أحمد عز الدين.. النسخة الإسلامية

 

عرفت في حياتي الإعلامية والسياسية عديدين ممن يحملون اسم “أحمد عز الدين”، يحضرنا هنا رجل الأعمال وأمين تنظيم الحزب الوطني المنحل أحمد عز أحد رموز نظام مبارك، والفنان والممثل أحمد عز (واسمه الكامل أحمد عز الدين علي عزت) والكيميائي أحمد عز الدين هلال وزير البترول في عهدي السادات ومبارك، والكاتب الصحفي أحمد عز الدين (الناصري السابق والسيساوي الحالي) وكان يعمل في جريدة صوت العرب مع الراحل عبد العظيم مناف، كما كان يكتب في بعض الصحف الأخرى مثل الدستور، وصوت الأمة، والأهالي، ولا أنسى طبعا كتاباته في جريدة الأسبوع وصداقته الحميمة لصاحبها مصطفى بكري فهما ينتميان لتيار واحد، وانتهيا إلى نهاية واحدة، وأخيرا الصحفي أحمد عز الدين( الإسلامي) مدير تحرير جريدة الشعب، ومدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية، والذي بدأ عمله الصحفي بمجلة الدعوة الناطقة باسم جماعة الإخوان مع رئيس تحريرها الأسبق جابر رزق رحمه الله، الذي يتميز عن جميع من سبقوه بإخلاصه، وعطائه، وعمقه، ودفعه الثمن راضيا مرضيا  دفاعا عما يؤمن به حتى النفس الأخير.

عن أحمد عز الدين (الإسلامي) أتحدث، فقد فارق دنيانا قبل عدة أيام (31 أكتوبر  تشرين أول 2020) بعد صراع مرير مع سرطان الرئة الذي ألم به أثناء حبسه ظلما لمدة 14 شهرا منذ 28 يناير كانون الثاني 2014، حتى 13 فبراير شباط 2015، ولم يكن ذلك أول مرض يصيبه أثناء حبسه الذي تكرر من قبل في 2004، و2006 والذي استمر ما يقارب العام، وأصيب خلاله أحمد بانزلاق غضروفي ظل يعاني منه حتى وفاته أيضا إلى جانب السرطان.
تعرفت على أحمد عز الدين أواخر الثمانينيات عقب عودته من السعودية حيث عمل لعدة سنوات مترجما، بعد عمله لمدة 3 سنوات مترجما صحفيا في الإذاعة المصرية عقب تخرجه من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1977، وكان لقائي الأول معه بمكتب الصحفي الراحل جابر رزق رئيس تحرير مجلة الدعوة رحمه الله في مقرها بشارع سوق التوفيقية وسط القاهرة، وكان ثالث ثلاثة يزاملون جابر رزق في مكتبه، أحمد وصلاح عبد المقصود وزير الإعلام لاحقا، وبدر محمد بدر مدير تحرير جريدة أفاق عربية سابقا والسجين منذ أكثر من عامين حاليا.

ايصالات أمانة:

لمست في أحمد عز الدين جدية صارمة في العمل والسلوك، وعمقا في الفكر، وإخلاصا لما يؤمن به، وإجادة لما يكلف به من مهام، وقد ظهرت بصماته على من يحيطون به في جريدة الشعب حيث عملنا معاً لبضع سنوات، ولا زلت أحمل في بيتي إيصالات أمانة تخصه لدى بعض الزملاء الصحفيين المعسرين، كان هو يرفض كتابة إيصالات لكنهم كانوا يحرصون على ذلك، واستقر الرأي أن تكون في عهدتي، وقد دارت الأيام ونسى الجميع تلك الإيصالات التي كنت أعثر عليها اثناء بحثي عن بعض الأوراق الخاصة قبل مغادرتي مصر.

كان يتعامل مع زملائه الصغار كأنهم أبناؤه، يسأل عن غائبهم، ويقضي حاجاتهم، ويلبي طلباتهم، وخاصة حين كان مسئولا داخل جماعته عن قطاع الصحفيين فيها، كان أحمد رحمه الله مؤهلا ليكون نجما كبيرا بحكم ما تمتع به من عمق فكري وبحكم دراسته للعلوم السياسية في وقت كان عدد المنتسبين لتلك الكلية قليلين ويشار إليهم بالبنان، وتتلقفهم جهات العمل السيادية في الدولة بمجرد تخرجهم، ولكنه كان مخلصا لأفكاره ومبادئه، وهو ما حرمه من الكثير من الحقوق، وما سبب له الكثير من المتاعب ليس أشدها السجون التي نالت من وقته الكثير (3حبسات مع ما صاحبها من أمراض قديمة وجديدة).

كان الراحل جديرا بأن يتولى أعلى منصب في أي مؤسسة إعلامية إخوانية أو غير إخوانية بحكم ما لديه من قدرات إدارية لمستها بنفسي خلال فترة عملنا المشترك سواء في جريدة الشعب أو غيرها، وأشهد أنه كان ليحقق لأي مؤسسة يديرها طفرات كما فعل مع مجلة المجتمع الكويتية التي شغل منصب مدير تحريرها لعدة سنوات.

مولده:

ولد أحمد عز الدين الغول في الثامن من أكتوبر 1954 في مركز المنشاة بمحافظة سوهاج لأسرة عريقة، وتفوق في دراسته الثانوية ليلتحق بكلية الاقتصاد العلوم السياسية عام 1973 ليتخرج منها عام 1977، وليشهد خلال دراسته الجامعية مجد الحركة الطلابية حيث انتمى مبكرا للاتجاه الإسلامي الوليد في الجامعة في تلك الفترة، ثم التحق بالقوات المسلحة كضابط احتياط قبل أن يتزوج وينجب (ألاء وعمر وتسنيم وأسحار)

حين تم حبس أحمد أواخر عام 2004، لمدة 3 أشهر كنت أعمل خارج مصر(الإمارات العربية)، وكنت أتابع قضيته من  بعد، أو أثناء زيارتي إلى القاهرة، وأتذكر أن يوم الإفراج عنه كان يوما مشهودا حيث كان في انتظاره في مكتب مأمور السجن وفد من مجلس نقابة الصحفيين ضم إبراهيم حجازي وكيل النقابة وصلاح عبد المقصود السكرتير العام المساعد و(للغرابة أيضا) أحمد موسى عضو مجلس النقابة، والذي دخل النقابة لدورة واحدة، واتذكر أنه أثناء حملته الانتخابية ذهب إلى مقر الإخوان طالبا دعم صحفييهم، وقد حضرت ذلك اللقاء، وأحصيت لموسى خطاياه بحق الحريات عموما وبحق الإخوان خصوصا، فتعهد بأنه سيكون شخصا مختلفا بعد فوزه في الانتخابات، طبعا لم تقنعني أو تقنع الحاضرين إجابته، ولم يضغط الإخوان على صحفييهم للتصويت له، ولكنه فاز نتيجة عدة خدمات أمنية قدمها للصحفيين بحكم علاقته الوثيقة بوزارة  الداخلية( عموما الكلام عن عضوية أحمد موسى في مجلس الصحفيين فيه كلام كثير لكنه ليس موضوعنا الآن).

وفي أواخر العام 2006، وتحديدا في 14 ديسمبر تم اعتقال أحمد عز الدين مرة أخرى  ضمن عدد آخر من رموز الإخوان المسلمين، وتمت إحالتهم للمحكمة العسكرية، إثر العرض التمثيلي لطلاب الأزهر الذي وصف بأنه عرض ميليشياوي، وخلال فترة حبسه هذه قررنا بصفتنا أصدقاء له ترشيحه في انتخابات نقابة الصحفيين ليكون مرشحا من خلف الأسوار، وتم تقديم طلبه بالفعل، لكن كشوف المرشحين النهائية خلت من اسمه الذي حذفته اللجنة المشرفة على الانتخابات بتواطؤ مع الأجهزة الأمنية، وظلت صوره تغطي جدران النقابة كباقي المرشحين، وظلت قضيته بندا مهما على جدول بقية المرشحين بمن فيهم المرشحون لمنصب النقيب، وتم جمع مئات التوقيعات تضامنا معه كان من بينها  توقيع مكرم محمد أحمد نفسه، ومنافسه رجائي الميرغني، وعدد كبير من كبار الصحفيين، كما تم تنظيم عدة وقفات على سلالم نقابة الصحفيين للمطالبة بالإفراج عنه، وقد تعرض أحمد خلال حبسه لانزلاق غضروفي، وكان يحضر إلى النيابة محمولا على ايدي رفاقه، كما توفيت والدته أثناء حبسه وسمحت له وزارة الداخلية بحضور عزائها، وظل في محبسه حوالي سنة قبل إخلاء سبيله، وكان آخر حبس لأحمد في 28 يناير 2014 حيث استمر في محبسه 14 شهرا، وقد أصيب خلال هذا الحبس بسرطان الرئة الذي ظل يعاني منه حتى وفاته يوم 31 أكتوبر تشرين أول عن عمر بلغ 66 عاما.

رحمك الله أبا عمر.. وأنزلك منازل الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه