وسائل عملية للتغلب على فيروس كورونا

إذا بصحيفة نيوزويك الأمريكية، تنشر تقريراً لعالم الإجتماع الأمريكي “كريغ كونسيدين” بعنوان، هل يمكن لقوة الصلاة وحدها أن توقف وباءً يشبه فيروس كورونا؟ حتى أن النبي محمد كان له رأي آ

 

صنفت منظمة الصحة العالمية تفشي فيروس كورونا بوصفه “وباءً عالميًا أو جائحة”. وتشير الأرقام المتصاعدة إلى تسارع انتشار الفيروس وتراجع فرص الحكومات في السيطرة عليه في المدى القريب. ورغم تراجع الأعداد المصابة بالفيروس في الصين التي كانت البؤرة الأولى لتفشى المرض، تتوقع المنظمة العالمية أن تكون القارة الأوربية هي البؤرة الخصبة لتفشي المرض في الشهور القادمة.

ويعلل رئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، تصنيف المنظمة الفيروس بالوباء لسببين: الأول هو سرعة تفشي العدوى واتساع نطاقها، والثاني هوالقلق الشديد بسبب قصور النهج الذي تتبعه بعض الدول على مستوى الإرادة السياسية اللازمة للسيطرة على تفشي الفيروس.

الجميع يشعر بالعجز. فرئيس الوزراء بوريس جونسون قال في كلمة للشعب البريطاني إنه يتعين على العائلات الاستعداد لفقد أحبائها باكرا لأن فيروس كورونا سيواصل الانتشار في البلاد على مدار الأشهر المقبلة، حاصدا المزيد من الأرواح. وقال لهم، سأكون صريحا معكم، ومع كل الشعب البريطاني، عائلات كثيرة، كثيرة جدا، ستفقد أحباءها قبل أوانهم. وحذرت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، من احتمال إصابة ما يقرب من 70% من سكان البلاد بالفيروس المستجد.

وأعلن مدير عام شؤون الصحة الفرنسي، جيروم سالومون، أن الوضع في البلاد بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد “مقلق جدا، ويتدهور بسرعة كبيرة”، وإن عدد الحالات المصابة يتضاعف كل ثلاثة أيام، وإن مئات المرضى في حالة صعبة داخل العناية الفائقة، وقال إنه قلق من احتمال “استنفاد” قدرات المستشفيات في فرنسا على استقبال المرضى، وفق تصريحه لإذاعة فرانس إنتر.

التباعد الاجتماعي

يرجع خبراء الأوبئة سر نجاح حكومة الصين في احتواء فيروس كورونا إلى أنها طبقت تدابير العزل والتباعد الاجتماعي بعد ثلاثة أسابيع فقط من اكتشاف المرض في مدينة ووهان في مقاطعة خوبي في منتصف شهر ديسمبر/كانون أول الماضي. فأغلقت المدن الكبرى، ولا سيما ووهان سابعةِ أكبر مدن الصين ومركز تفشي المرض، ووضعت ما يقرب من 60 مليون شخص تحت الإقامة الجبرية في مقاطعة خوبي، وفرضت قيود السفر في جميع أنحاء البلاد.

ولكن القليل من الخبراء من يرصد مفتاح نجاح الصين في احتواء الأزمة، وهو تحلي القيادة السياسية بالشجاعة في الاعتراف بوجود الأزمة والشفافية في الاعتراف بحجمها الحقيقي في بدايتها، وفي وقت كانت لا تزال محلية في الصين ولم تخرج إلى العالمية بعد. ذلك أن علم إدارة الأزمات قد استقر على أن الاعتراف بوجود الأزمة هو أهم عوامل النجاح في حلها، وأن كسب الوقت هو عامل الحسم في احتوائها ومنع تفاقمها.

فاعترف الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بأن الصين تواجه وضعًا خطيرًا، وأن المرض الفيروسي القاتل ينتشر بسرعة في البلاد. وأحاطت الصين علما، ممثل منظمة الصحة العالمية في الدولة بالأزمة في اليوم التالي لإغلاق سوق المنتجات البحرية في ووهان. ثم استقبل الرئيس الصيني مدير المنظمة ولم يتحرج من أن يصف ما تقوم به بلاده بالحرب في مواجه فيروس وصفه بالشيطان، ولم يهون من حجم الأزمة خوفًا على المركز المالي لثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، ولم ينكر وجودها منعًا لتكدير السلم العام وإثارة فزع الجماهير، الذين يصل تعدادهم إلى 1.4 مليار إنسان، كما يفعل الزعماء العرب.

احتجزت السلطات المرضى في مستشفيات ميدانية ضخمة سابقة التجهيز. وأودعت كلا من خالط مريضًا في فنادق وبيوت الشباب وقاعات المناسبات، بعد تحويلها إلى محاجر صحية ومرافق عزل مؤقتة. وأجبرت السلطات كل السكان في المدن الموبوءة على البقاء في منازلهم، وأغلقت المطاعم والمدارس والمصانع ومكاتب العمل. واستعملت الحكومة أسلوب التتبع الجغرافي للهواتف المحمولة لمراقبة تحركات الاشخاص ومنع من تأكدت إصابتهم بالفيروس من السفر.

ورغم أن عمليات جمع البيانات الشخصية من الهاتف المحمول واستخدام تقنية التعرف على الوجه لتتبع تحركات الناس، التي انتهجتها السلطات الصينية يصعب تطبيقها بسهولة في بلدان أخرى غير الصين، خاصة الدول الديمقراطية التي تتمتع بحماية دستورية لحقوق الأفراد الشخصية، لكن نتائج التراخي في إغلاق المدن وتطبيق الحجر الصحي القسري في المنازل كانت كارثية في الدول التي قصرت في تطبيق هذه الإجراءات. ولا أقصد هنا الحكومات العربية الديكتاتورية التي تنفق المليارات على تقنيات تتبع حركة المواطنين، ثم تبخل ببعض الملايين لحمايتهم من براثن المرض، وبعضها لا يزال ينكر وجود ضحايا للمرض من الأساس.

ابقوا في منازلكم

بعد نجاح استراتيجية البقاء في المنزل التي انتهجتها السلطات الصينية بتشدد في السيطرة على انتشار المرض. في تايلند المجاورة للصين، طبقت السلطات الحجر الصحي المنزلي بشدة، وفرضت الحكومة عقوبات صارمة ضد أي شخص يخالف أمر العزل، بما في ذلك غرامة مالية كبيرة، ونجحت في احتواء تفشي المرض.

وبدأت الدول في انتهاج الإسلوب نفسه في مواجهة المرض. ففي فرنسا، طالب مدير عام شؤون الصحة الفرنسي كل فرنسي وفرنسية بأن يقول لنفسه في الصباح: ما الذي يمكنني القيام به منذ اليوم لخفض عدد الذين اقترب منهم إلى الثلث أو الربع؟. وقال أن “صرخة الإنذار” التي وجهتها الطواقم الطبية في فرنسا هي أن: “ابقوا في منازلكم، هكذا ببساطة”.

تخطت ايطاليا الصين في عدد الوفيات بسبب الفيروس. وسجلت يوم الجمعة الماضي 627 حالة وفاة في غضون 24 ساعة فقط بسبب فيروس كورونا، مما يمثل أكبر حصيلة خسائر بشرية منذ ظهور الوباء. تناول تقرير لشبكة فوكس نيوز الأمريكية أسباب سقوط إيطاليا في فخ كورونا، وكيف إنهار النظام الصحي بسبب عوامل كان يمكن تفاديها من البداية، وحذر الحكومة الأمريكية من مصير مشابه.

وعزا  التقرير السبب في ذلك إلى أن الدولة كانت في حالة إنكار، وقيل إن المشكلة تخص الصين ولن تأتي إلى ايطاليا، ولم تتحرك الحكومة بالسرعة الكافية للانخراط في تدابير العزل والتباعد الاجتماعي ودعوات البقاء في المنزل حتى وقعت الكارثة. ويبدوا أن الوضع سيزداد سوءًا في الأيام المقبلة سيما أن إيطاليا تتمتع بأطول متوسط للعمر بين السكان في أوربا وهو 82 سنة.

مما يؤكد أهمية البقاء في المنزل في مواجهة وباء كورونا، أنه في إيطاليا أيضًا طبقت بلدة صغيرة بالقرب من مدينة البندقية الحجر الصحي الصارم إلى جانب تتبع الاتصال حتى نجحت في إيقاف انتشار الفيروس تماما. وهو النموذج الذي دفع الحكومة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة رغم انها جاءت متأخرة.

الوقاية هي العلاج

ينتقل فيروس كورونا من شخص إلى آخر عن طريق الرزاز الذي يتناثر من الأنف أو الفم عندما يسعل الشخص المصاب بمرض كوفيد-19 أو يعطس. ويتساقط الرزاز على الأشياء والأسطح المحيطة بالمريض. وعند ملامسة الأشخاص الأصحاء لهذه الأشياء أو الأسطح ثم لمس الأعين أو الأنف أو الفم، حينها يمكن أن يصاب الآخرون بمرض كوفيد-19. كما يمكن أن يصاب الشخص بالمرض إذا تنفس الرزار من الشخص المصاب بالمرض مع سعاله أو زفيره. ولذا فمن الأهمية بمكان الابتعاد عن الشخص المريض بمسافة تزيد على متر واحد على الأقل، وفق منشورات منظمة الصحة العالمية.

وفي ظل غياب علاج ناجع للمرض حتى الآن، فإن الوقاية منه هي خير وسيلة للتغلب عليه. وبحسب النصائح التي تتيحها منظمة الصحة العالمية فيمكنك الحد من احتمال إصابتك بمرض كوفيد-19 أو من انتشاره باتخاذ بعض الاحتياطات البسيطة: نظف يديك جيداً بانتظام بغسلهما بالماء والصابون، وهو الأكثر فعالية، أو فركهما بمطهر كحولي. ولغسل يديك بالشكل المناسب، بلل يديك بالماء ثم قم برغيهما وفركهما بشكل صحيح، على كلا الجانبين وبين الأصابع وتحت الأظافر، يدا تلو الأخرى لمدة أربعين ثانية، ثم جففهما جيدا.

ويجب غسل اليدين قبل الأكل وبعده، وبعد أن تمخّط أنفك، أو تسعل أو تعطس، وبعد زيارة الأماكن العامة، بما في ذلك المواصلات العامة والأسواق وأماكن العبادة، وبعد لمس النقود، وقبل الاعتناء بشخص مريض وأثناء الاعتناء به وبعد الانتهاء من ذلك. وبعد استخدام الحمام، بعد التخلص من النفايات، بعد لمس الحيونات الداجنة أو الشاردة أو الأليفة، بعد تغيير فوطة طفل أو مساعدة طفل في استخدام الحمام، عندما يظهر الاتساخ على يديك.

يوصي الخبراء بتجنب لمس عينيك وأنفك وفمك باليد، لأن الفيروس يمكن أن يدخل الجسم عن طريق هذه المنافذ ويصيبك بالمرض. ولكنها عادات يصعب التخلي عنها بسهولة. ومن الطريف أن نشطاء التواصل الاجتماعي تداولوا فيديو يظهر خبراء من منظمة الصحة العالمية ووزراء للصحة في كثير من الدول وهو يوصون بتجنب لمس العين والأنف والفم، وبمجرد انتهائهم من النصيحة يبدؤون دون وعي بوضع اليد على الفم ومسح العين والإمساك بالأنف. ولتلافي المشقة يفضل غسل اليدين بالطريقة السابقة على فترات متقاربة لتظل نظيفة ولا تشكل خطورة عند لمس الوجه.

وتوصي المنظمة بمارسة التباعد الاجتماعي بتجنب المصافحة باليد، واحتضان الأشخاص أو تقبيلهم، ومشاطرة أدوات الأكل والأكواب والمناشف، وبالاحتفاظ بمسافة لا تقل عن متر واحد بينك وبين أي شخص يسعل أو يعطس. وأن تغطي فمك وأنفك بكوعك المثني أو بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل المستعمل على الفور.

وإذا شعرت بالمرض، لا قدر الله، أو كنت مصاباً بالحمى والسعال وصعوبة التنفس التزم المنزل، واعزل نفسك في غرفة منفصلة داخل البيت وداوم على ارتداء الكمامة لحماية باقي أفراد الأسرة. وتجنب السفر قدر الإمكان، خصوصا إذا كنت مسنّاً أو مصابًا بداء السكري أو بأحد أمراض القلب أو الرئة.

السنة في مواجهة المرض

وبينما يشعر العرب بالعجز في مواجهة الوباء، فضلًا عن تقديم ما يفيد شعوب العالم من دواء، إذا بصحيفة نيوزويك الأمريكية، تنشر تقريراً لعالم الاجتماع الأمريكي “كريغ كونسيدين” بعنوان، هل يمكن لقوة الصلاة وحدها أن توقف وباءً يشبه فيروس كورونا؟ حتى إن النبي محمد كان له رأي آخر. وسلط فيه الضوء على تعاليم النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، الخاصة بالحجر الصحي عند انتشار الوباء.

وكريغ كونسيدين، هو أستاذ علم الاجتماع في جامعة رايس. وهو أمريكي كاثوليكي، ومؤلف كتاب، إنسانية محمد: وجهة نظر مسيحية، تحت الطبع، وكتاب الإسلام في أمريكا. وقال، إن النبي حث الناس على السعي دائمًا للحصول على العلاج الطبي والأدوية بقوله: “تداووا فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواءً، غير واحد: الهرم”. 

واستشهد عالم الاجتماع الأمريكي بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الكريم الذي قال فيه: “إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا”. وكذلك أحاديث النبي التي توصي بإبعاد المصابين بالأمراض المعدية عن الأصحاء. وقوله صلى الله عليه وسلم، إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده. وقوله، النظافة من الإيمان. وكذلك قوله “بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده، يعني غسل اليدين قبله وبعده.

واستند كونسيدين في تقريره إلى خبراء المناعة الذين أكدوا على أن النظافة الشخصية الجيدة والحجر الصحي هما أفضل الوسائل لتطويق كوفيد-19. وتسآئل: “هل تعلمون مَن أيضا اقترح النظافة الشخصية والحجر الصحي خلال انتشار الوباء؟ محمد، نبي الإسلام قبل 1400 عام، ففي الوقت الذي لم يكن النبي محمد وبأي شكل من الاشكال خبيراً “تقليديا” بشؤون الأوبئة المميتة، قدم محمد نصيحة جيدة لمنع ومكافحة وباء كوفيد-19.

وختم عالم الإجتماع التقرير بالقول إن النبي محمد شجع البشر على التماس الإرشاد في دينهم، لكنه كان يأمل في أن يتخذوا إجراءات احترازية أساسية لاستقرار وسلامة وراحة الجميع. وهو ما يحاول العالم تطبيقه اليوم في مواجه كورونا.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه