الإسلاميون والحكم.. إلى أين؟

الاطاحة بارادة الصندوق

دستوريا من حق الإسلاميين، كغيرهم، التنافس على مقاعد ومؤسسات السلطة والحكم ، ولكن الواقع يؤكد أن كل الحقوق ليست متاحة وممكنة، وحتى في أجواء الإتاحة تأتى العواقب والمآلات والتحديات لتجعل المربع الإسلامي يفكر ويعيد التفكير والتدبير قبل بلوغ المصير، فقد تكون ممارسة بعض الحقوق لم يأت وقتها وزمانها ومكانها بل وأشخاصها بعد ، فهناك جاهزية الأجواء المحلية والإقليمية والدولية ، قد تكون ممارسة بعض الحقوق باباً يفتح جبهات لا طاقة لهم بها، أجواء تحسب على أنظمة الاستبداد والمصالح المحلية والإقليمية والدولية وتحسب لصالح المربع الإسلامي، لكن ليس هذا هو الميزان ، فالميزان هو النتائج والتداعيات ومصالح البلاد والعباد حماية للأرواح والأعراض والممتلكات التي تستباح في أول محطة للصراع بين أنظمة تملك مؤسسات رسمية مسلحة يدعمها قانون فاسد وقضاة فاسدون وبين معارضة إسلامية سلمية ومدنية لا تملك الا الكلمة والفكرة .

في مصر كان النموذج الأكثر دموية، وتونس على أبواب مشكلة مشابهة، والمغرب وحكومة المغرب الإسلامية في ورطة تاريخية بعد اعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني.

مشكلة الغرب أنه حريص على أن يبقي السيد ويظل غيره عبيدا أو تابعين

برامج النضال الإسلامي العام بها مراحل وخطوات متعددة منها: المشاركة في الحكم، لكن هذه الخطوة وهذا المربع بين سندان الشعوب الراغبة في حكم الإسلاميين ومطرقة المصالح الإقليمية والدولية التي ترى أن وصول الإسلاميين للحكم يهدد مصالح منصات الحكم والمؤسسات العسكرية والكيان الصهيوني والمصالح الدولية في بلادنا.

حكم الإسلاميين يأتي بحكومات مستقلة منحازة للشعوب حريصة على المصالح والثروات الوطنية والقومية متبنية لقضايا الأمة العربية والاسلامية، وهذا ضد المصالح الغربية ووكلاء الغرب في المنطقة.

مشكلة الغرب أنه حريص على أن يبقي السيد ويظل غيره عبيدا أو تابعين وهو الواقع الحالي مع حكام المنطقة، لكن الحكومات الإسلامية والوطنية المستقلة ترفض ذلك، نعم هي تؤمن بالمصالح لكنها المصالح المشتركة وليست مصالح طرف دون طرف ولا مصالح حاكم لا مصلحة دولة وشعب.

موازين القوى ليست في صالح الإسلاميين رغم شعبيتهم وانحياز صندوق الاقتراع لهم، لكن يأتي صندوق الذخيرة للمؤسسات العسكرية التي تنحاز بالولاء والوفاء للغرب فتنسف صندوق التصويت والأصوات بل والمصوتين أحياناً، مصر نموذجا.

المجتمع الدولي ليس ديمقراطياً كما يظن البعض أو يروج، وليس حكمًا عادلا بين الحكام المستبدين والشعوب المظلومة، وليس راعيا للقيم والمبادئ، بل هو العكس تماما في معادلة المصالح، فقد شاهد وسمع وتابع وأيد أكبر عملية سطو مسلح علي السلطة في مصر، واختطاف أول رئيس مدنى منتخب، وارتكاب مجزرة دموية مذاعة بالصوت والصورة وكأنها مشاهد هوليوودية وليست واقعية، وشاهد اعتقال قرابة 60 ألف معتقل سياسي فلم يحرك ساكنا ولم يشعر حتى بالقلق، لكنه انتفض غضبا وسخطا وتهديدا من أجل ثلاثة ناشطين أو أكثر من نخبته التي اختارها لتكون أداة رقابة تابعة على أنظمة الحكم الخاضعة .

فلم يعد من المعقول ولا المقبول أن يساء تقدير المواقف بصفة متكررة وتكون الأرواح والأعراض والممتلكات والأفكار والقيم هي الضحية

حكم الإسلاميين لا تنقصه معلومات ولا كفاءات بقدر ما تنقصه علاقات وتحالفات وهذه بثمنها غالباً من قيمية المشروع الإسلامي الوطني، تنازلات مقابل علاقات، راجع مهرجان التطبيع للجميع، الذي يتبناه ويرعاه ترمب شخصيا وينفذه حكام العرب وكلاء الغرب في بلادنا.

وصول الإسلاميين للحكم أو مشاركتهم في السلطة بحاجة لإعادة نظر وفقا لقاعدة المصالح والمفاسد ، قاعدة التكلفة والعائد ، قاعدة المقاصد والنتائج والمآلات ، فلم يعد من المعقول ولا المقبول أن يساء تقدير المواقف بصفة متكررة وتكون الأرواح والأعراض والممتلكات والأفكار والقيم هي الضحية في ظروف غياب الجاهزية ، مفردات ينبغي التضحية من أجلها وليس التضحية بها، المربع الإسلامي بحاجة إلى فكر مختلف خاصة أنه يملك تاريخيا منظومة نظرية وقيمية حضارية رائعة في مجالات الفقه والإصلاح والتغيير.