الاحتلال الروسي لسوريا..البطريرك وليس بوتين!

المفاجأة ليست بتصريح وزير خارجيتها أنّ موسكو لن تسمح للسُنة بحكم سورية، ولكن بتصريح بطريرك موسكو الذي قال إنه من أنقذ بشار الأسد وليس بوتين

 

لم يكن مفاجئًا أن تعلن روسيا دخولها العلني لمقاتلة الثورة السورية بتاريخ 29 سبتمبر 2015 فمن يعرف دور ومكانة النظام السوري إقليمًيا وعربيًا ودوليًا، يوقن أنّ العالم أجمع أو لنقل القوى الكبرى في العالم ستأتي بقواتها للحفاظ على هذا النظام أو تمزيق سورية “الدولة” وتحويلها لدولة مقسّمة اجتماعيًا في كانتونات عرقية وطائفية لا وزن لها، ولا تشكّل خطرًا على إسرائيل، لكن المفاجأة بمن سمح للروس بالتدخل العسكري ومن موّل حملتهم من المحسوبين على أصدقاء الشعب السوري!

ربما أن العلاقة المتميزة بين “موسكو دمشق” منذ زمن حافظ الأسد، التي تكللت باتفاقية الصداقة السوفيتية السورية 1980، والقاعدة الروسية في طرطوس، قد تبدو أنها تشكّل دافعًا لموسكو أن تتدخل عسكريًا للحفاظ على مصالحها، ولكن كل هذه التي ذكرناها لا تقود روسيا للتدخل العسكري في سورية.

فقد سبق لروسيا أن تخلّت عن صربيا التي ترتبط بها بعلاقات عرقية ومذهبية، والعراق وهو أثرى من سورية، وكذلك ليبيا، فلماذا رفضت التخلي عن النظام السوري، ووصل الأمر بها للتدخل العسكري بعد أن عطّلت مجلس الأمن باستخدام حق النقض “الفيتو” ضد أي قرار يصبّ في مصلحة الثورة السورية؟

حين قامت الثورة السورية، ظنّ السوريون أنهم قاموا ضد نظام محلي مستبد، ولكنهم لم يدروا أنهم في مواجهة نظام يعد حجر الزاوية في البناء الرسمي العربي، والبناء الإقليمي، وله أهمية خاصة في النظام العالمي، وتغيير هذا النظام لن تتوقف مفاعيله عند سورية!

ولعل الثورات العربية بعمومها هددت بانهيار النظام الرسمي العربي، ولذلك فقد سارعت أنظمة عربية لدعم الثورات المضادة ، والتدخل في دول الثورات وتحويل ما اصطلح عليه ” الربيع العربي” إلى خريف أو شتاء قاس، وبدلا من أن تكون تلك البلاد والشعوب أنموذجًا يحتذى لبقية الشعوب العربية، أصبحت مثالاً للبؤس والفقر والحرمان وسفك الدماء، والهجرة إلى حيث المجهول.

هذا النظام – الرسمي العربي – الذي جاء بعد تفكك الدولة العثمانية، وتشكّل الدولة الوطنية في العالم العربي على يد محتليها، حيث انتهى الاحتلال الخارجي باحتلال داخلي أسوأ منه، وبات “الاستقلال” أكبر كذبة “يطلب من المواطن العربي تقديسها، فالدول العربية لم تصل بعد لمفهوم الدول، فمازالت تعيش في مرحلة ما قبل الدولة الحديثة!

المنطقة على المحك:

اهتزت المنطقة العربية عامة مع بداية الحراك الشعبي في تونس، وقد كانت التوقعات صائبة بأنّ ما يحصل في تونس لن يتوقف عندها بل سيشمل العالم العربي أجمع، وذلك لأن أسباب الثورة متشابهة. وقد بدأ اضطراب الأنظمة ، وهذا يعني ببساطة أن البناء الرسمي العربي بات في خطر ، وأن ما بناه الغرب ” الدول الاستعمارية” في المنطقة وما انتهى إلى رعاية أمريكية بعد الحرب العالمية الثانية ” ملء الفراغ” أصبح مهددًا بالسقوط ، وأن ثمة تغييرًا في المنطقة سيؤدي لتغيير في العالم أجمع ، فالتغيير يتم في أهم منطقة جغرافية في العالم ، تغيير سيقود إلى توحد تلك المنطقة ولو على غرار الاتحاد الأوربي ، مستلهمة في تطورها النموذج التركي الذي أصبح مطلبًا شعبيًا نظرًا للنجاحات التي حققها حزب العدالة والتنمية في بضع سنوات .

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك حلف وارسو ، لم تعد ثمة قوة عظمى في العالم سوى الولايات المتحدة الأمريكية ، ولم تعد روسيا تلك القوة المنافسة ، بل تنتظر الشركات الأمريكية والغربية لتمنحها بعض التكنولوجيا أو تستثمر فيها ، وقد ذهبت لصندوق النقد الدولي لتخضع اقتصادها لنصائحه ، وهذا أدى لتراجع اقتصادي هائل وتفشي الفقر على عكس الاقتصاد الصيني الذي رفض تلك النصائح كما يذكر ذلك ستجاليتز في كتابه ضحايا العولمة (إن التناقض بين التحول في روسيا الذي وضعت هندسته المؤسسات الاقتصادية الدولية ، والتحول في الصين الذي وضعت الصين تصميمه بنفسها لا يمكن أن يكون أكبر من ذلك ، فبينما كان إجمالي الناتج المحلي للصين عام 1990 لا يمثل سوى 60% من إجمالي الناتج المحلي لروسيا ، انعكست هذه النسبة في نهاية عقد التسعينيات ، ففي الوقت الذي شهدت فيه روسيا زيادة غير مسبوقة للفقر ، شهدت فيه الصين انخفاضًا غير مسبوق للفقر )

وهذا يعني ببساطة أنّ روسيا لا يمكنها أن تفرض عبر القوة أمرًا واقعًا في منطقة تعد مجالًا حيويًا لأمريكا ، لكن واقع الحال يشي بأن أمريكا هي من سمح لروسيا بالتدخل في سورية وإنقاذ النظام أو لنقل لمنع انتصار الثورة كما سمحت من قبل لإيران بالتدخل لمقاتلة الثورة السورية ، وهي – أي أمريكا- من صنع داعش لتحويل وجهة النظر عن المأساة السورية – كما بيّنت تسريبات إيميل هيلاري كلينتون- لتكون الصورة أمام الرأي العام الغربي أنّ الصراع في سورية بين جماعات متطرفة وبين نظام علماني مستبد ، وسيكون الخيار” الطبيعي” نظامًا مستبدًا !

المفاجأة:

حاولت روسيا أن تغلّف دخولها في حربها ضد الشعب السوري، تحت عدة أمور تبينت أنّها غير صحيحة، فهي تارة جاءت لحرب ما يسمى الإرهاب، وأن ثمة “إرهابيين من روسيا الاتحادية ” في سورية يهددون أمنها، وتارة أنّها جاءت بطلب من نظام شرعي للحفاظ على الدولة السورية، ومرّة تدّعي أنها جاءت للحفاظ على مصالحها، وأخرى لتحقيق مصالح الشعب السوري!

المفاجأة ليست في تصريح وزير خارجيتها في بداية الثورة السورية أنّ موسكو لن تسمح للسُنة بحكم سورية، ولكن بتصريح بطريرك موسكو الذي قال إنه من أنقذ بشار الأسد وليس بوتين، فهو من أقنع بوتين بالتدخل عسكريًا، وعدّ تدخل موسكو جزءًا من معركة مقدّسة! ثمة أمر مهم لم ينتبه إليه الكثيرون أن القوة الديمغرافية في إسرائيل روسية، بل إن هريتزل قد ذكر في كتابه “الدولة اليهودية” أن على الدولة أن تعتمد في قوتها البشرية من مصدرين مهمين، روسيا ورومانيا، بوصفهما بلدين زراعيين متخلفين، ولا يجدر بها أن تعتمد على يهود الدول المتقدمة كبريطانيا وفرنسا. ولعل الهجرة الأخيرة التي عُرفت بهجرة اليهود السوفييت في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات قد أفرزت قادة عسكريين ورجال أعمال، وسياسيين روس، ساهموا بدور كبير في صناعة علاقة خاصة بين تل أبيب موسكو، تجعل من موسكو في حالة تأهب لحماية إسرائيل من أي خطر داهم من جوارها!

تبقى المفاجأة الأخيرة بعد التسريبات التي أكدت أن أوباما من أعطى الضوء الأخضر لتدخل روسيا بعد أن نجحت الثورة السورية في 2015 من تحرير إدلب وبات جيش النظام ومن معه في تقهقر كبير، بأنّ من موّل الحملة الروسية كانت أنظمة عربية، أنظمة وقفت منذ البداية ضد التغيير في العالم العربي ودعمت الثورات المضادة!

 

 

 

 

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه