النهايات السائبة في العراق: الرئيس أكثر حرجاً

 

تكاد الأطراف صاحبة التأثير المباشر على المشهد العراقي تتفق جميعها على استكمال اللعبة ضمن دائرة النهايات المفتوحة أو السائبة في جميع الملفات. أما لسبب عدم القدرة على إحكام تلك النهايات لسوء تقدير إدارتها. أو لحالة التضارب والتضاد وتقاطع المصالح. أو التعمد في خلق تلك الأجواء لبقاء حالة استنزاف كل طرف للطرف الآخر بالاعتماد على عامل الوقت. وكل الأطراف تبدو غير مستعدة للحسم النهائي خوفا من مواجهة جملة الأمور التي ستضعها أمام سؤال!! ما هو الإنجاز؟ وأين هي الوعود التي تقدمت به كل الأطراف مجتمعة خلال سنوات ما بعد الاحتلال عام 2003.

يبدو الرئيس العراقي هذه المرة أكثر حرجا أمام فشل محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة وإعلان انسحابه نتيجة عدم نجاحه في تحقيق النصاب داخل البرلمان للموافقة على أعضاء حكومته التي وعد بها الشارع العراقي كمنتج يفترض أنه يأتي نتيجة إسقاط حكومة عادل عبد المهدي شعبيا. هذا الفشل كان متوقعا نتيجة عدم الاتفاق من حيث المبدأ على ترشيح شخصية علاوي ضمن مقاسات الشارع العراقي الذي ما زال مصرا على تقديم شخصية مستقلة خارجة عن إطار تأثير الأحزاب السياسية المتهمة بالفساد. والأمر نفسه ربما جاء منسجما أصلا مع جملة اعتراضات الكتل السياسية على ترشيح شخصية أو حكومة خارجة عن سيطرة تلك الأحزاب والكتل التي تحاول عدم التفريط بهيمنتها المتعاقبة على إدارة شؤون الدولة برغم تراكم ملفات الفساد الذي أوصلته تلك الأحزاب الى درجة الفساد المقنن.

دوران حول الموضوع:

مرة أخرى يطلب الى الرئيس العراقي برهم صالح تقديم شخصية أخرى لرئاسة الوزراء خلال 15 عشر يوما لم يتبق منها إلا القليل وشروط هذه الشخصية لا تختلف عن شروط سابقتها وفي الظرف نفسه الذي حكم ترشيح توفيق علاوي. الأمر الذي يبعث للقلق حقيقة حول آفاق الاتفاق من عدمه في قبول الشخصية المنتظرة كرئيس للوزراء وشكل حكومته المقبلة.

دوران حول الموضوع نفسه دون حلول واضحة وإشكالية الخلط وعدم التمييز بين الشخصية المستقلة من خارج الأحزاب الحاكمة. وواقع الأمر الذي يقول بان الإطار الحاكم فعلا والمحتكم إليه هو موافقة الأطراف والكتل ذات الأغلبية الممثلة لطبيعة وشكل إدارة الدولة بموجب نتائج انتخابات 2018. وليس هناك مرجعية سياسية أخرى برغم كل ما يطرح. وما يسند هذا التصور هو مطالبة البعض من الأحزاب والكتل السياسية بعودة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي لاستكمال فترة رئاسته للوزراء تحت مسمى تسيير الأعمال الى حين إعداد قانون جديد للانتخابات. وهذا جاء كأحد مطالب الجانب الكردي على سبيل المثال وربما من أطراف أخرى كوسيلة للمحافظة على مكتسبات تلك الأحزاب مجتمعة. طرح قد لا يروق لأطراف أخرى وأكيد أنه سيمثل الاستفزاز الحقيقي للشارع العراقي الذي تمت مصادرة إرادته وتضحياته منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في أكتوبر من العام الماضي. في الوقت الذي ما زال الشارع العراقي يمتلك زخم التحرك المنظم بحكم تواجده المستمر في ساحات الاحتجاج وما شهدته وتشهده حالة المواجهة اليومية بينه وبين القوات الأمنية في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب.

تقول قيادات الكتل السياسية الشيعية بأن حوارات واتفاقات مستمرة وتحالفات مستجدة لطرح وتبني دعم شخصية لمنصب رئيس وزراء مرتقب ضمن معادلة مختلفة هذه المرة. حيث لم يعد حسم ملف رئيس الوزراء مقتصرا على الأحزاب الشيعية وحدها. فتجربة فشل حكومة توفيق علاوي جاءت في جزء كبير منا من خارج المكون السياسي الشيعي. إذ المعادلة داخل البرلمان تتكلم اليوم بتحالفات بينية تكاد تكون عابرة من ناحية مصالحها بين الشيعة والسنة والأكراد. ذلك الأمر الذي ربما يفرض متغيرا جديدا.

النفوذ الإيراني:

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إضعاف الهيمنة الإيرانية داخل إدارة الدولة العراقية واستثمار الوقت لترك النهايات السائبة والمفتوحة تعبر الى مسافات أبعد. من أجل إنهاك الخصم حول التأثير داخل المشهد العراقي.

بالمقابل لا تنكر القدرة الإيرانية على انتهاج سياسة الخطوط المتعددة في التعامل مع ملف العراق. وتحاول إيران المشاغلة من خلال خطها الأول المتمثل بتوجيه أدواتها الحزبية داخل المنظومة الحاكمة في بغداد. وباعتماد سياسة عدم الثبات وإرباك نهج التحالفات المتغيرة لذلك تجد المواقف المتبدلة سريعا من حيث مقتدي الصدر بقائمته “سائرون” وبتياره السياسي. ومثله موقف هادي العامري بمنظمته المصنفة (إرهابية).  وبتياره السياسي “الفتح” الذي يمتلك الترتيب الثاني من حيث عدد مقاعده في البرلمان. ودخول نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق المتهم بتسليم المحافظات السنية الى تنظيم داعش الإرهابي. دخوله بمنظومة تحالفات جديدة لإعادة دولة الفساد تحت غطاء قائمته “دولة القانون”.

الأمم المتحدة لم تكن غائبة هذه المرة ولو من خلال التصريحات التي تأتي مقلقة أحيانا إذا ما جاءت كمقدمات للموقف الأمريكي. وهنا جاء تصريح ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق متهمة السياسيين العراقيين بالفساد واستخدام العنف والاعتماد أمنيا على الميليشيات المسلحة. وهي تدرك أمميا بان شرعية أي نظام أو حكومة تسقط منذ لحظة استخدام الميليشيات لمعالجة الحالة الأمنية أو بمجرد اعتراف أي نظام حكم بنظام الميليشيات. هذا الأمر الذي ترك علامات القلق لدى الأحزاب السياسية التي تمتلك القوة والسلاح خارج القانون.

 إشكالية المصالح المتقاطعة داخل المشهد العراقي تجعل النهايات السائبة أمرا خطيرا إذا لم تتم المعالجات الحقيقية.  والمعالجات حتما تبدأ من خلال تشخيص وتوصيف حالات الخلل في المشهد. وإذا كان التستر على جملة أمور وعدم الشروع بحلها فان ذلك الأمر سيجعل الأطراف جميعها أمام تحيات قد توقع الجميع. وعلى عاتق القوى الأكثر هيمنه تتحدد مسؤوليات فض الاشتباك. إذ تبدو حالة الاتهامات متصاعدة لدفع التورط الى ساحات الغير والتهرب من جملة ملفات تدخل في حيز الجرائم التي لا يسقطها التقادم. الأمر الذي نشهده من خلال الاتهامات المتبادلة بتحمل دماء شهداء الانتفاضة العراقية داخليا. وقد برز ذلك عبر تصريح البعض بأنه يمتلك الأدلة الكافية عن وجود أوامر من داخل الأحزاب الحاكمة بقتل المتظاهرين السلميين. ذلك ما يعضده التقرير الأممي الصادر عن ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق. وما يشبه ذلك وقوف عدد من العسكريين الأمريكيين الذين شاركوا في غزو العراق وهم يتهمون نائب الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن بأنه أحد المتسببين بقتل العراقيين عام 2003 وهو في جولة الحشد لدعم ترشحه لمنصب الرئاسة الأمريكية القادمة.

الخيار المرتقب:

فواعل الحالة العراقية تبدو دون حسم واضح ذلك ما يضيف العبء الأكثر على الداخل العراقي متمثلا بضرورة إدامة الزخم الجماهيري لإجبار جميع الأطراف على الرضوخ للإرادة العراقية. وبانتظار الخيار المرتقب والقرار المنتظر من الرئيس العراقي ضمن الاختبار الجديد بتكليف شخصية جديدة لتشكيل الحكومة العراقية ضمن محددات استقلاليتها عن المنظومة الحاكمة. الأمر الذي يبدو صعبا جدا إلا من أداة ضغط يفرضها واقع الحال بقبول وتنازلات الأطراق والكتل السياسية لتمرير القادم كي لا يطاح بالجميع إذا ما ضاقت دائرة النهايات السائبة ضمن دائرة الحكم على عِلّاته.

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه