تغطية أحداث فيينا بعين الإعلام الأوربي

بداية هذا المقال هو قراءة للغة خطاب الإعلام الغربي وتأثيراته على المجتمع وأفراده وانعكاساته على الحياة اليومية والعلاقات الإنسانية داخل مكوناته، بل لا أبالغ إن قلت إن له تداخلاته في أحداث وقرارات مصيرية مستقبلا في أوروبا والغرب.
في ليلة الإثنين الثاني من نوفمبر تشرين الثاني وفي ساعات متأخرة من الليل ضرب هجوم إرهابي جبان العاصمة الأوربية هو الأول من نوعه منذ عقود، حيث استغل المهاجمون ازدحام وسط المدينة استعدادا للساعات الأولى من الإغلاق الكلي التي اتبعته النمسا والعديد من الدول الأوربية لمواجهة الموجة الثانية من جائحة كورونا أمام تزايد معدلات الإصابة بشكل جنوني، نتج عن الهجوم مقتل 4 مدنيين وإصابة العشرات إصابات بعضها خطرة، وقتل أحد المهاجمين الذي أعلن لاحقا صلته بداعش وفقا للتقارير المعلنة حتى كتابة المقال.

وأمام ما رأيناه من صور على  وسائل  التواصل الاجتماعي  ووسائل الإعلام ، كان من الواضح أن الهجمات التي استهدفت مطاعم وبارات محيطة في الساحة العامة للمنطقة حيث استهدفت 6 أماكن مختلفة في ذات الوقت ، وبدأالإرهابيون يطلقون الرصاص على كل من صادفهم أو وقعت عليه أعينهم ، إلا أن وسائل الإعلام تفاجأت بوجود معبد يهودي قرب الحادث ، فأطلقوا المانشيتات والعناوين على أنه هجوم قرب معبد يهودي ، وآخرون أطلقوا العنان بالتنبؤ إن كان الحادث معاد للسامية ، في حملة ممنهجة ومستمرة من التضخيم المعتاد لمثل تلك الأحداث وتوظيفها سياسيا لخلق أجواء مشحونة هي بالفعل مؤججة ومتصاعدة خاصة خلال الفترة الماضية.

هذه اللغة المستمرة والازدواجية في التعامل مع الأحداث تنبئ بتطورات مستقبلية قد تكون مصيرية لبعض فئات المجتمع الأوربي من المهاجرين المسلمين ، ورغم أن تلك الأحداث لا تمثل إلا مرتكبيها كأي جريمة أخرى ، إلا أنه دائما يتم جر المسلمين واستدعاء خطاب الإسلاموفوبيا ومسؤولية الإسلام دينا عن تلك الأحداث بما يتنافى مع الواقع والحقيقة ، خاصة عندما تُرى أحداثٌ أخرى مماثلة تقوم بها مجموعات من البيض بدوافع دينية تارة وبدوافع عرقية وقومية تارة أخرى تستهدف المسلمين والمساجد ونتج عنها قتل وإصابات وحرق دور العبادة ، فتجد تغطية إعلامية تقتصر على الخبر في موجز على استحياء إن لم تتجاهلها أغلب المحطات ، ولا نسمع استدعاء للدين ، وغالبا ما تنتهي التحقيقات أو ما يتم اعلانه على أن مرتكبي تلك الجرائم مختلون عقليا دون أي إشارة للدوافع الدينية أو القومية لدى هؤلاء.

الاعتذار والشعور بالذنب

حاولت جاهدا مراقبة تلك المنصات و مشاهداتها كأي مواطن يعيش في هذا المجتمع ، لأجد نفسي عندما أسمع تلك الخطابات مستهدفا دون ذنب ، مهددا فقط لأني مسلم ، ومطالبا بالاعتذار أو الشعور بالذنب، وكأنَ الإسلام سبب أو تهمة وجب محاكمتك عليها ، خطابات كريهة وبعيدة كل البعد عن المهنية رغم صياغتها المحترفة إلا أنها تتم بشكل مؤثر له انعكاساته على النفسية الأوربية وزيادة الفجوة بيننا كشركاء في هذه الأمة ، هذه اللغة التي قد تحرض أحدهم على ارتكاب جرم تجاه آخرين استهدافا لمعتقداتهم تنافي القيم والقوانين الأوربية التي تحارب العنصرية والتمييز بمختلف أشكاله على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي ، إلا أنها تتسرب في خبث بين الأحداث بطريقة غير مهنية وغير مسؤولة.

وفي خضم أحدث فيينا ووسط تصريحات رسمية تطلق على الهجوم “إرهاب إسلامي” يكرم ثلاثة مواطنين مسلمين آخرين من قبل الشرطة النمساوية والقنصلية التركية في فيينا ، لبطولاتهم في إنقاذ أرواح مواطنين وأفراد من الشرطة أثناء الهجوم الجبان ، فتبحث عن الإعلام لتغطيته فتراه في صمت وتجاهل تام لأن ذلك بالتأكيد سيفسد لغة خطابهم المنحازة ضد الفئة المستهدفة ، فهم يبتعدون عن أي خطاب متوازن ينتج عنه أي تهدئة أو احتواء للأزمة ، وهذا ذكرني بأحداث إرهابية سابقة قتل فيها مسلمون وتم تجاهلهم بشكل متعمد ، لأن الهدف إبراز جاني محدد وضحية محددة، في تلاعب خبيث للأحداث وتأجيج للصراع.

تهديد المجتمع

هذا التهميش والاستهداف لا يقل خطورة عن أي أحداث كراهية وإسلاموفوبيا تستهدف أفرادا أو دور عبادة بل هو تحريض ودافع أساسي لمرتكبي تلك الجرائم ، وهؤلاء بخطاباتهم وإنحيازاتهم يهددون سلم المجتمع ، في تناقض واضح مع قيم الحرية والمبادئ الإنسانية للتعايش والحوار التي يصدرونها في خطاباتهم الخارجية التي تتناقض تماما مع خطاباتهم في الداخل ، وهذا يفسر بشكل كبير أسباب تنامي قوى يمينية متطرفة وصعودها السياسي في الانتخابات الأوربية في مختلف عواصمها ، مما دفع بعض السياسيين المحسوبين على اليسار لتبني نفس اللغة حفاظا على مواقعهم في الانتخابات المستقبلية ، في صورة مخيفة لما ننتظره في قادم الأيام.
أليس هذا إسلاموفوبيا ؟ أليست هذه جرائم كراهية؟ إلى متى سنظل الشماعة التي يعلقها البعض عندما يريدون تحقيق أجندة سياسية معينة أو تقديم خطاب شعبوي لحصد أصوات الناخبين أو سن تشريعات وقوانين تتناقض مع قيم وحريات هذه الأمة؟ هل سنشهد يوما تكون فيه الإسلاموفوبيا جريمة توجب المحاسبة كمعادة السامية؟

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه