دولة السيسي تهمل الفقراء الذين يواجهون كورونا بصدور عارية!

 

الحقيقة التي يعلمها السيسي، ووزراء حكومته، أن فقراء مصر، ليسوا من المضاربين في البورصة، ولا من المصدرين، ولا من المنتجين، ولا ممن يتعاملون مع البنوك، وليس لديهم فوائض مالية لشراء العقارات، ولكنهم ممن لا يجدون قوت يومهم، ويواجهون مخاطر فيروس كورونا بصدور عارية.

ومع ذلك أتت حزم التمويل التي أعلنها السيسي، ومن قبله رئيس وزرائه من أجل مواجهة التداعيات السلبية لفيروس كرونا على الاقتصاد المصري، لتنحصر في نحو 20 مليار جنيه لدعم البورصة المصرية، وحوالي 50 مليار دولار موجهة لدعم القطاع السياحي، و100 مليار لدعم الاقتصاد الصناعي، و50 مليار لدعم القطاع العقاري، كل ذلك عبر قروض منخفضة التكلفة.

 كما تم تخفيض أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي للشركات الصناعية، ووقف ضريبة الأطيان الزراعية. وكذلك أُعلن عن ضم علاوات السنوات الخمس الماضية لأصحاب المعاشات، وتأجيل المستحقات البنكية على الشركات المتوسطة والصغيرة  لمدة 6 أشهر، وكان البنك المركزي، قد اتخذ قراره من قبل بتخفيض سعر الفائدة بنحو 3% على القروض.

وبذلك تنضم الحكومة للمستفيدين من حزمة الدعم المالي، حيث أدى قرار البنك المركزي بتخفيض سعر الفائدة بنسبة 3%، إلى تخفيف أعباء الموازنة العامة، بنحو 48 مليار دولار، مما يعني أن الفقراء وحدهم، هم من خرجوا من حزم الدعم المالي للسيسي وحكومته بلا نصيب.

وقد كان الشعب ينتظر أن تقدم الحكومة مبررات لكل نوع من أنواع هذا الدعم، وتقدير العائد منه على المجتمع ككل، ولكن أن يقتصر الأمر على قرار حكومي، فهذا لا يحتمل سوى أن الحكومة تقدم هبات! وهو أمر غير مقبول إلا في ظل حكومات ديكتاتورية، فعدم صدور مثل هذه البيانات، يساعد الفقراء على استيعاب انحياز السيسي وحكومته للأغنياء.

 فثمة قطاع مهم لم يحظ بالدعم المطلوب، رغم أهميته، وهو قطاع الزراعة، حيث لم تضم حزمة الدعم سوى وقف تحصيل ضريبة الأطيان الزراعية لمدة عامين، وهي ضريبة تم إيقاف تحصيلها لمدة 3 سنوات، منذ عام 2017، وكان المقرر أن يتم العمل بها في موازنة العام المالي القادم 2020/2021، وهي من الضرائب ذات الحصيلة المحدودة، حيث كانت تحقق على مستوى مصر، نحو 800 مليون جنيه سنويًا.

وكان يتوقع أن تشمل حزمة الدعم المالي، قطاع الزراعة، بما يشجعه على زيادة زراعة المحاصيل الأساسية وعلى رأسها القمح، لتقوية الأمن الغذائي المصري عبر الإنتاج المحلي، وبخاصة أن عملية استيراد الغذاء من الخارج في ظل استمرار أزمة كورونا يحوم حولها كثير من المخاطر.

فضلًا عن أن 25% من العمالة المصرية، تعمل في قطاع الزراعة، ويعدوا من أصحاب الدخول المحدودة، ونسبة كبيرة منهم من العمالة الموسمية.

توجه ليس بجديد

كانت سياسة السيسي الاقتصادية والاجتماعية واضحة منذ اللحظات الأولى لتوليه السلطة في يوليو 2014، من حيث تبنيه سياسة اقتصادية تعتمد على تجريد الفقراء من البقية الباقية من مظاهر الدعم الاجتماعي، مثل أسعار الكهرباء، والغاز، والوقود، مما أوقع شرائح جديدة من المجتمع المصري في براثن الفقر، فأصبح 60% من المصريين إما فقراء أو معرضين للوقوع فيه.

كان الفقراء ينتظرون من السيسي وحكومته، عبر الإجراءات التي تم اتخذها لمواجهة التداعيات السلبية لكورونا، أن يتم تخفيض أسعار استهلاك الكهرباء بالمنازل، لمناطق الريف والمناطق العشوائية، وأصحاب الدخول المحدودة، وذلك بعد أن وصل سعر برميل النفط لنحو 23 دولار.

كما أن الفقراء ينتظرون أن تخفض أسعار استهلاك الغاز الطبيعي للمنازل، أسوة بأصحاب المصانع، وكبار المصدرين الذين يحصلون على دعم يصل لنحو 6 مليار جنيه سنويًا من الموازنة العامة للدولة، أو يتم تخفيض تعرفة الركوب بالمواصلات العامة، وبخاصة تلك التي تخدم قطاعًا كبيرًا من الفقراء، على خطوط السكك الحديدية، وخطوط المترو.

دعم بلا مقابل

قد يدافع البعض عن سياسات السيسي لدعم الأغنياء، من المنتجين أصحاب المصانع، أو مقترضي البنوك، أو المصدرين، أو المضاربين في البورصة، بأن ذلك سوف يساعد هذه الكيانات على العمل والإنتاج، وهذا مطلوب، ولكن العدالة الاجتماعية، تقتضي أن تستفيد كافة شرائح المجتمع من الدعم، وبخاصة في وقت الأزمات.

فالدعم الذي قدمه السيسي للأغنياء، كان يجب أن يكون مشروطًا، بعدم تسريح العمالة، أو تخفيض أسعار المنتجات بنسب معينة، أو العمل على استيفاء حاجة السوق المحلي بنسبة كبيرة من الإنتاج، أو الاعتماد على مستلزمات إنتاج محلية، كلما كان ذلك متوفرًا من أجل الحفاظ على أرصدة البلاد من العملة الصعبة، وعدم التفريط فيها عبر فاتورة الاستيراد.

عمال اليومية

العاملون في سوق العمل غير المنظم في مصر، يضمون نحو 70% تقريبًا من العاملين في مصر، وهم يعملون بلا تأمين صحي، ولا تأمين اجتماعي، ولا تتوفر لهم ضمانات العمل اللائق، أو بيئة العمل التي تضمن لهم سلامتهم البدنية.

ومع ذلك لم تشملهم حزمة السيسي التمويلية، لدعم الاقتصاد المصري ضد كورونا، فهناك عمال اليومية، والحرفيون في قطاع المعمار، وعمال النقل، وعمال الأسواق والمطاعم، وغيرهم.. تنتظرهم مخاطر توقف النشاط الاقتصادي، نتيجة تقليص ساعات العمل، أو تراجع النشاط الاقتصادي، ولذلك تعالت دعوات التكافل الاجتماعي خلال الأيام الماضية بين المصريين، لتأمين أساسيات الحياة الضرورية لهؤلاء العمال.

ورغم إيجابية دعوات التكافل الاجتماعي نحو العمال في سوق العمل غير المنظم، وأنها تنم عن وعي وتراحم مجتمعي، إلا أن الحكومة هي المسئول الأول لتأمين حياة هؤلاء العمال، وينبغي ألا تعتمد على مجرد إطلاق مثل هذه الدعوات لتأمين الحماية الاجتماعية لهؤلاء العمال.

فهذه الدعوات، تفتقد للمؤسسية، وليس لديها قواعد معلومات عن هؤلاء العمال، وبالتالي فهؤلاء العمال معرضون لمخاطر اقتصادية واجتماعية، من شأنها أن تجبر الحكومة على الإعلان عن برنامج حقيقي لدعهم، ويكون بمثابة تحول في سياسة وتوجه الحكومة السياسي والاجتماعي بالانحياز للفقراء، ولو لمرة واحدة. 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه