروضة عليه، ووضع الجميع أمام الامر الواقع، وفرض سيطرته على مقاليد السلطة في البلاد رغما عن إرادة السوريين أنفسهم.

تحركات عسكرية 

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، قامت قوات النظام خلال الأيام الماضية بقصف عشرات القرى والبلدات الريفية في محافظة إدلب بالصواريخ، مع استمرار عمليات الحشد والتعبئة العسكرية بالقرب من الحدود الإدارية لإدلب مع حلب، حيث تم الدفع بأكثر من 100 آلية، بينها عربات حاملة للجنود ومجنزرات متنوعة ومدافع ميدانية ورشاشات متوسطة المدى – وفق ما أفاد به مراقبين محليين- وهي التحركات التي كشفت النوايا الحقيقية للنظام السوري، ورغبته الجامحة في استئناف عملياته العسكرية التي تستهدف المنطقة بحجرها وبشرها، مهما كان الثمن وأيا كانت الوسيلة، فالمهم  هو تنفيذ اتفاقه مع ابن زايد، وفرض سيطرته على الطريق الدولي السريع الذي يربط بين حلب ودمشق، رغم تعارض ذلك مع بنود الهدنة التي تم توقيعها بين تركيا وروسيا أوائل شهر مارس/ آذار الماضي، بهدف خفض التصعيد في إدلب، والعمل على إقامة منطقة آمنة لآلاف اللاجئين السوريين الباحثين عن الأمان والاستقرار.

الأمم المتحدة ووقف إطلاق النار

ورغم مطالبات الأمم المتحدة المتكررة لوقف فوري لكافة عمليات إطلاق النار في سوريا، وإفساح المجال أمام الجهود الدولية لمواجهة فيروس كورونا، وتجنيب السوريين معاناة جديدة تضاف إلى معاناتهم جراء عمليات القصف المدفعي، والخروقات المستمرة من قبل النظام، محذرة من سهولة انتشار الفيروس بين اللاجئين في المخيمات، والبالغ عددهم 6 ملايين، ويعيشون في ظروف تجعلهم فريسة سهلة للعدوى.

رغم هذا فإن بشار الأسد في خضم سعادته بمليارات ابن زايد لم يهتم بتلك التحذيرات، كما نسى القوة العسكرية لتركيا، وقدرتها على التعاطي مع كافة المتغيرات على الأرض سواء فيما يخص الجبهة السورية، أو ما يرتبط بالوضع على الأرض في ليبيا، وتجاهل في الوقت نفسه رد الفعل الروسي على ذلك التصرف المنفرد.

رئاسة الأركان التركية تعزز تواجدها شمالي سوريا  

 فعلى صعيد رد الفعل التركي، بعد التأكد من صحة المعلومات الخاصة بمخطط ابن زايد، قامت رئاسة الأركان التركية بتعزيز تواجدها في الشمال السوري عبر الدفع بقوات عسكرية جديدة وصل عددها إلى حوالي 20 ألف جندي من قوات الكوماندوز والقوات الخاصة إلى الأراضي السورية، تصحبها شاحنات محملة بكتل إسمنتية، ومعدات لوجستية، ووفق ما نشرته الاناضول فإن عدد الآليات العسكرية التي دخلت الشمال السوري منذ بدء الهدنة في الخامس من مارس/ آذار الماضي بلغ 2340 آلية عسكرية تحمل على متنها دبابات وناقلات جنود ومدرعات وكبائن حراسة متنقلة مضادة للرصاص، وأجهزة رادار واسعة المدى.

كما قام الجيش التركي بتثبيت عدة نقاط عسكرية مراقبة جديدة في مناطق قريبة من الطريق الدولي أم 4، وهو طريق حلب – اللاذقية، فيما حلقت طائرات تركية مسيرة من طراز ” بيرقدار” التركية الصنع في أجواء إدلب، وهي المرة الأولى التي يتم فيها رصد طائرة من هذا الطراز تحلق في سماء المنطقة منذ توقيع اتفاق الهدنة بين تركيا وروسيا.

وهي التحركات التي أكدت علم أنقرة بما كان يخطط له بن زايد، حتى قبل أن يتم الكشف عنه من جانب الموقع البريطاني، لذا جاء تحركها سريعا تحسبا لأية مغامرة غير محسوبة العواقب قد ينجر إليها نظام الأسد مدفوعا بوعود إماراتية.

رهان الأسد الخاطئ على موسكو

أما رهان الأسد على دعم موسكو له في حال حدثت مواجهة عسكرية بينه وبين تركيا، واستبعاده لإمكانية غضبها منه، فيبدو رهانا خاسرا، في ظل امتناع بوتين عن التدخل من قبل لصالح الأسد حينما أطلقت تركيا عملية ” درع الربيع” واستهدافها لعشرات المواقع التابعة لنظامه وللمليشيات المتحالفة معه، وحجة موسكو آنذاك مصالحها مع تركيا على مساندة الاسد، وبالتالي لا يمكن لعاقل أن ينتظر من بوتين التضحية الآن بما حققه مع أنقرة من مكاسب تتنوع بين عسكرية واقتصادية وفي مجال الطاقة، من أجل دعم مغامرة مجنونة لبشار في إدلب.

بوتين يدرك تماما مصالح بلاده، لذا فهو لن يجازف بالحرب ضد أنقرة، لأن خسارة أنقرة تعني خسارته كل المكاسب التي حققها مؤخرا، والتي من أهمها كسر طوق الحصار الذي طالما فرضه عليه حلف الناتو بعد تعاونه مع تركيا اقتصاديا وعسكريا، إلى جانب إدراكه أن مصالح موسكو في ليبيا أصبحت تقتضي التوقف عن دعم خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني، بعد الاتفاق الذي تم بينه وبين الرئيس أردوغان خلال مباحثات وقف إطلاق النار في ليبيا خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، وأصبحا بموجبه أهم اللاعبين على الساحة هناك، لينقلب السحر على الساحر، ويفشل محمد بن زايد مجددا في إلحاق الأذى بتركيا، ويواجه بمفرده عاصفة من الانتقادات الأوربية والأمريكية، ولا أحد يعلم مقدار ما سيدفعه ثمنا لإيقافها.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه