انتصار أكتوبر وانتصار السيسي

ليس مقبولا تطاول البعض من بني جلدتنا على ذاك النصر اليتيم، وترديد مقولات العدو الذي تلقى أول هزيمة زلزلته بحق في أكتوبر 1973.

 

لم يسلم انتصار السادس من أكتوبر 1973 من التشويه قديما وحديثا، دعك من تشويه العدو الصهيوني للانتصار في حينه، والادعاء بتحوله هزيمة بعد تسلل قوات إسرائيلية إلى منطقة الدفرسوار غرب القناة بعد أسبوع من بدء الحرب، ودعك من استمرار هذا العدو في التشويه في الذكرى السابعة والأربعين للنصر عن طريق نشر صور جديدة تبدو مهينة للعسكرية المصرية، (صور أسرى وحالات استسلام في بعض المواقع) فقد كان بإمكان القوات المسلحة المصرية تسجيل العشرات من هذه المناظر لأسرى أو قتلى إسرائيليين، لكن استبعاد القيادة العسكرية لاصطحاب مصورين صحفيين بدوافع الحفاظ على سرية التحركات والاستعدادات حرمها، وحرمنا جميعا من هذه الصور التي كانت لتصبح أبلغ رد على الدعاية الصهيونية المضادة.
 ودعك أيضا من التشويه الذي طال رئيس أركان النصر الفريق سعد الدين الشاذلي بسبب موقفه من التعامل مع التسلل الإسرائيلي في ثغرة الدفرسوار، وقد وصل هذا التشويه إلى حذف الشاذلي من الصورة التذكارية لقادة الحرب والموجودة في بانوراما أكتوبر بشارع صلاح سالم، وكذا تشويه سمعة الرجل وملاحقته بقضايا وهمية أدخلته السجن لبعض الوقت قبل الإفراج عنه، ولكن دعونا نواجه التشويه الحديث لذلك النصر واعتباره انتصارا للسيسي الذي كان طالبا أثناء الحرب، والذي لم يخض حربا في حياته سوى الحرب ضد الشعب المصري، وما أبأسها من حرب، فقد قتل في 6 أكتوبر عام 2013 أكثر من 50 مصريا بخلاف حوالي 400 مصاب، وقد شاهدنا مؤخرا ملصقات، وأغلفة لمجلات صحفية تنشر صورة السيسي بجوار صورة السادات باعتبارهما صاحبي النصر!!!

النصر الوحيد:

انتصار أكتوبر هو النصر المصري الوحيد في العصر الحديث، حيث سبقه العديد من الهزائم في حرب 1948، و1956، و1967( للتوضيح لم ينتصر الجيش في حرب 1956 حيث احتلت إسرائيل كامل سيناء، ودخلت القوات الفرنسية والبريطانية إلى بورسعيد، ولكن تدخلا وإنذارا سوفيتيا أمريكا لثلاثي العدوان أجبرهم على الانسحاب فكان نصرا سياسيا وليس عسكريا)، ولذلك فإن واجب الدفاع عن نصر أكتوبر هو مسؤولية كل المصريين، وليس فقط الجيش المصري، بل إن مسؤولية القوى الوطنية تظل هي الأكبر لأنها الأمينة على مكاسب الوطن ومفاخره، على العكس ممن باعوا وفرطوا في الأرض والسيادة حتى وإن انتسبوا للقوات المسلحة.

لن ينسى جيلنا لحظات الحرب ولحظات النصر، رغم حداثة السن في ذلك الوقت، ومن واجب هذا الجيل أن ينقل تلك الصور والمشاعر للجيل الحالي الذي لا يكاد يعرف شيئا عن حرب أكتوبر، سوى أنه يوم عطلة رسمية، ومؤخرا صار يوما للرقص والنفاق لمن خان دماء شهداء أكتوبر وفرط في جزيرتين كانتا سببا لحرب 1967، وكانتا هدفا لحرب 1973 وكانتا سببا في إراقة دماء أكثر من عشرة ألاف مقاتل مصري، وهما تيران وصنافير.

النكسة:

لقد غسل نصر أكتوبر عار هزيمة 1967 الثقيلة، والتي وصفها الإعلام الرسمي بالنكسة تخفيفا من وطأتها، لكنها كانت هزيمة مروعة بكل المقاييس، فقدت مصر فيها كل طائراتها ومطاراتها العسكرية في سيناء، وقتل فيها عشرة آلاف مقاتل، وظل الطيران الإسرائيلي وقوات المشاة الإسرائيلية تلاحق قواتنا المنسحبة من سيناء حتى قناة السويس، تمطرها بزخات الرصاص والقنابل، بل كانت الذخائر المصاحبة لقواتنا خلال انسحابها تنفجر في وجوه الجنود والضباط بفعل الضربات الإسرائيلية، وكانت طوابير الأسرى من قواتنا بالمئات، وحتى حين أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بوقف القتال نتيجة تدخل الاتحاد السوفيتي فإن إسرائيل رفضت تنفيذ القرار، وظلت تواصل اعتداءاتها بعد صدور القرار.

في حرب 1973 كان هناك تصميم على النصر وغسل عار الهزيمة، فكان التخطيط الجيد، والكتمان للخطط الحربية والتمويه على العدو حتى ساعة الصفر، والشحن المعنوي والإيماني، والقارئ للتاريخ العسكري سيكتشف ملاحم بطولية لقواتنا المسلحة على خطوط القتال لم يوقفها إلا التدخل السياسي الغاشم بتطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر بهدف تخفيف الضغط على الجبهة السورية، وقد كان ذلك الهجوم  خارج التغطية الدفاعية للصواريخ والمدفعية المصرية التي يقتصر مداها على 12 كيلو مترا فقط، وقد كشفت إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية عن تلقيها معلومات من عميل مصري لم تكشف اسمه عن تطوير الهجوم شرقا ما جعلها مستعدة له، وما مكنها من استغلال ثغرة بين الجيشين الثاني والثالث عند منطقة الدفرسوار نفذ منها الجنرال شارون ورجاله إلى الغرب وحاصر الجيش الثالث.

التطاول على النصر:

ليس مقبولا تطاول البعض من بني جلدتنا على ذاك النصر اليتيم، وترديد مقولات العدو الذي تلقى  أول هزيمة زلزلته بحق في أكتوبر 1973 ولم يخفف من وطأتها عليه تمكنه من العبور إلى البر الغربي وحصار الجيش الثالث الميداني لعدة أسابيع، ذلك لأن الجيش الإسرائيلي كان قد بلغ به الغرور مبلغا عظيما، حتى وصفته الدعاية الصهيونية بالجيش الذي لا يقهر، ومن ثم كان صادما جدا له وللإسرائيليين عموما هزيمته الأولى بتلك السرعة في أقل من ست ساعات، وقد شكل لجنة أجرينات لدراسة أسباب تلك الهزيمة، وعلى كل حال فقد كانت المحصلة النهائية للحرب هي عبور للمجرى الملاحي لقناة السويس رغم كل العوائق الطبيعية والصناعية، وتحرير مساحات واسعة من الأرض المصرية شرق القناة بعمق 12-15 كيلو مترا، وتحطيم خط بارليف المنيع وهو ثاني خط دفاعي عالمي بعد خط ماجينو الفرنسي، وقد أسهم كل ذلك في إيجاد وضع تفاوضي جيد للمفاوض المصري تمكن بموجبه في النهاية من تحرير كامل أرض سيناء حتى وإن خلت أجزاء كبيرة منها من وجود قوات قتالية مصرية.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه