قصة خليفة حفتر!

مسألة وجود جيش ليبي – بالصورة المعروفة للجيوش – قبل عام 2011، هى في حد ذاتها مسألة محل غموض وجدل ، خاصة مع تطبيق القذافي النظرية التي ابتدعها “الشعب المسلح”

 

لا ننكر أن هناك قسطا كبيرا من الناس لا يعير لمسألة العدالة أو الديمقراطية أو الخير والشر بالا، ويسخر من مصطلحات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وغيرها، ويتركز كل اهتمامه على مسألة الاستقرار حتى لو كان استقرارا سلبيا مات فيه الجميع.

فانحيازات هذا الصنف دائما مبنية على موقف الدولة، وهي المحصورة لديه فقط في مظاهر سلطتها وسطوتها وحتى استبدادها، وأهم أدواتها بالطبع قواتها المسلحة.

لهذا لا عجب في أن تجد بعض الناس يدافعون عن ديكتاتور عسكري لم يصل حتى لامتلاك سلطة حقيقية مثل الجنرال الليبي خليفة حفتر في مواجهة سلطة مدنية منتخبة ممثلة شرعية للدولة ومعترف بها دوليا، وهي المميزات التي في الغالب يعتبرونها عيوبا مقابل ما يمتلكه حفتر من عيوب يعتبرونها مزايا، كعدم احترامه لحرية الناس وحقهم في الاختيار.

فحفتر والنظام الذي اقامه في مدينة “بنغازي” برعاية رعاة الثورات المضادة في الوطن العربي، لعب كثيرا على طريقة تفكير هؤلاء “الدولجية”، حينما سمى الجيش الذي أسسه باسم “الجيش الوطني الليبي” فدغدغ خيالات هؤلاء بأنه مناضل وطني قاد الجيش الليبي “الوطني” ليقهر عناصر”المليشيات الإرهابية” الذين انقضوا على الدولة، وتناغما مع ذلك كثيرا ما أطلق اعلامه عليهم لفظ “الجرذان” الذي كان يطلقه معمر القذافي عليهم في 2011، محاولا بذلك توثيق نفسه أمامهم بأنه الوريث الشرعي لدولة القذافي.

ولعل قيام مكونات دينية متطرفة كالجامية المدخلية في ليبيا، والمعروفة بتبني النهج “الدولجي”، بالانحياز لحفتر ومليشياته يعني أن تلك السياسة لاقت ارتياحا لدى البعض، للدرجة التي جعلت أنصار القذافي نفسه في “سرت” يتجاوبون معها ويرحبون باستيلاء قواته على مدينتهم عوضا عن قوات حكومة الوفاق الشرعية.

لكن سرعان ما خرجت قيادات القبيلة التي ينتمي اليها القذافي واعلنت عدم انحيازها لأي من أطراف النزاع وأنها غير طامحة في الحكم ولا تسعى له، وقد نالت كفايتها منه.

كشف الأباطيل

بالطبع تلك الدعايات السمجة لا يمكن أن تنطلي ألا على قليل الخبرة السياسية وعديم المعرفة بتاريخ الدولة الليبية ومسيرة القذافي وأحداث الواقع.

فلو تعاملنا بمنطق وراثة حكم القذافي، وهو منطق باطل ومذموم، فالجنرال المتقاعد خليفة حفتر لا يصلح وريثا للقذافي بينما ابنه سيف الاسلام القذافي نفسه حي  يرزق، وابن عمومته قذاف الدم على قيد الحياة.

كما أن مسألة وجود جيش ليبي – بالصورة المعروفة للجيوش – قبل عام 2011، هى في حد ذاتها مسألة محل غموض وجدل، خاصة مع تطبيق القذافي النظرية التي ابتدعها “الشعب المسلح” وهى التي تعني ببساطة أن جميع فئات الشعب هى ذاتها قوات الجيش، وقد تعني بشكل أخر عدم وجود جيش نظامي للبلاد أصلا، وتقوم النظرية على أنّ جميع فئات الشعب ينبغي لها التدرب على السلاح سنويا، في حين أن الجيش الذي يقوده حفتر أسس بعد سقوط القذافي عام 2011.

وها هى الشهادات تتوالى لتثبت أن جيش خليفة حفتر “الوطني” ما هو إلا مجموعات من المرتزقة تم استئجارهم من قبائل الجنجاويد بالسودان وتشاد ومصر والأردن وسوريا وشركات أمنية أوكرانية وروسية، لدرجة جعلت المسماري المتحدث باسم جيش حفتر يقر بوجود العسكريين الروس كما أقر بوجودهم الرئيس الروسي نفسه، ونجد أن الممول الرئيسي المشتبه به في تمويل تأجير هؤلاء المرتزقة  السعودية والإمارات، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان اختصهما القذافي بالعداء سواء قبل الثورة أو أثنائها ، وألقى عدة خطابات موجهة لقادتهما تطالبهم بعدم تأجير “الجرذان” وعدم التأمر على ليبيا.

كما أن فرنسا الداعمة الكبيرة لحفتر هي ذاتها أبرز الجهات التي دعمت الإطاحة بالقذافي.

حياة متمردة

حياة خليفة حفتر الذي يقترب من الثمانين “مواليد 1943”  مليئة بقصص التمرد ، فبعدما ساهم في انقلاب 1969 في ليبيا والذي يعرف باسم ثورة الفاتح من سبتمبر التي أوصلت القذافي للحكم ، أرسله القذافي عام 1987 للمشاركة في الحرب ضد دولة تشاد المدعومة “فرنسيا” لكنه وقع في الأسر ومعه700 من قواته واتهمته تشاد باستخدام غاز الخردل المحرم دوليا ، فاستدار على من أرسله، وقام هناك بدعم خارجي بتشكيل تنظيم عسكري بهدف الإطاحة بالقذافي لكن الأمر افتضح لدى القذافي فاصدر عليه أحكاما بالإعدام، ما جعله يعقد صفقة “تجنيده” مع الأمريكان لكي تُطلق تشاد سراحه ، ويؤسس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي انبثق عنها “الجيش الوطني الليبي” بدعم أمريكي كامل في كينيا، وفي عام 1990 يسافر إلي فرجينيا ليقضي فيها أكثر من عقدين من الزمان ويحصل على الجنسية الامريكية، ولما حدثت الثورة الليبية هنا ارسلت أمريكا “مجندها الثمين” ليساهم في إسقاط القذافي على أمل أن تنصبه حاكما على هذه الدولة الثرية، إلا أن يقظة الثوار حالت دون حدوث ذلك حتى تلك اللحظة.

الغريب أنه حينما تم أسر حفتر في تشاد كانت رتبته عقيد، ولا يعرف للآن من منحه رتبة المشير تلك التي يحملها.

قصة تمرد

للجنرال العجوز قصص أخرى أكثر غرابة وتشويقا، منها اتهامه من قبل المتحدث السابق باسم “جيشه” محمد الحجازي بالاستعانة بـ “السحر” واستجلاب سحرة من النيجر وتشاد بهدف إخضاع المحيطين به.

وروى المتحدث العسكري السابق قصة على هذا المنوال، مشيرا إلى أن المحيطين بحفتر أتوا له بساحر دفعوا له نصف مليون جنيه  ليبي ، ليصنع له خاتما يضعه في يده، به فص يقولون إن جنيا خادما يقبع داخله، وهو ما يجعل الناس حين يحضر حفتر تهتف وتصفق.

على ما يبدو أن الدولجية يحبون من يخدعهم!

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه