نداء إلى الشيخ راشد الغنوشي

الشيخ راشد الغنوشي

رأيت أن من واجبي وأنا أنظر لما يحدث لحركة النهضة وما يحاك لها، ثم ما يحدث بداخلها ويكاد يفتك بها ويمزق أشلاءها، أن أوجه النداء لرأس الحركة  والمسؤول عنها علّه تصله رسالتي ويؤثر فيه ندائي، وأزعم تجردي فيما أخط بيميني فلست تونسياَّ أخوض صراعاً سياسياًّ بداخلها ولا عضواً في حركة النهضة أنصر طرفاً على طرف وإنما بحسباني أحد الحريصين على مشروع الأمة يرى جزءاً مهماًّ منه يوشك أن  ينهار بفعل أصحابه، فيفعلون بأنفسهم ما لم يستطع أن يفعله عدوهم، وبعد أن حققوا نجاحات بحكم اتساقهم مع أنفسهم وأصل مشروعهم الذي اتخذ الإسلام مرجعية له منذ تأسيس الحركة سنة1972م وإعلانها سنة 1981 باسم حركة الاتجاه الإسلامي ثم تغير الاسم فيما بعد إلى حركة النهضة ثم بدأت محاولات القيادات الابتعاد شيئاً فشيئاً عن أصل المشروع وغايته.

فضيلة الشيخ المبجل

أما ترى أن حركة النهضة إذا انهارت – لا قدر الله – فستفقد تونس القوة الحقيقية المؤثرة لأن ما عداها مما يسمى أحزاباً سياسية لا هي أحزاب ولا هي سياسية وأن بعضاً منهم يعلم القاصي والداني أين القبلة التي يحجون إليها، ومن أين يأتيهم التمويل الذي يُقوي قلوبَهم ويُطلِق بالنباح ألسنتهم، ولم يتبق من الوطنيين بحق إلا أقل القليل؟

أرى أن ما يصدر عنكم ينكأ جراحاً فكرية كلما التأمت فجرتموها من جديد وانفطر معها القلب حسرة فأراني لا أنسى أن قايد السبسي أدرك أنه لا يستطيع تجنب شرور مناوئيه من دون استخدام حركة النهضة عصاً يتوكأ عليها ويهش بها على غنم اليسار والمناوئين له فكنتم – فيما أتصور- نِعمَ العصا وكانت حساباتكم سياسية براغماتية فما الضير في ذلك -في نظركم- إذا تقاطعت المصالح؟

فضيلة الشيخ المبجل

أرى أنكم ممتحنون بثلاث قضايا:

القضية الأولى تتعلق بالمشروع والهوية فلو سألكم سائل في بداياتكم من أنتم لانبرى بالرد أصغر شبل من أشبال الحركة بالجواب غير متلعثم “هويتنا إسلامية ومشروعنا إسلامي وأهدافنا واضحة وضوح الشمس ووسائلنا كلها معلومة ومشروعة”.

فما هو مشروعكم الآن وما هي هويتكم؟

إنكم تحت زعم مسايرة المدنية والحداثة والتوافق مع دعوات الليبرالية والعلمنة واعتماد صيغة جديدة للتعايش كنموذج تزعمون تفرده قد تجاوزتم حدوداً كثيرة ولا أنسى مشهد نائبك الشيخ الوقور المعمم  وهو يصعد خشبة المسرح ويمثل هذه الكوميديا المسخرة فيهين مكانه ومكانته ويسيئ إلى الحركة الإسلامية في المشارق والمغارب ويصدم مشاعر من تعلقت قلوبهم بكم ، كل ذلك لإشعار الكافة بأنكم أكثر حداثة من الحداثيين وأكثر انفتاحاً من الانفتاحيين ، ولا يقل مشهده في جنازة السبسى متفرداً مترجلاً ستة كيلومترات سابقاً بالعدد الكافي من الخطوات إلا لإيصال رسالة كوميديا سوداء كان التمثيل على المسرح كافياً لإيصالها ولكن الحرص الزائد على المداهنة يفقد العمل معناه ويكون بعد الانبهار اللافت أو المصطنع مادة للتندر وإخراج لسان الاستهزاء.

ثم تجاوزتم الفصل بين الدعوي والحزبي إلى الفصل بين السياسي والقِيَمي، فمشروعكم في ثوبه الجديد يبدو متوشحاً بوشاح المصلحية والبراغماتية من رأسه حتى أخمص قدميه، ويدوس القيم التي نشأ بها وعليها في سبيل مصلحة مُتَوهَمة ما أراكم تحصلون منها شيئاً وما حديثكم مع السفير الفرنسي مؤخراً وأثره على الأمة ورد فعلها منكم ببعيد.

القضية الثانية: قضية التداول

أراك تنظر إلى قضية تداول رئاسة الحركة كأنها رجس من عمل الشيطان وسلوكك يوحى بأن رئاستك للحركة أهم عندك من بقائها متماسكة قوية وحرصك على الوصول لرئاسة الدولة فيما تتصور إمكانية حدوثه أهم من أي اعتبار آخر.

أحِرصُك على الوصول للرئاسة يجعلك تكسر قلوباً كانت متعلقة بعد الله بك وتدوس نبلاء كراماً أصحاب تضحيات وتصرح بأن باب الحركة مفتوح للخارجين كما الداخلين سواء؟

فإذا لم تستطع توحيد صفك وجمع شتات حزبك وتأليف قلوب إخوانك وتطييب خواطرهم فكيف لك أن تجمع قلوب الشعب حولك؟

كيف لك أن تخطب ود كل زاعق وناعق وتسعى نحو العلماني والليبرالي وفاقد الدين أو مخاصم العقيدة وتحاول الاصطفاف معهم وأنت غير قادر على الاصطفاف مع حركتك وحزبك ورفاق دربك؟

وأية قوٍة مخلصة تلك التي ستستند إليها إذ تحكم لو أتاك الحكم طوعاً وما أراه إذا حدث -كما يحدث المستحيل- إلا نذير شؤم يجر البلاء والحصار على تونس.

وبالطبع لستُ في موضع أُذكّرك فيه وأنت في الثمانين من عمرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر “إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها” فلا تحمل نفسك في هذه السن -أطال الله عمرك- ما لا تطيق.

وأنت أعلم مني أن المكان لا يصنع المكانة وإن كنتُ ضارباً لك مثلاً فأضرب المثل بمن تعرف.

فهل تَركُ خالد مشعل مكانه أفقده مكانته أم زادت مكانته وزاد تأثيره وحبه وتقديره ونفعه وتوجيهه وأصبح مطلوباً غير طالب؟

القضية الثالثة: هي رهن مصير الحركة -أية حركة- بشخص مهما كانت قدراته، وأرى وأسمع بعض المحيطين بك وهم يسوقون لنا أن استقرار حركة النهضة مرهون ببقائك رئيساً لها وأن الحركة  تدين بشهرتها وقوتها لك ولتاريخك وأظن أن العكس هو الصحيح، فوجودك على رأس حركة قويةٍ ومتماسكة وذات مرجعيةٍ إسلامية، وقواعدها رجالاً ونساءً من أخلص وأنبغ وأنبه أبناء الأمة هو الذي منحك الشهرة والقدرة على الكلام والفعل مستنداً إليها، وأنت والحركة مدينون لهذا الدين العظيم الذي قامت حركتكم على أكتافه وعاشت حيناً من الزمن في أكنافه ، وها أنتم أولاء تحاولون الابتعاد عنه كهوية كأنه سيعيق مسيرتكم ويحول دون تحقيق أهدافكم ، وإذا استمر نهجكم على هذا النحو فما أرى مصيركم – وقاكم الله – إلا إلى تيهٍ لا خروج منه إلا أشتاتاً لا قوة فيها ولا رجاء منها.

فضيلة الشيخ المبجل الراشد

هلاٌ ضربت لنا المثل عزوفاً عن المناصب واعلاء لمصلحة الحركة والأمة على أي عَرَضٍ زائل، ولا تُلقِينّ أذنك للمتملقين ولا المستفيدين ولا المزينين لك ما تفعل، وأيم الله إن هؤلاء وأمثالهم أعظم إثماً وأشد خطراً عليك وعلى الحركة بل وعلى الأمة جمعاء.

وأدعوك أنت وقيادات الحركات الإسلامية في شتى الأقطار – وقد تفشى فيهم وباء التشبث بالبقاء وربما سبقوك إليه- ألاُ تخالفوا الناس إلى ماتنهونهم عنه فتنتقدون وتهاجمون الحكام الطغاة لتمسكهم بالبقاء فى سدة الحكم وأنتم أشد حرصاً وأكثر التصاقاً بمقاعدكم، وهم يعبثون بالدساتير لأجل البقاء وأنتم لا ضير عندكم فى تغيير اللوائح لذات السبب، والمتملقون والمرتزقة عندهم وعندكم جاهزون بالقص واللصق والتفصيل والتبرير والتزيين والتزوير فاحذروهم قبحهم الله أنٌَى يوجدون.

(واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله)