ماذا يحدث في بحر ايجة؟

طفل بعد غرق باخرة تحمل لاجئين في بحر ايجه

بعيدا عن أزمة الكورونا، والمحنة الإنسانية والاقتصادية التي خلفتها الجائحة، فإن كثيرا من أزمات العالم خاصة الأزمات الإنسانية، كأزمة اللاجئين أو الفقر، وانتهاكات حقوق الإنسان في كثير من دول العالم توارت أخبارها بجانب الخبر الرئيسي للكورونا المتصدر كل نشرات أخبار العالم تقريباً.

لا أحد على سبيل المثال يعلم بما يدور الآن في ملف اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل على الحدود، ومدى تدهوره في ظل الانغلاق، فضلا عن الانتهاكات القانونية لحقوقهم، كما أن أحدا لا يتابع تزايد أعداد المسجونين السياسيين في العالم، ولا الصحفيين وسجناء الرأي الذين تفترسهم أنظمة الحكم الديكتاتوري منتهزين فرصة سيادة الكورونا على اجتماعات السياسيين، وبرامج الإعلاميين!

واقع الحال يقول إن هناك ضميرا إنسانيا لا يزال يقظا، يرصد الانتهاكات في حقوق البشر، ويحاول أن يعيدها إلى بؤرة الأحداث، لاسيما ملف اللاجئين ومدي تدهوره في الوقت الحالي.

و مازال وزير الداخلية الألماني يلتزم الصمت، وسط مطالبة مستمرة بتفسير لما حدث

في ألمانيا تواترت الأنباء في الآونة الأخيرة  عن سوء معاملة اليونان للاجئين المتوجهين صوب جزرها، واعادتهم من حيث أتوا في وقت طالت فيه الاتهامات أيضا وكالة حماية الحددود الأوربية العاملة في بحر ايجة “فرونتكس” التي تتستر فيما يبدو على أفعال خفر السواحل اليوناني المخالة للقوانين الدولية.
كانت مجلة دير شبيغل الألمانية قد سلطت الضوء على حادث أثار جدلا كبيراً هنا في ألمانيا، عندما أوقفت دورية ألمانية تعمل في قوات “فرونتكس” لحماية الحدود قاربا مطاطيا على متنه 40 شخصا في بحر إيجة قرب السواحل اليونانية، وانتظرت حتى جاء خفر السواحل اليوناني  لاستلامه بينما قام بعد ذلك بسحبه إلى داخل الحدود التركية منتهكاً بذلك القانون الدولي، في وقت قام فيه الأتراك بإنقاذ هؤلاء اللاجئين!
أثارت هذه الحادثة حفيظة السياسيين الألمان، وتم طرح العديد من الأسئلة عن المعايير الأخلاقية التي تنتهجها قوات “فرونتكس” الأوربية وخفر السواحل اليوناني، ووجه عدد من وجوه المعارضة الألمانية أسئلة محدده لوزير الداخلية الألماني” هورست زيهوفر” حول تستر القوات الألمانية العاملة في بحر إيجة ضمن القوات الأوربية لحماية الحدود على انتهاكات يونانية تتعلق بحقوق اللاجئين؟ ! !

ومازال وزير الداخلية الألماني يلتزم الصمت، وسط مطالبة مستمرة بتفسير لما حدث، خاصة وأن الأنباء أشارت إلى أن اليونانيين يستخدمون أسلوبا ممنهجا منذ مدة في إبعاد طالبي حق اللجوء عن حدودهم بشتى الطرق، وكان شهود عيان من اللاجئين قد أكدوا أن البحرية اليونانية تقوم بإعطاب محركات القوارب المطاطية، ومن ثم سحبها إلى داخل حدود تركيا وتركها هناك دون أي مساعدة بانتظار أن ينقذهم الأتراك!
بل إن بعض الناجيين الذين تمكنوا بالفعل من الوصول إلى الجزر اليونانية، قالوا: إنه بدل من أن يتم نقلهم إلى مخيمات اللجوء، وتتبع الإجراءات القانونية، اعتقلتهم الشرطة وصادرت هواتفهم. بعد ذلك نقلوهم داخل قوارب نجاة بلا محركات، ولا مجاديف، ثم حركوهم في اتجاه المياه التركية!
هنا يبدو أن انتهاك القانون الدولي في ملف حقوق اللاجئين مستمر من قبل اليونان، دون أدنى اكتراث من قبل المفوضية الأوربية التي على ما يبدوأنها على دراية بما يحدث هناك.
إن أبسط حقوق اللاجئين المعرضين للخطر، ووفقا لما نصت عليه القوانين الأوربية هي ضرورة إجراء مقابلة شخصية مع الشخص اللاجئ يتقرر بعدها مدي حقه في طلب اللجوء من عدمه، أو حتى التمسك بحق البقاء في بلد اللجوء حتى يتم البت في طلبه وإقرار إن كان الشخص المعني بحاجة إلى حماية دولية أم لا؟

لا أحد يعرف ما سيأتي به الوزير في ظل تقارير مؤكدة من قبل منظمات الدفاع عن اللاجئين كانت قد رصدت طرق الإبعاد اليوناني

ألمانيا التي تولي قوانينها ملفات حقوق الإنسانية رعاية كاملة، قلقة للغاية من شبهة تواطؤ دورياتها في بحر إيجة مع القوات اليونانية، لهذا يبدو الوزير زيهوفر في وضع حرج للغاية، لأنه يجب عليه الإجابة عن السؤال المطروح في البوندستاج (البرلمان الألماني ) الآن إذا ما كانت قوات حماية الحدود الألمانية متسترة على الانتهاكات اليونانية؟ أم أن القوات اليونانية صادقة فيما تقوله ـ  بأنها لا تخالف القانون الدولي؟، وإن المهاجرين هم الذين يريدون طواعية العودة للحدود التركية؟، وهو طبعا مالا يصدقه أحد هنا!
لا أحد يعرف ما سيأتي به الوزير في ظل تقارير مؤكدة من قبل منظمات الدفاع عن اللاجئين كانت قد رصدت طرق الإبعاد اليوناني، عندما تقوم بتعطيل محركات القوارب المطاطية، حتى تتوقف عن المناورة ومن ثم يتم سحبها إلى داخل المياه التركية. أيضا يهدد حرس الحدود اليوناني اللاجئين بالأسلحة، وغالباً ما يتم إطلاق النار، وفي بعض الأحيان يقوم المسؤولون بسحب الأشخاص الذين وصلوا بالفعل إلى الجزر اليونانية إلى البحر مرة ثانية. وهناك شهادات مؤكدة في هذا الصدد.

من المؤكد أن الأزمة ستتفاقم في غضون الأيام القادمة وأن الضغط على الوزير الألماني سيستمر باعتباره متسترا علي ممارسات يونانية غير قانونية، كما أن لدى المعارضة الألمانية شكوكا كبيرة في أن ما يجري في بحر إيجة يوجب عليه التوقف، وأن تضمن قوات “فرونتكس” توقف الممارسات اليونانية، وأن تضمن حق اللاجئين، وإذا لم تتمكن الحكومة الألمانية من تنفيذ ذلك على المدى القصير، فستطلب المعارضة بسحب الكتيبة الألمانية العاملة ضمن القوات الأوربية في حماية الحدود.
قراءة المشهد تقول إنه من المستبعد إن تتدخل قوات “فرونتكس” في ممارسة أي ضغوط على اليونان، لأنها متهمة بالتواطؤ الفعلي معها، وأكثر دليل على ذلك هو مماطلة قائدها في تعين 40 شخصا بطلب من المفوضية الأوربية يكونوا مختصين ببحث الوضع القانوني للاجئين الذين يتم حبسهم في البحر.
لا شك أن المماطلة في صفة احترام الحقوق الأساسية للبشر هو أمر مروع، وإذا كانت للدول حقوق في حماية حدودها، فنحن نتساءل هنا و من يحمي إذن حق هؤلاء اللاجئين المشردين المطرودين من أراضيهم تحت وطأة الحرب والفقر والمرض والاضطهاد؟