لماذا يرفض ترمب مغادرة البيت الأبيض؟!

ماري ترمب، ابنة أخيه التي لا تكن له أي تقدير، قالت دون مواربة، إن عمها مرعوب من فكرة ترك البيت الأبيض، لأنه يعلم أنها ستكون بداية لمتاعب حقيقية قد تقوده إلى السجن

يمضي ترمب في طريقه الديكتاتوري الفظ، ضاربا  بكل النظم والقواعد المعمول بها في تسليم السلطة بشكل سلمي وديمقراطي كما هو متبع في الولايات المتحدة الأمريكية، عرض الحائط.
على غرار ديكتاتوريات البلاد المأزومة بحكام جهلة لا يعترفون بنتائج انتخابات، ولا يتركون الحكم إلا بالموت. مازال ترمب يناور ويحاور مدعيا فوزه بالانتخابات، ومتهما بعض الولايات بالتزوير رغم أن القضية حسمت لصالح بايدن وبات تفوقه غير قابل للشك،  بل أن جورج بوش الابن والرئيس الأسبق للولايات المتحدة وهو من الحزب الجمهوري نفسه هنأ بايدن بالفوز.
شيء غير معقول،  لم نألف مثله إطلاقا في الدول الديمقراطية، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية،  لكن النظام الديمقراطي فيها هو الأقوى والأرسخ،  وهو أقوى من الحاكم نفسه،  لهذا تبدو كل محاولات ترمب يائسة ولا قيمة لها،  لأنه لن يقدر على مخالفة الدستور الأمريكي بأي حال!
وفق الدستور الأمريكي يجب علي ترمب صاغرا مرغما أن يسلم الرئاسة والحقيبة النووية للرئيس المنتخب جو بايدن  في يوم 20 يناير القادم دون تأخير، وأي مخالفة لذلك ستعرضه للسجن.
إذن لماذا كل هذه المحاولات المستميتة من ترمب للبقاء في البيت الأبيض ؟
ماري ترمب، ابنة أخيه التي لا تكن له أي تقدير، قالت دون مواربة،  إن عمها مرعوب من فكرة ترك البيت الأبيض، لأنه يعلم أنها ستكون بداية لمتاعب حقيقية قد تقوده إلى السجن!!. وهو ما يطرح سؤالاً هنا ، هل هو فعلا مهدد بالسجن؟ ولماذا؟
هناك أكثر من 30 قضية تنتظره في المحاكم؟ الجميع بانتظار رفع الحصانة عنه ومغادرته البيت الأبيض طواعية أو إجبارا، وعندها لن يكون هناك مفر من الملاحقات القضائية، التي طالما تهرب منها بحكم موقعه رئيسَا للبلاد، وبقوة الحصانة التي كان يتمع بها.

قضايا بالجملة:

إن قضايا الاحتيال والتهرب الضريبي والرُِشى الجنسية، والاعتداء الجنسي. كلها الآن جاهزة وبانتظاره، ووفق جريدة نيويورك تايمز فإن اثني عشر من هذه التحقيقات ستكون من قبل الكونجرس، وعشرة على المستوى الفيدرالي، وثمانية على مستوى الولايات.
في العام الماضي حقق مكتب المدعي العام في مانهاتن عدة مرات في أمور تتعلق بالاحتيال المصرفي والتهرب الضريبي وتزوير الحسابات، وطالب بفحص الإقرارات الضريبية للرئيس ترمب من عام 2011 إلى عام 2018.
وكانت نيويورك تايمز قد فجرت فضيحة مدوية، عندما ذكرت أنها حصلت على وثائق ضريبية في نهاية سبتمبر أيلول الماضي تؤكد أن ترمب دفع 750 دولارًا فقط لاغير ضرائبَ على دخله العام الماضي.

ليس هذا فحسب بل إن المدعي العام أيضا في مانهاتن سيحقق مرة أخرى  في مبلغ 130 ألف دولار التي دفعها محامي ترمب مايكل كوهين السابق للنجمة الإباحية ستورمي دانيلز نظير صمتها عن العلاقة التي ربطت بينها وبين ترمب قبل انتخابات 2016، كذلك مبلغ 150 ألف دولار أخرى لعارضة أزياء بلاي بوي أوائل 2019 لنفس السبب، وهي مبالغ لم يتم التبليغ بها ضريبيا، وقد اعترف المحامي كوهين بأنه تم الترتيب مع ترمب لدفع هذه المبالغ مقابل أن تصمت النساء ولا يتحدثن عن علاقتهن بترمب.
ادعاءات التحرش الجنسي تنتظر أيضا ترمب في المحاكم فها هي سمر زيرفوس مشاركة سابقة في برنامج ترمب التلفزيوني اتهمت الرئيس في عام 2017 بالتحرش الجنسي بها.
هناك أيضًا دعوى قضائية رفعها مايكل كوهين المحامي السابق لترمب وموكله السابق يتهمه فيها بعدم دفع رسوم أتعاب له تبلغ قيمتها 2 مليون دولار . أيضا من بين القضايا التي تنتظر الرئيس المنتهية ولايته، مسألة إساءة استخدام السلطة في الملف الأوكراني ومحاولته  إجبار السلطات الأوكرانية على تقديم روايات مغلوطة عن منافسه جو بايدن.
سجل غير مشرف من القضايا الأخلاقية ينتظر الرجل حال خروجه من البيت الأبيض،  فهل يمكن لبايدن العفو عنه ؟ ، لا أحد يعتقد ذلك رغم أنه عرف معمول به في بعض الدول،  ففي وقت حل الأزمات يمكن أن تجري تسويات أثناء تسليم السلطة لرئيس جديد،  حتى يتم الانتقال بشكل سلمي وهادئ،  حدث هذا في روسيا سنة 2000 عندما حصل يلتسين على ضمانة عدم الملاحقة القضائية،  وتمتعه بمميزات الرئاسة باعتباره رئيسا سابقا لروسيا.
بالتأكيد لدى جو بايدن خيار العفو عن سلفه،  وبايدن نفسه دائما ما يطالب بتوحيد الصف الأمريكي بغض النظر عن الخلاف بين الحزبين،  لكن ربما  يعوق هذه التسوية هو ذلك الكم الهائل من التحقيقات والإدانات الموجهة لترمب والمقربين منه، وسيكون ذلك بالتأكيد خيارا صعبا .
ليس أمام ترمب الآن إلا الاعتراف بالهزيمة وتسليم السلطة بشكل سلمي،  فمن المؤكد أن مؤسسات الولايات المتحدة هي أقوى من أي رئيس، ولن تسمح لرئيس عابث أن يعبث بها على هذا النحو الذي نراه.

الدرس:

أهم درس في هذه الانتخابات التي تابعها العالم كله وأهم من ترمب نفسه ، هو أنها خلصت إلى نتيجة واحدة،  وهي أن الديمقراطية القوية،  والبناء السليم للمجتمع،  هو أكبر ضامن لسلامة الدولة والحاكم، وهي أقوى من أي فرد كان، ولن تسمح لرئيس عنصري ظالم متحرش بالبقاء يوما واحد بعد انتهاء ولايته،  فكفى ما سببه للعالم ولأمريكا من قرف، وعنصرية، وكراهية، وبغض.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه