المبادرة المصرية تكشف الحقيقة الغربية

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إحدى منظمات حقوق الإنسان العاملة في مصر، والتي شغلت الرأي العام في الفترة الماضية بعدما اعتقلت السلطات المصرية القائمين عليها، على خلفية عقدهم اجتماعا مع شخصيات دبلوماسية غربية، وكعادة قضاء السيسي المسيس وُجهت إليهم قائمة التهم الجاهزة، بداية من نشر الأخبار الكاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية، وكاد الإعلام الموجه يضم بعضهم إلى مكتب الإرشاد!
ونظرا لطبيعة اللقاء كانت ردة الفعل الغربية والحقوقية قوية، في مواجهة قرار النيابة المصرية التي أمرت بحبسهم خمسة وأربعين يوما على ذمة التحقيقات، وكان موقف نواب الكونغرس الأمريكي أبرز المواقف في هذا الصدد، حيث وقع أكثر من أربعين نائبا على رسالة موجهة إلى النظام المصري تطالبه بالإفراج عنهم “فورا”، وهذا الذي حدث بالفعل حيث أفرج عن معتقلي المبادرة مباشرة من السجن إلى البيت، من دون المرور على الجهات الأمنية، أو إكمال مدة الحبس التي أمرت بها النيابة، وهذا يؤكد الجبروت والغطرسة التي يتعامل بها النظام مع المصريين، ويقابلها إذعان وانبطاح مع أوامر الخارج سواء كانت غربية أو حتى خليجية !

وفي المقابل يلقى السيسي ونظامه كل وسائل الدعم المادي والمعنوي، والتي في مقدمتها غض الطرف عن كل انتهاكات حقوق الإنسان، ونظام الحكم الشمولي الذي يحكم بالحديد والنار

سرعة استجابة النظام العسكري للتعليمات الخارجية ليست الأولى من نوعها، حيث كانت البداية مع الإفراج عن تسعة عشر موقوفا أمريكيا في فترة حكم المشير طنطاوي ومجلسه العسكري، مرورا بآية حجازي ومحمد صلاح سلطان، وكل من له جنسية غربية كانت سببا في نجاته من القوم الظالمين، وهذا يؤكد أن العالم الغربي له وسائله للضغط على النظام الذي لا يرفض له طلبا، لكن بقيت هذه الطلبات في إطار الحالات الفردية، وفي المقابل يلقى السيسي ونظامه كل وسائل الدعم المادي والمعنوي، والتي في مقدمتها غض الطرف عن كل انتهاكات حقوق الإنسان، ونظام الحكم الشمولي الذي يحكم بالحديد والنار، والقضاء على كل مظاهر الحياة السياسية، وتكريس قاعدة حكم الفرد وحزب الرئيس، واعتقال أكثر من ستين ألفا من كل فئات الشعب المصري بداية بالأطفال والبنات وشباب الجامعات، والمرضى وكبار السن، وشركاء سابقين في الانقلاب، وقادة عسكريين ورموز مدنيين، ووزراء وبرلمانيين ومرشحين رئاسة سابقين.
لو وضعنا كل هذا في كفة يأتي في الكفة الأخرى جريمة الإعدامات المتكررة بالعشرات في كل مرة، إلا أن العالم المتحضر لا يرى، لا يسمع، لا يتكلم، وأصبح لسان حال الجميع “السيسي ديكتاتوري المفضل”!.
نشرت منظمة العفو الدولية قبل يومين: “أنه في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني وحدهما، أعدمت السلطات المصرية ما لا يقل عن 57 رجلاً وامرأة، أي ما يقرب من ضعف الأشخاص الـ 32 المسجل إعدامهم خلال العام 2019، وشمل هذا الاعتداء المروع على الحق في الحياة ما لا يقل عن 15 شخصاً، حُكم عليهم بالإعدام في قضايا تتعلق بالعنف السياسي عقب محاكمات بالغة الجور شابتها “اعترافات” قسرية، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري”.

خطأ الشعوب المقهورة أنها نسيت الحقبة الاستعمارية التي سلمت الراية، لوكلاء يحكمون نيابة عنها يحققون لها الهدف والغاية

ومع بشاعة ما تؤكده وتنشره المنظمات الحقوقية إلا أن ذر رمادها لا يصل إلى عيون المسؤولين الغربيين، الذي يؤمنون أن الديمقراطية منتج غربي غير صالح للتصدير، وأن حرية الاختيار والتعبير حرام على غير الأوربيين، ويرون مصالحهم في بقاء بقية الشعوب تحت سلطة التافهين وحكم المستبدين.
خطأ الشعوب المقهورة أنها نسيت الحقبة الاستعمارية التي سلمت الراية، لوكلاء يحكمون نيابة عنها يحققون لها الهدف والغاية، وهي تبسط عليهم العناية والرعاية، كيف تستنجد بصاحب الكلب، وهو من أرخى زمامه ليعقرك، ولولاه ما وصل إليك؟
بل أثبتت الحضارة الغربية أنها صنعت إله الديمقراطية من العجوة لتأكله عند الحاجة لذلك.
معرفة طبيعة الحلف بين الاستعمار والاستبداد ركيزة أساسية في معركة الوعي، والتخلص من طغمة المستبدين والمفسدين هي الجلاء الحقيقي للمحتلين، والإنهاء الفعلي لحقبة المستعمرين، وهو ما ينبغي أن تدركه الشعوب وتسعى إلى تحقيقه بصبر وجد.