مقاطعة مباركة

حققت مقاطعة الشعوب الإسلامية للمنتجات الفرنسية نجاحا على مستوى الأمة، وانتصارا لم تذق حلاوته من أمد بعيد، كما نجحت في الاتحاد على عمل معين لتحقيق هدف محدد، وقلما يحدث هذا إلا مع فرائض الإسلام الكبرى كالصيام والحج!

‏إنما الأعمال بالنيات، فإذا توفرت النية الصالحة لإنجاز هدف شريف، كتب الله له القبول ويسر أسبابه، بل سخر أعداءه للإسهام في نجاحه، ويظهر هذا جليا في حملة مقاطعة بضائع فرنسا حيث كان العامل الأكبر في تأجيج مشاعر المسلمين ضدها، ما ظهر عليه الرئيس الفرنسي ماكرون وإدارته من كبر وعجرفة، وغرور وغطرسة في تعاملهم مع الأزمة، والحديث بلهجة آمرة – تفتقر إلى اللياقة واللباقة – بضرورة إنهاء هذه المقاطعة، وكتب ماكرون على تويتر باللغة العربية “لن نتراجع”، ومع تصاعد المقاطعة وانتشار رقعتها قرر التراجع من خلال الظهور على قناة الجزيرة، وبدأ يتنصل من تصريحاته السابقة وأنها فهمت خطأ، وأنه يتفهم غضب المسلمين، ولا يتبنى نشر الرسوم المسيئة إلى مقام النبي المكرمﷺ، وكذلك الحكومة لا تقف خلف ذلك ! في قلب واضح للحقائق، لأنه هو من قال سنعيد نشر الرسوم، وثنى على كلامه وزير داخليته، وكذلك الحكومة هي من سمحت بنشر الرسوم على البنايات العامة.

لم يمتلك الشجاعة:

 ومع طول المقابلة وكثرة المراوغة لم يمتلك ماكرون الشجاعة الكافية للاعتراف بالخطأ، والاعتذار عن جرح مشاعر قرابة ملياري مسلم آذاهم التعرض لصاحب المقام المحمود والحوض المورود صلى الله عليه وسلم، الذي هو أحب إليهم من أنفسهم وأهليهم، فحاق بماكرون سوء مكره وضل سعيه إذ جدد خطابه الملتوي عزيمة المسلمين على المضي في مقاطعته،‏ ثم دخل في دائرة فشل جديدة باتصاله بحكام عرب مؤكدا لهم على احترامه للإسلام، ومصرا على الوقوف في المكان الخطأ، ومحاولة فتح باب موصد، إذ لا علاقة تجمع بين من قاموا بالمقاطعة وبين هؤلاء الحكام، ولو كان أمرها بأيديهم لماتت في مهدها، كما أن الشعوب تدرك أن هذه الزعامات لا تمثلنا، وأنهم إلى ماكرون و”شاريلي أبدو” أقرب فيما يبدو، وليس في مكنتهم منع الاستمرار في المقاطعة.
لقد نسي ماكرون أنه اتصل بأعداء الشعوب، وزاد الطين بلة إعلان فروع كارفور في مصر والسعودية براءتهم من فرنسا، وأن الملكية ترجع إلى مستثمر إماراتي، بما يؤكد أن ظهورهم ألهبتها سياط المقاطعة، وعلق نشطاء على وسائل التواصل على هذا الإعلان بأنه سيجعل في المقاطعة أجرين، لأنه في نفس يوم الإعلان خرج وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش يعلن تفهمه لتصريحات ماكرون، وأنه لم يقل إلا الحقيقة!!

اعتقال الشيخ العدوي:

ثم جاء دعم المقاطعة هذه المرة من النظام المصري بارتكابه حماقة اعتقال الشيخ مصطفى العدوي أحد رموز السلفية في مصر، ثم الإفراج عنه على خلفية فتواه بتأييد المقاطعة وبيان أهميتها، كما فند الشيخ مزاعم من قال بأنها من اختصاص الحاكم، ولابد لها من إذن ولي الأمر، حيث تناقلت وسائل الإعلام نبأ الاعتقال، وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ونُشرت الفتوى على أوسع نطاق بعدما كانت في محيط تلاميذ الشيخ ومتابعيه…..

‏إذا كانت فرنسا قد أدركت حجم الخطر الذي عرضها له ماكرون – الذي أخذته العزة بالإثم، وغلَّب طيش الشباب على صوت العقل – فعليها العمل على صياغة اعتذار واضح عن الإساءة التي وقعت على نفوس المسلمين، والرجوع عن قرارات إغلاق المساجد والجمعيات الإسلامية، وضمان عدم التنمر على المسلمين أو مضايقة المحجبات، والسعي في تجريم التطاول على الأنبياء والمقدسات، كتجريمهم معاداة السامية، وإلا فإننا لا نملك إلا الاستمرار في المقاطعة كرد فعلي سلمي، وسلاح حضاري.

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه