اللاجئون.. وورقات النظام السوري الثلاث !

ما الذي دفع “بمحتل” سورية “بوتين” لهكذا دعوة؟ وكيف استجاب لها رأس النظام الذي فاخر يومًا أنّه صنع مجتمعًا منسجمًا (في إشارة لتهجير سبعة ملايين وقتل مليون)

 

في توقيت ملفت للنظر، حيث السباق الرئاسي الأمريكي الذي حُسم لبايدن منذ أيام، أو هكذا يبدو، تأتي دعوة بوتين لتنظيم مؤتمر لعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وليعلن إعلام النظام أن رأس النظام اتفق مع بوتين على ذلك، ثم تصرّح خارجية النظام أنّها ستدعو جميع الدول باستثناء تركيا للمؤتمر المزمع انعقاده في دمشق في 11- 12 من الشهر الجاري، علمًا بأن العدد الأكبر للاجئين السوريين في تركيا!

يبدو السؤال المحيّر، ما الذي دفع “بمحتل” سوريا “بوتين” لهكذا دعوة؟ وكيف استجاب لها رأس النظام الذي فاخر يومًا بأنّه صنع مجتمعًا منسجمًا (في إشارة لتهجير سبعة ملايين وقتل مليون) وقبل ذلك أعلن أن سوريا لمن يدافع عنها في إشارة لتوطين عشرات الآلاف من المليشيات الطائفية العابرة للحدود التي جاءت لتقاتل ثورة السوري وتمنع سقوط النظام!

لا يمكن فهم الأمور التي تجري في المنطقة بمعزل عن بعضها بعضًا، لاسيما أن اللاعبين على هذه الساحة هم أنفسهم اللاعبون على الساحة السورية بمعنى أدق هل ثمة رابط بين ما حصل بين هزيمة أرمينيا وانسحاب تركيا من نقاط لها داخل سوريا؟ وهل ثمة رابط بين تبريد الجبهة الليبية وما يتم ترتيبه الآن في سوريا؟ والسؤال الأهم ما مغزى توقيت بوتين في فترة تبدو فيه أن أمريكا مشغولة بانتخابات حُسمت ولم تحسم، وفي مرحلة ملء الفراغ الذي سيحدد ملامح الإدارة الأمريكية القادمة التي تضع في حسبانها على المستوى الخارجي – ككل إدارة قادمة – أمن إسرائيل أولاً وهذا يكون في الحج (للآيباك) قبل الوصول وبعد الوصول لإدارة البيت الأبيض في التعهد بالالتزامات تجاه إسرائيل!

جاءت روسيا بطلب أمريكي – كما فضح ذلك بن رودس- وكذلك إيران، وصنعت أمريكا بالتعاون مع إيران تنظيم الدولة، وأصبحت تلك الأمور من المسلمات، بمعنى أن أمريكا كانت طرفًا في الصراع، ولكن إلى جانب النظام السوري، والأهم أنّها أنقذته من فقدان الشرعية التي اسقطها الشعب السوري بوصفه مصدر السلطات، والتفت على “الشرعية الثورية” بإبقاء الاعتراف السياسي والقانوني للنظام رغم صناعة الائتلاف واعتراف 125 دولة أنّه ممثل عن الشعب السوري!

إعادة تأهيل النظام:

مهمة روسيا ليس القضاء على الثورة السورية فحسب، بل إعادة تأهيل النظام الطائفي، ولكي يتأتى لها ذلك لابدّ من إخضاع كامل الأرض السورية لسلطة النظام وفي الواقع لسلطتها وسلطة إيران وميلشياتها، ثم تأتي مليشيات النظام تحت مسمى الجيش السوري، ولهذا وضعت في حسبانها العمل على قتل الثوّار وليس الثورة ، فالثورة فكرة ، وقد تتعرض للتوقف والاضطراب ولكنها لا تهزم ، وبهذا المبدأ “قتل الثوار والسيطرة على الأرض بأي وسيلة” استخدمت كل أساليب البطش وارتكبت المجازر تلو المجازر ، وهي دولة غازية تدخل في الفصل السابع ، لكن كما ذكرنا إبقاء الشرعية “الدولية” لنظام سقط بالشرعية الثورية ، هو من سهّل لروسيا وسواها ذلك

إن سيطرة روسيا على الأرض السورية، تعني فرض أمر واقع، ولهذا ذهبت لصناعة ما يسمى الدستور السوري، وصنعت عدة مؤتمرات تخالف ما اتفق عليه في مؤتمر جنيف 1 ومخرجاته التي أصبحت المرجعية في حل القضية السورية.

وما مؤتمر اللاجئين إلاّ جزء من أعادة تأهيل النظام وصك براءة له من كل جرائمه ، وهو يأتي في وقت تتصاعد فيه نبرة العداء للإسلام وللاجئين في أوربا فضلاً عن عمليات إرهابية تُنسب للمسلمين هناك ، مما يؤكد أنّ ثمة ارتباطًا بكل ما يحصل ، وأن ثمة جهة مخابراتية دولية تدير اللعبة كاملة ! حيث إن أي توافق دولي على إعادة اللاجئين يعني ببساطة أنّ المهجّرين لم يخرجوا لعداء مع النظام أو ثورة عليه بل مع من قاتلوا النظام، وعودة اللاجئين تعني إعادة إعمار تتكفل به الدول الثرية ، وكذلك القفز على قضية المعتقلين ” يقدر عددهم بنصف مليون” ومن صُفي منهم وهم عشرات الآلاف كما بينت تسريبات قيصر ، وكلها جرائم ضد الإنسانية، والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم .

ثمة من يقف أمام الثورة السورية بوصفها الوحيدة المستمرة من ثورات العالم العربي، وهي الوحيدة التي أهملها العالم وتعامل مع دماء الشعب السوري كأنها في كوكب آخر! في الواقع لا يمكن فهم الحالة السوريا إلاّ من خلال فهم دور وطبيعة النظام الطائفي في سوريا كذلك الواقع الجيوسياسي المهم لسورية، ولكن لابدّ من إيضاح وسائل النظام في التعامل مع الثورة السورية، حيث استخدم – أو من يشغلّه ويحميه – ثلاث ورقات، الورقة المحلية، والورقة الدولية، والورقة الإقليمية وهي جاءت بالترتيب كما ذكرنا.

فعلى الصعيد المحلي، خوّف النظام “الأقلوي” الأقليات من الأكثرية – يشكل السنة في سوريا 86 في المئة – وقد نجح في ذلك سواء باستقطاب الأقليات أو تحييد من هو ضد النظام، وقد صنّع شعارًا نسبه للثورة في بدايتها “العلوي على التابوت، والمسيحي على بيروت” وقدّم أهل الثورة بأنّهم يسعون لتأسيس إمارات إسلامية تسبيح سواهم من المخالفين.

وعلى الصعيد الدولي، استخدم ورقة الإرهاب باستخدام “داعش” وهو البارع في استخدام “المتطرفين” كما حصل في غزو أمريكا للعراق، حيث ساهم بصناعة القاعدة هناك، لتصدق رواية أمريكا أنّها في العراق لتحارب القاعدة! ومن يعد لتسريبات إيميل هيلاري كلينتون، يعلم كيف تم تصنيع داعش، فتمّ تسهيل دخول تلك الجماعات لسوريا وظهور الغول الذي سيستدعي العالم أجمع لقتاله، فتشكّل أكبر حلف في التاريخ لحرب “داعش” التي دعشت الثورة السورية، واحتلت المحرر وقتلت قادة الجيش الحر، وهجّرت “السنة” وتم حربها على أساس حماية الأقليات التي تستهدفها داعش!

ورقة الأكراد:

وعلى الصعيد الإقليمي ، استخدم ورقة الأكراد، وهي موجهة ضد تركيا ، حيث اغتال مشعل تمو ليمنع تجمع الأكراد حول شخصية وطنية ، وفضّل التعامل مع الفصيل الذي تربّى في حجره ” حزب العمال الكردستاني” وتخفى تحت أسماء مختلفة كاليبدا وسواها ، وصولاً إلى ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية ” قسد” وهو مشروع انفصالي يتبع تنظيم “البككا” المصنّف إرهابيًا ، وهو يسعى لفدرلة سوريا في حال فشل السيطرة على الجنوب التركي لإقامة دولة كردية ، وقد تعاونت معه أمريكا في حرب داعش ، وهو فضلا عن ذلك مكلّف بحماية آبار النفط ، أمّا المهمة الرئيسة فهي الضغط على تركيا ، والتحرّش بها ، واستنزافها في الداخل السوري ، ولعل خوف الأتراك من الذهاب بعيدًا في حرب قسد حتى لا تحسب دولة غازية تدخل تحت الفصل السابع ، ولهذا فهي تناور ضمن اتفاقية أضنه 1998 مع النظام السوري ، والسعي لإقامة منطقة آمنة “لها” أولاً تمنع تواصل قسد مع الجنوب التركي ، هذه الورقة جعلت الأتراك في تردد دائم من حيث الإصرار على إسقاط النظام ، وصولا إلى التفكير باستخدام القوة العسكرية عام 2014 كما ذكر ذلك د. أحمد داوود أوغلو .

الورقة الأخيرة تبدو أنّها حققت الكثير للنظام لاسيما أن روسيا قد قبلت بهزيمة أرمينيا، وانفتاح العمق الاستراتيجي التركي أمام تركيا للوصول إلى “الدول التركية الست” وهذا يعني أن ثمة تفاهمات قد تمّت بين “أنقرة موسكو” بخصوص سوريا ومنها كما يبدو أن المنطقة الآمنة لم تعد مهمة كما تطالب بها تركيا أمام تعهد بعودة اللاجئين ، كذلك أن توافق أنقرة على السماح لرأس النظام بالترشح لولاية أخرى في 2021 بحسب الدستور الذي فصّله على مقاسه 2012 ، ولعل الأتراك يوافقون على ذلك مقابل أن يشارك السوريون بذلك بإشراف الأمم المتحدة ، وأمام المسرحيات الفجّة التي ظهر من خلالها سوريون يقدمون أنفسهم مرشحين للرئاسة في عروض فكاهية، ومع غياب أي شخصية يلتف حولها السوريون – بقطع النظر أن ترشح بشار هو موافقة دولية على جرائمه – يبدو أن الطريق مفتوح أمام من قتل وهجّر ودمّر سوريا ليكون رئيسًا بمباركة دولية ، ويشرف على إعادة الإعمار ، ويكافئ على تلك الجرائم، في وقت يبدو فيه صاحب القضية الأول – الشعب السوري – مغيبًا عن الرأي وقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بوسم سوري : العودة تبدأ برحيل الأسد  .

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه