الأزهر حين يتحرر وحين يقع تحت حكم العسكر

 

مع قراءة بيان الأزهر بشأن مظاهرات الشعب المصري ضد هدم بيوته ومساجده، وما تضمنه هذا البيان من عار لا يليق بالأزهر ولا بشيخه؛ حيث وصف هذه المظاهرات تخريبا ونشرا للفوضى وتعطيلا للنظام العام، وإيقافا لعجلة التنمية والاستثمار، وما ينجزه “السيسي” دليل على أن مصر في الاتجاه الصحيح الذي سيؤتي ثماره في القريب العاجل على كل الأصعدة، وأن الشعب يجب أن يقف خلف وطنه وقيادته؛ ليفوت الفرصة على من يخططون لزعزعة الاستقرار، وفي السياق نفسه صدر بيان “وزير الأوقاف” مختار جمعة ليقرر أن هذه المظاهرات خيانة وطنية تستوجب حد الحرابة لأن هذه المظاهرات هي نيل من أمن المجتمع وأهله الآمنين!.

أقول مع قراءة بيان الأزهر خاصة تذكرت البيان “الفتوى” التاريخية التي أصدرها الأزهر في 30 من أكتوبر/تشرين الأول 2011م الموافق 3 من ذي الحجة 1432هـ بعنوان “جواز عزل الأنظمة الظالمة”؛ حيث أصدرته هيئة كبار العلماء في ذلك الوقت ووقع عليه شيخ الأزهر أحمد الطيب، أجازوا فيها عزل الحاكم المستبد الظالم، إذا تحققت القدرة على ذلك، وانتفى احتمال الضرر والإضرار بسلامة الأمة ومجتمعاتها .. وتكونت الفتوى أو البيان من ديباجة وستة أصول أو بنود وخاتمة:

محتويات البيان

أما المقدمة فقد جاء فيها أسباب إصدار الأزهر ومجموعة المثقفين هذه الفتوى، وأهمها: إدراك الأزهر لدوره وطبيعة مواقفه، والحرص على المصالح العليا للأمة، وإرساء معالم العدالة والحقوق لجميع الشعوب على أساس من أصول الشريعة ومبادئها، وسَدُّ الطريق أمام السُّلطة الجائرة التي تحرم المجتمع العربي والإسلامي من دخول عصر التّألُّق الحضاري، والتقدم المعرفي، والإسهام في تحقيق الرخاء الاقتصادي والنّهضة الشاملة.

وأما الأصول الستة للبيان فكانت على النحو الآتي:

الأصل الأول: تحدث عن أن العلاقة بين الحاكم والمحكومين تستمد شرعيتها من رضا الشعوب، واختيارها لحاكمها عبر الاقتراع الحر المباشر، الذي يترتب عليه المراقبة والمساءلة والمحاسبة، وإذا كان بعض الفقهاء أجاز الصبر على الحاكم المتغلب حرصًا على سلامة الأمة من الفوضى والهرْج والمرْج – فقد أجاز في الوقت نفسه عزل المستبد الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك، وانتفى احتمال الضرر والإضرار بسلامة الأمة ومجتمعاتها.

والأصل الثاني: أن المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بالحقوق العادلة مثل الحرية والكرامة وحقوق الإنسان لا يعتبرون بغاة، إنما البغاة هم أصحاب الشوكة الذين يخرجون بأسلحتهم على الإمام الحق بغير حق.

والأصل الثالث: مواجهة الاحتجاجات السلمية بالعنف والقتل من قبل الأنظمة والاستهانة بإراقة الدماء يسقط شرعية تلك الأنظمة، فإذا تمادت في عنفها ضد الشعوب المسالمة أصبح من حق الشعوب عزلها ومحاسبتها، وعلى الجيوش أن تقوم بواجبها في حماية الشعب.

والأصل الرابع: على القوى الثورية أن تحرص على سلمية التحركات، وألا تستقوي بالخارج على الداخل، وإلا أصبحت من البغاة الذين يجب على السلطة ردهم إلى الصف الوطني، كما أن على هذه القوى أن تتحد فيما بينها، وتنسى النزعات الطائفية والعرقية؛ تحقيقًا لحلمها في العدالة والحرية.

والأصل الخامس: مناصرة لحق الشعوب في السعي نحو الحرية والعدالة، ورفع الظلم الواقع عليها من أنظمتها الظالمة، وإدانة آلات القمع والطرق الوحشية التي تواجه بها الأنظمة شعوبها، ودعوة العالم الإسلامي للمبادرة إلى نصرة هذه الشعوب؛ تحقيقًا لارتكاب أقل قدر من الخسائر، وتعزيزًا لحق الشعوب في اختيار حاكمها وعزله إن لزم الأمر.

والأصل السادس: دعوة الأنظمة الحاكمة إلى سرعة الإصلاح السياسي الشامل، وإلا فصحوة الشعوب قادمة لا محالة، وعلى هذه الأنظمة الأخذ بأسباب التقدم العلمي والتكنولوجي، واستثمار الطاقات البشرية لدى شعوبها.

وحذر البيان في الخاتمة رعاة الظلم والاستبداد أنهم ليسوا بمنجاة من غضب الشعوب ولعنة التاريخ، وكفاهم تشويهًا لمعالم الدين ودعوة لتأييد الظلم والاستبداد؛ لأن هذا عبث لا طائل من ورائه.

أهمية البيان أو الفتوى

تمثل هذه الفتوى قيمة كبيرة في تاريخ الأزهر، وتشير – بشكل قاطع – إلى أن الأزهر استعاد إدراكه بدوره وواجبه نحو قضايا أمته، وأنه أصبح – أو يريد أن يصبح – رائد الأمة وحاديها على درب قضاياها وإشكالاتها الكبرى، وأنه صار يصدع بالحق، ويقول الصدق لا يخشى فيه أحدًا.

وما من شك أن مناخ الربيع العربي الذي ساد منطقتنا، وفي القلب منه مصر، هو الذي هيأ الأجواء، ومهد السبيل، ووطأ الأرض لاستقبال وتسطير مثل هذا البيان أو تلك الفتوى؛ فلولا أجواء الحرية التي تمتعت بها مصر لما استطاع الأزهر أن يصدر مثل هذا البيان.

ومن الأهمية البالغة لهذا البيان تحدث عنه الكتاب والمفكرون والعلماء، وثمنوه، وقدروه حق قدره، ونكتفي هنا بشهادة اثنين من كبار علماء الأمة، وهما: شيخنا العلامة الشيخ يوسف القرضاوي الذي أصدر بيانا خاصا يثمن فيه بيان الأزهر ويثني عليه، وأستاذنا العلامة الدكتور أحمد الريسوني الذي أسمى هذا البيان “فتوى العصر” في حلقة برنامج “الشريعة والحياة” بتاريخ 13/11/2011م على قناة الجزيرة الفضائية، ودعا الكتاب والمفكرين والإعلاميين إلى الاهتمام به وتسليط الأضواء عليه.

معالم شرعية وحقائق علمية للبيان أو الفتوى

من خلال التأمل في هذا البيان التاريخي يمكن أن نضع أيدينا على معالم شرعية وحقائق علمية جاءت في مضمون البيان، ومن ذلك أنه:

أولًا: أدرك السنن الجارية:

من أهم ما جاء في البيان الفتوى أنه حوى إدراكًا واضحًا للسنن الجارية التي أقام الله عليها الكون والحياة، والتي لا تتغير ولا تتبدل ولا تتحول ولا تحابي أحدًا، وفي هذا حمل للحكام والأنظمة الظالمة على الاستجابة؛ لأن سنن الله مطردة ومستمرة، ومن ذلك أنه طالب الشعوب أن تسرع في الإصلاح الشامل، معللا ذلك بقوله: “فصَحْوَةُ الشّعوب المضطهدة قادمة لا محالةَ، وليس بوسع حاكمٍ الآنَ أن يحجبَ عن شعبه شمس الحريّة” ..

وقال: “ولا يحسبنّ أحدٌ من رعاة الاستبداد والطغيان أنه بمنجاةٍ مِن مصير الظالمين، أو أن بوُسْعِهِ تضليلَ الشعوب؛ فعصرُ الاتصالات المفتوحة والانفجارِ المعرفي، وسيادةِ المبادئ الدينية والحضارية النَّيِّرَةِ، ونماذج التّضحية والنِّضال المشهودة عيانًا في دنيا العرب”.

ومنه: “ولْيكفّ الجاهلون بالدِّين، والمشوِّهون لتعاليم الإسلام، والدّاعون لتأييد الطغيان والظلم والاستبداد عن هذا العبث الذي لا طائل وراءه .. “وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ “{12/21}”.

هذا الإدراك السنني يعزز من قيمة البيان، ويعلي من قدره؛ لأن الاحتكام إلى سنن الله تعالى، في الأقوال والأفعال والفتاوى والبيانات، يعطيها صفة الخلود والقوة، ويقترب بها من حدود العصمة.

ثانيًا: أدرك الواقع الأليم:

ومن الحقائق العلمية في هذا البيان التاريخي أنه مدرك لواقع الأمة الأليم من تخلف حضاري، وتحلل أخلاقي، وفساد اجتماعي، واستبداد سياسي، قال: “ومِن العار أن تظلَّ المنطقة العربية وبعض الدول الإسلامية قابعة دون سائر بلاد العالم في دائرة التّخلُّف والقَهْر والطُّغيان، وأن يُنسَبَ ذلك – ظُلمًا وزورًا – إلى الإسلام وثقافته البريئة من هذا البُهتان”.

ومنه إدراك الصحوة الإعلامية والمعلوماتية والاتصالاتية التي أصبح العالم يتمتع بها؛ مما يجعل كذب الأنظمة معروفًا، وما يخفونه ويسترونه مكشوفًا مفضوحًا، قال في خاتمته: “هذا، ولا يحسبنّ أحدٌ من رعاة الاستبداد والطغيان أنه بمنجاةٍ مِن مصير الظالمين، أو أن بوُسْعِهِ تضليلَ الشعوب؛ فعصرُ الاتصالات المفتوحة والانفجارِ المعرفي، وسيادةِ المبادئ الدينية والحضارية النَّيِّرَةِ، ونماذج التّضحية والنِّضال المشهودة عيانًا في دنيا العرب، كلُّ ذلك جعل من صّحوَة الناس شعلة مُتوهِّجَة، ومن الحرية راية مرفوعة، ومن أمَلَ الشّعوب المقهورة باعثًا يحدوها للنِّضال المستميت حتى النّصر”.

ثالثًا: بين أحكاما شرعية ومواقفَ عملية:

احتوى البيان على بيان عدد من الأحكام الشرعية، أهمها: اعتماد شرعية الأنظمة على رضا الشعوب، من خلال اقتراع علني شفاف، “فشرعيّةُ أيّة سُلطةٍ مرهونةٌ بإرادة الشّعب، وحقّ المعارضة الوطنيّة السّلمية غير المسلحة مكفولٌ في التّشريع الإسلامي في وجوب رفع الضّرَر، فضلًا عن كونه من صميم حقوق الإنسان في المواثيق الدّولية جميعًا” .. كما قرر أن استخدام الأنظمة لأساليب العنف والقتل يسقط شرعية السلطة: “تُعَدُّ مواجهة أيّ احتجاج وطني سِلميّ بالقوّة والعُنفِ المسلَّح، وإراقة دماء المواطنين المسالمين، نقضًا لميثاق الحكْم بين الأمّة وحكّامها، ويُسقِطُ شرعيّةَ السُّلطة، ويهدر حقَّها في الاستمرار بالتَّراضِي، فإذا تمادتِ السُّلطةُ في طُغيانها، وركبت مركب الظلم والبغي والعدوان، واستهانت بإراقة دِماء المواطنينَ الأبرياء؛ حِفاظًا على بقائها غير المشروع – وعلى الرغم من إرادة شعوبها – أصبحت السلطة مدانة بجرائم تُلَوِّثُ صفحاتها، وأصبح من حق الشعوب المقهورة أن تعمل على عزل الحكام المتسلطين، وعلى محاسبتهم، بل تغيير النِّظام بأكمله، مهما كانت المعاذير من حرص على الاستقرار أو مواجهة الفِتَنِ والمؤامرات” .. كما أعلن مناصرته لإرادة الشعوب: “علماء الأزهر وقادة الفكر والثقافة يُعلنونَ مناصرتهم التّامة لإرادة الشعوب العربية في التجديد والإصلاح ومجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية، والتي انتصرت في تونس ومصر وليبيا، ولا تزال محتدمة في سوريا واليمن، ويدينون آلات القمع الوحشية التي تُحاول إطفاء جذوتها”.

رابعًا: تضمن ضوابط وشروطا لحركات الثوة:

ولكي يكون العمل منضبطًا وفاعلًا وراشدًا، لابد من رعاية شروطه وضوابطه الشرعية، وقد جاء في البيان عدد من الشروط والضوابط، منها: “يَتعيَّنُ على قوى الثورة والتّجديد والإصلاح أن تبتعد كليًّا عن كل ما يؤدي إلى إراقة الدماء، وعن الاستقواء بالقوى الخارجية أيًّا كان مصدرها، ومهما كانت الذرائع والتعلات التي تتدخل بها في شئون دولهم وأوطانهم، وإلا كانوا بغاة خارجين على أمتهم وعلى شرعية دولهم. ووجب على السلطة – حينئذ – أن تردهم إلى وحدة الصف الوطني، الذي هو أول الفرائض وأوجب الواجبات”.

ومنها: “التّوافُق والانسجام الوطني، ويهدف لبناء المستقبل على أساسٍ من المساواة والعدل، وبحيث لا تتحوَّلُ الثّورة إلى مغانم طائفية أو مذهبية، أو إثارة للحساسيات الدّينية”.

وغير ذلك مما يرشد حركة الشعوب، ويضفي على ثوراتها الشرعية والدستورية، وهذا يصب – مباشرة – في إقامة مطالبها وتحقيق مقاصدها.

خامسًا: رد على شبهات:

كما احتوت الفتوى على إيراد عدد من الشبهات والرد عليها، ومن ذلك وجوب طاعة الحكام وحرمة الخروج عليهم، استنادًا للآية القرآنية: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ ﴾   [النساء:59]، قالت الفتوى: ” وقد دَرَجَ كثيرٌ من الحكّام على تعزيز سلطتهم المطلقة، مُتشبِّثينَ بفهم مبتور للآية القرآنية الكريمة، متجاهلين سِيَاقَها الواضح الصريح في قوله تعالى قبل ذلك فى الآية التي تسبق هذه الآية مباشرة: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُوا۟ بِٱلۡعَدۡلِۚ﴾  [النساء:58]؛ ممّا يجعل الإخلال بشروط أمانة الحكْم، وعَدَم إقامة العدل فيه مُسَوِّغًا شرعيًّا لمطالبة الشعوب حكامهم بإقامة العدل، ومقاومة الظلم والاستبداد، ومن قال من فقهائنا بوجوب الصبر على المتغلب المستبد من الحكام؛ حرصًا على سلامة الأمة من الفوضى والهرْج والمرْج – فقد أجاز في الوقت نفسه عزل المستبد الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك، وانتفى احتمال الضرر والإضرار بسلامة الأمة ومجتمعاتها”.

ومن ذلك نفي أن تكون حركات الثورة والمعارضة من البغاة، قالت الفتوى إنهم “لا يُعَدُّون من قَبيل البُغاة أبَدًا، وإنّما البُغاة هم الّذين تحدَّدت أوصافُهم فِقهيًّا بامتلاك الشَّوكة والانعزال عن الأمَّة، ورَفع الأسلحة في مواجهة مخالفيهم، والإفساد في الأرض بالقُوّة، أمّا الحركات الوطنية السِّلميّة المعارضة، فهي من صميم حقوق الإنسان في الإسلام، التي أكّدتها سائر المواثيق الدّوليّة؛ بل هي واجب المواطنين لإصلاح مجتمعهم وتقويم حُكّامهم، والاستجابة لها واجبٌ على الحكّام وأهل السُّلطة، دونَ مُراوغةٍ أو عنادٍ”.

وبهذا تكون الفتوى أو البيان جمعت بين تبليغ الدعوة وإقامة الحجة ودفع الشبهة، وهو البلاغ الإسلامي الدعوي المتكامل.

سادسًا: احتوى على بيان مطالب وواجبات أطراف المشهد:

ومن المعالم المهمة التي احتوت عليها الفتوى مطالب من جهات عدة، وبيان واجبات على جهات كثيرة، من شأنها أن تضع النقاط على الحروف؛ لاستيعاب المشهد، وبيان ما يجب على كل جهة من الجهات.

ومن هذا ما بينه البيان من واجبات على الجيوش نحو شعوبها، وهو حماية الأوطان من الخارج، ولا تتحوّل إلى أدواتٍ للقمع وإرهاب المواطنين وسفك دمائهم. ومنه ما بينه من واجبات على قوى الثورة من الوحدة وتفادي النزاعات الطائفية والعرقية، وحفظ النسيج المجتمعي. ومنه بيانه لواجبات المجتمع العربي والإسلامي والدولي، فقال: “ويُهيبونَ – أي كاتبو البيان الفتوى – بالمجتمع العربي والإسلامي أن يتّخذ مبادرات حاسمةً وفعّالة لتأمين نجاحها بأقلِّ قَدْرٍ من الخسائر؛ تأكيدًا لحقِّ الشُعوب المطلق في اختيار الحُكّام، وواجبِها في تقويمهم؛ مَنعًا للطُّغيان والفساد والاستغلال. ومن ذلك مطالبته الأنظمة الحاكمة بالقيام بواجباتها في تحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي والدستوري طَوْعًا، والبَدْء في خَطَوات التّحوُّل الدِّيمقراطي وأن تشرع على الفَوْر في الأخذ بأسباب النّهضة العلمية والتّقدُّم التكنولوجي والإنتاج المعرفي، واستثمار طاقاتها البشريّة وثرواتها الطبيعية؛ خِدمةً لمواطنيها، وتحقيقًا لسعادة البشرية كلِّها”.

كما وجه نداء للمرجفين وأصحاب الطابور الخامس أن يكفوا عما يقومون به من تشويه لتعاليم الإسلام، ودعوة لتأييد الطغيان والظلم والاستبداد عن هذا العبث الذي لا طائل وراءه.

وبهذا يكون البيان قد استوعب جهات المشهد، وجوانبه المختلفة، وبين ما يجب على كل جهة من واجبات، وما لها من حقوق، وهذا يقترب بالبيان أو الفتوى من حدود الحكمة، ويبين الأحكام الشرعية الواجبة على كل جهة.

***

إن التأمل في هذا البيان، وسبر أغواره، واستكناه حقائقه ومضمونه، ليوحي بدلالات كبيرة وعظيمة ومهمة في السياق الذي كانت تحياه الأمة في ذلك الوقت، وإذا قارننا هذا البيان الفتوى التاريخية بالبيان الذي صدر عن الأزهر ضد مظاهرات المصريين احتجاجا على هدم بيوتهم ومساجدهم لأدركنا بيقين أن الأزهر يختلف تماما حين يتحرر عن حالته حين يقع تحت قبضة العسكر، وهذا ليس عذرًا للأزهر ولا لشيخه الذي يجب أن يكون حرا متحررا، محققا مقاصد الشرع ومراعيا مصالح الناس.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه