بايدن والسيسي “واللي يخاف من العفريت..”

بايدن

يقول المثل الدراج ” اللي يخاف من العفريت، يطلع له”، وقد فاز جو بايدن، بعد أن اعترفت الأبواق الإعلامية للانقلاب العسكري، بما يمثله لهم نجاحه من تحديات.. فقد قالوا ولم نقل! وهذا يفسر كيف أن الجنرال المصري وقف بـ “الباع والذراع”، خلف منافسه دونالد ترمب، ولم يضع ضمن حساباته أن “يطلع له العفريت”!

هذا الانحياز الواضح، لم يبدأ في هذه الانتخابات وانما بدأ في الانتخابات الرئاسية السابقة، إذ انحاز الجنرال لترمب أيضاً، وفي أول لقاء جمعه به بعد فوزه قال له: لقد راهنت عليك!

يريد أن يقول إنه كسب الرهان بفوزه، لكن لم تسعفه العبارة، فقد كان حديثاً ارتجالياً، والرجل لا يجيد الارتجال، فالكلام عنده يمر عبر “فلاتر”، حسب وصفه لذاته!

ولعل هذا يمثل الكلمة المفتاحية للإجابة على سؤال: لماذا يخاف السيسي من بايدن؟ على النحو الذي جعله يعامله بالمثل، فإذا كان أول اتصال من حاكم عربي تلقاه ترمب قبل أربع سنوات بمناسبة فوزه في الانتخابات، فقد كان أول اتصال يتلقاه جو بايدن عقب الإعلان غير الرسمي بفوزه من عبد الفتاح السيسي، مع أنه راهن على ترمب، ولم يراهن على بايدن، وفي وقت كان فيه من راهن عليه يرفض هذا الإعلان، ويشكك في النتيجة، وكان على السيسي أن يتمهل ولو من باب الوفاء وحتى ينقشع الغبار، ولو بالانتظار حتى صباح اليوم التالي، والصباح رباح، كما يقولون، وحتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر!

بيد أنه كان مدفوعاً بالخوف من هذا التغيير الذي لم يضعه في الاعتبار، فقد ألقى بكل ثقله في اتجاه ترمب، ولم يترك الباب موارباً ولو بإقامة جسر مع بايدن وفريقه، عبر آخرين في مؤسسته، لكنها آفة حكم الفرد في النسخة الرديئة لها، فالسيسي الخائف من طعنة غدر، يضع كل الملفات في يده، وما كان لعبد من قلبين في جوفه؛ يحب ترمب ويتواصل مع بايدن، لاسيما وأن الرئيس الأمريكي السابق لن يقبل بهذا، فشعاره: “من ليس معي فهو ضدي”، ومثل هذا التواصل مع المنافس، سيعتبره ترمب حتماً اخلالاً بواجبات “الإخلاص العاطفي”!

أما أنها النسخة الرديئة من حكم الفرد، فلأننا جربنا النسخة الواعية، مع حكم عبد الناصر، وكانت دولته تضم أطرافاً لديهم علاقات مع الدول الكبرى، وبالقوتين العظميين في العالم بالتحديد، وفي الوقت الذي كان فيه على خلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية فان خطوط الاتصال لم تنقطع بينها وبين الدولة المصرية، وعبر أشخاص معروفين بالاسم، لم يكن أبرزهم محمد حسنين هيكل، وكان مصطفى أمين أحد هذه الخطوط المتوازية قبل اعتقاله بتهمة التخابر!

وليس لدى عبد الفتاح السيسي خطوط اتصال مع قوى الداخل المصري، ليكون له ذلك خارجياً، إلا ما يقيمه بنفسه، وفق النظرة الضيقة والفهم المحدود للعلاقات الدولية، لهذا فقد أطربه وصف ترمب له بأنه ديكتاتوره المفضل، وراهن عليه للفوز بولاية ثانية، فلما خسر الرهان، بدا الارتباك واضحاً في الأداء!

لقد اندفعت أبواقه الإعلامية تتحدث عن تزوير الانتخابات ضد ترمب، وهي التي حملت على منافسه جو بايدن حتى وصفته بأنه مرشح جماعة الاخوان المسلمين، ولا أدري كيف تصل الرعونة بأذرع النظام لدرجة تصوير الجماعة بأنها قوية حتى تملك هذه التأثير في إرادة الشعب الأمريكي، وجزء من عدم حماس كثير من الناس للجماعة بعد سقوط حكمهم، أنهم لم يثبتوا قوة في مواجهة التحديات، وثقافة المصريين في هذا الصدد تقوم على أن الحاكم الضعيف فتنة!

وإذا سلمنا بأن الإعلام المصري تديره الأجهزة الأمنية، فلا يمكن اعتبار الارتباك حد الهلع في أداء الإعلاميين المواليين للنظام إلا تعبيراً عن ارتباك الحكم، فهذه الأجهزة هي التي أعادت لميس الحديدي لواحدة من الشاشات المصرية، ومن هناك استضافت “سلفها” عماد أديب أو شقيق زوجها، ليتحدث عن قدرة الاخوان، وكيف أنهم استعانوا بمركز أمريكي هو بالتأكيد الذي كتب لهم بيان التهنئة للرئيس الأمريكي الفائز، وبعبارات حذر معها من إعادة تدوير الربيع العربي، وبدء الحديث عن الانقلاب والحكم المصري الفاقد للشرعية!

دعك من حديث المستوى الثاني من الأبواق الإعلامية، الذي بدا إنه يعتمد ثقافة “خناقات الشوارع”، عن السيادة المصرية، واستقلال القرار المصري، وامتلاك مصر لأوراق ضغط في مواجهة القادم الأمريكي، فكل هذه ترهات لا قيمة لها، والشاهد أن صاحبهم في كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية لم يثبت في أي قرار هذا الاستقلال الوطني، فالسيسي قال لترمب أنه معه وسيكون عند ظنه لتحقيق “صفقة القرن”، قبل أن يعلن هو في وقت لاحق أنها مسمى أعلامي، وقد نسى أن العالم سمع لأول مرة بها منه هو شخصياً!

لقد نُشر في الصحف الأمريكية أن أحد البنوك المصرية قدم دعماً سخياً لحملة ترمب الانتخابية، وعند استجواب وفد عن هذا البنك لم يقل كلاماً مقنعاً لمن استجوبوه، وستصبح هذه إحدى الملفات التي يمكن أن تفتح في المستقبل، وإن بدا الطرف الأمريكي ليس مستعداً للتحقيق في الأمر للوصول إلى الداعم الأصلي، فبسقوط ترمب يصبح المجال مفتوحاً للتحقيق والأخذ والرد!

ولماذا يتورط النظام المصري في ذلك؟، حيث لا أعتقد أن حملة ترمب كانت تنتظر دعماً مالياً من بلد ليس غنياً مثل مصر، وعندما يتم العثور على خيط لذلك، فمعناه افتقاد القوم للجدية اللازمة والعشوائية في التصرف، التي لا تلقي بالاً لشيء إذ كانوا يراهنون على فوز ترمب لولاية ثانية، وربما كانت تمني نفسها في أن يقوم الرئيس الأمريكي بتعديل الدستور ليزيد من رصيده في الحكم بعد الولاية الثانية!

والأزمة هنا في عدم وجود خط اتصال بالرئيس الأمريكي، ولو في وجود نفر من نخبة الحكم تعلن تأييدها له في فترة الحملة الانتخابية، وهو انسداد أفق لا يمكن أن يحدث ولو في العلاقات بين القبائل التي يكون بينها خلافات ثأرية، ومع هذا دائماً تكون هناك قنوات اتصال، عبر صداقات سابقة بين أفراد في القبيلتين، أو مصاهرات قديمة!

وفي المقابل، قال بايدن إنه لن يعطي شيكاً على بياض لديكتاتور ترمب المفضل، وندد باعتقال أقرباء للناشط الأمريكي، المصري الأصل محمد سلطان للضغط عليه في قضية رفعها ضد حازم الببلاوي رئيس وزراء مصر السابق، وقبل الإعلان غير الرسمي لفوز بايدن كان حكما قضائيا قد صدر بالإفراج عنهم!

وقد مارس الديمقراطيون ضغوطاً على مبارك من قبل، فناور ورضخ لكثير منها في النهاية، مثل إفراجه عن سعد الدين إبراهيم وأيمن نور، ومثل منح تراخيص لصحف خاصة بعد سنوات من الإغلاق التام، بل إن الضغوط الأمريكية كانت سبباً في تعديل الدستور بما يسمح بانتخابات تعددية. فهل يتحمل السيسي هذه الدرجة من الضغوط؟

لقد كان نظام مبارك متماسكاً بدرجة ما، ثم إن مصر قبل 2011 ليست هي مصر الآن من حيث الوعي بضرورة التغيير، فضلا عن أن السيسي ليس هو مبارك!

إن من يخاف من العفريت يظهر له!