مهرجان الجونة.. غياب الفن وحضور الجهل!

سوق للجهل والسذاجة والسطحية، تتخللها تصريحات ركيكة وعبيطة لممثلات المهرجان، لا مكان فيه لمناقشات جادة ومستفيضة عن أحوال صناعة الفن المتدهورة في مصر سواء في الغناء أو السينما مثلا.

نترك صخب الحياة ومشاكلها في مصر والعالم، وننسى معها مؤقتا فيلم ماكرون والإسلام، وفيلم ابن المستشار ومستشار المستقبل طفل المرور، ونعرج على قرية الجونة السياحية التي انتهى فيها مهرجان الجونة السينمائي السنوي، لنرصد ما أسفر عنه هذا المؤتمر، الذي استمر لمدة ثمانية أيام من اللهو والترفيه والدعاية المكثفة لمشاريع آل ساويرس التجارية، بين نجوم من كل لون وطيف، في السياسة والرياضة والسينما والإعلام.
انتهى المهرجان الذي حضره أكثر من 700 شخص، نزلوا ضيوفا على ساويرس في منتجعه الخلاب. وكعادة كل سنة واجه المهرجان سهام النقد لحالة العري التي تتبارى فيها نساء المهرجان عندما يستعرضن أثوابهن، وأحذيتهن، وأجسادهن المكشوفة، وينسي الناس هدف ودور المهرجان، الذي هو بالطبع ليس له هدف ولا دور، إلا التركيز طول أيام المهرجان على أكتاف وسيقان سيدات المهرجان.
سوق للجهل والسذاجة والسطحية، تتخللها تصريحات ركيكة وعبيطة لممثلات المهرجان، لا مكان فيه لمناقشات جادة ومستفيضة عن أحوال صناعة الفن المتدهورة في مصر سواء في الغناء أو السينما مثلا.

البقاء للأقوى

كعادة كل سنة، دار جدل كبير حول ثقافة المشاركين من النجوم، عندما تحدثوا أمام الكاميرا، فها هي ياسمين صبري زوجة أبو هشيمة تاجر الحديد تشرح نظريتها في التغلب على الكورونا، بأن لبقاء للأقوى، والنجمة الأخرى رانيا يوسف التي اشتهرت بالملابس الساخنة تشرح أن الإنسان حارب الديناصورات، فلم لا نحارب الكورونا؟ .. حتى ساويرس نفسه الذي ارتدي تي شيرت مكتوب عليه Fuck corona  للسخرية من وباء الكورونا تعرض هو الآخر للسخرية من هكذا جملة على تي شيرت لا يتناسب مع سنه ومكانته.
يتساءل البعض هل أصبح مهرجان ساويرس هو البديل لمهرجان القاهرة الذي يعاني ضعفا ووهنا عظيمين؟ لا أعتقد أن ذلك صحيحا فالمهرجان لايعدو أن يكون مناسبة للترفيه والمتعة في منتجع البحر الأحمر الخلاب، وهم لا يفعلون شيئا أكثر من السمر والأكل واللهو، حتى إنهم يمزحون مع بعضهم البعض عن وزنهم في نهاية المهرجان وكم عدد الكيلوغرامات التي زادوها في تلك الفترة، أيضا المنتجع لا يقدم عروضا سينمائية يشاهدها عامة الناس.
وسط هذا الزخم الإعلامي وتسليط الضوء على هكذا مهرجان من حقنا أن نتساءل عن القيمة الفنية له؟ ولماذا تتبارى وسائل الإعلام الحكومية في تسليط الضوء بكثافة على مهرجان خاص يمتلكه رجل أعمال؟
الحقيقة أن المهرجان ينحصر دوره فقط في الدعاية لمنتجعات ساويرس لا أكثر ولا أقل،  فساويرس رصد 4 ملايين يورو أي حوالي 20 مليون جنيه مصري دون أي مساعدة حكومية لتغطية نفقات المهرجان، وهذا ما يطرح سؤالا عن الإفادة التي ستعود عليه من جراء تبني هذا المهرجان؟،  لا شك أن المستفيد الوحيد كما أشرنا هو الدعاية التجارية له وسط أناس يملكون المال والنفوذ الإعلامي الدعائي،  ومما يعضد هذا الطرح أن مصر ليست سوقا حقيقيا لتوزيع الأفلام العربية والعالمية .

دعوة الممثل الفرنسي

من الخطأ وصف المهرجان بالناجح لأن أي مهرجان سينمائي يلزمه مناخ مفتوح وقدر من الحرية المطلقة على تبادل وجهات النظر، وأن تكون هناك مناقشات حول صناعة السينما وأسباب تدهورها في مصر، لكن عوضا عن ذلك وفي خطوة غير مفهومة دعا ساويرس الممثل الفرنسي الشهير جيرارد ديبارديوالمعروف بمواقفه المؤيدة لإسرائيل، وقام بتكريمه في حفل افتتاح المهرجان، مما استفز البعض من المعارضين للمهرجان.
ساويرس أزعجته هذه الانتقادات رغم حجم الأموال التي أنفقها علي المؤتمر فطالب بوجوب التخلي عن العصبية وقال : لن نكون أكثر تعصبا من أصحاب القضية أنفسهم، في إشارة إلى الفلسطينيين ، وأكد على ضرورة استمرار المهرجان للحفاظ على مكانة مصر السياحية!!
الفنون بشكل عام تنبع من البيئة التي تنمو فيها، وهي عادة ترجمة لحركة الشعوب في التطور بشقيه السلبي والإيجابي،  فالمجتمع المتطور الراقي تكون فنونه انعكاسا للحركة الثقافية الفنية المتوهجة،  انظر إلى مصر في فترة الخمسينيات والستينيات كانت ولا شك مؤثرة في الحركة الفنية، حتى أنه مع النكسة في 67 لم تستسلم إلى الضياع،  بل تطورت وتفوقت من واقع قوتها الفنية والثقافية في ذلك الوقت،  وتم استغلال ذلك بقوة في البروباجندا السياسية من أجل إعادة الثقة بين الشعب وقواته المسلحة ، وهنا نتذكر دور أم كلثوم الراقي عندما طافت البلدان العربية تغني وتساهم بعائد الحفلات في المجهود الحربي.
والمهرجان بالمهرجان يذكر حتى تكتمل الصورة، فإن مهرجان الجونة مع مهرجانات شاكوش وحمو بيكا ومن قبله شعبان عبد الرحيم تعتبر رسميا إيذانا بالبعد عن الذوق الراقي، والتراجع الثقافي، وحركة المجتمع في النهوض.
فقط نذكر أن ساويرس حاول دوما أن يكون له منطقة نفوذ إعلامية يؤثر من خلالها في عالم السياسة،  فأسس حزبه بعد ثورة 2011 وفشل بعدها في استمراره،  فاتجه إلى الإعلام ولم ينجح فيه هو الآخر فباع قناته،  وذهب الآن إلى السينما يبحث عن دور لآنه يؤمن كما يقول بأن دعم الإبداع قادر على مواجهة الإرهاب،  ونحن نتساءل أي ابداع هذا في مهرجان الجونة الذي سيواجه الإرهاب؟!!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه