لماذا يحكم ملك تايلاند بلاده من ألمانيا؟!!

 

من عجائب عالم الديكتاتوريات ما يفعله ملك تايلاند “فاجير الونجكورين” المقيم إقامة شبه دائمة في مقاطعة بافاريا جنوب ألمانيا، فالملك عجيب الأطوار ليس منفيا، وليس مطرودا، لكنه اختار أرضا غير أرضه ليقيم فيها ويحكم شعبه من بعيد!

قلما يذهب الملك إلى وطنه الأم تايلاند، فهو يقضي معظم أيام السنة في قصره البالغ مساحته 1400 متر مربع، والكائن في بقعة جميلة على ضفاف بحيرة “شتارنبرجر زي” الواقعة في حضن جبال الألب القريبة جدا من ميونيخ.

لم يعرف العالم ملكا أو رئيسا من قبل، حكم شعبه عن بعد كما يفعل ملك تايلاند، بل إن الملك نفسه لا يرى أي ضير في ذلك، ولكن مع تفاقم حدة المعارضة لحكمة المستبد يحاول الآن تعديل الدستور ليسمح له بقضاء وقت مفتوح خارج البلاد دون تعيين وصي على العرش.

إن الحاشية الفاسدة لا تنصح الحاكم بالأمر الصواب، بل تساير طبائع أهوائه ونزواته، وهكذا تفعل مع الملك البالغ من العمر 69 عاما والقابض على ثروة تقدر ب 60 مليار دولار.

الملك وحياة البذخ
انتفض الشعب أخيرا:

بعيدا عن الضجيج والمظاهرات الحاشدة في بلده، يستمتع الملك بالسباحة يوميا في بحيرة شتارنبرجر، والتنزه في جبال الألب ذات الإطلالات الحالمة، وفي المساء يقضي أوقاتا سعيدة في أمسيات بافاريا الخلابة، تاركا شعبه يعاني من مشاكل جمة بدأت تتعاظم في غيابه حتى انتفض الشعب أخيرا.

 فمنذ عدة أسابيع والمظاهرات الطلابية تخرج يوميا في شوارع تايلاند تطالب بإصلاحات ديمقراطية، وإلغاء قانون العيب في الذات الملكية، وهو أصلا قانون جاحف يعرض أي شخص ينتقد الملك إلى السجن 15 سنة.

إنه الاستبداد المقيت الذي يفصل الديكتاتور دائما عن شعبه، ويجعله محلقا في عوالم من الخيال والأحلام، مستمتعا بكل شيء إلا خدمة شعبه، تاركا إياهم يعانون ويلات الجوع والفقر والمرض.

قصص ملك تايلاند في بافاريا كقصص ألف ليلة وليلية، فهو يعيش حياة صاخبة وسط زوجاته ومحظيات قصره، في وقت لا تستطيع الصحافة في بلاده أن تذكر شيئا عن إقامته خارج البلاد خوفا من الوقوع تحت طائلة القانون بتهمة العيب في الذات الملكية.

مع تفاقم أزمة كورونا استأجر الملك فندقا كاملا عزل فيه نفسه مع عدد من زوجاته والموظفين في قصره في مدينة جارميش القريبة من مكان إقامته، فيما ثارت شكوك حول توافق تصريح إقامة الوفد الملكي في الفندق مع اللوائح المعمول بها في إقليم بافاريا في ظل أزمة الكورونا، ذلك أنه كان هناك حظر على المجموعات السياحية وفقط يسمح بالإقامة من أجل السياحة الخاصة، وهذا ما أعطته إياه حكومة الإقليم إذنا بالإقامة كسائح خاص.

مظاهرات ضد الملك

أزعج الأمر متعاطفين مع انتفاضة الديمقراطية في تايلاند، فنظمت عدة متظاهرين بمظاهرة أمام فندق الملك مطالبين بالحرية والديمقراطية، واعربوا عن تأييدهم للحركة الطلابية التايلاندية في مطالبتها باستقالة حكومة برايون تشان أتوتشا الملكية، وإلغاء الدستور التايلاندي الذي صاغه الجيش، إضافة إلى الدعوات غير المسبوقة لفرض قيود على السلطات الملكية!.

على الصعيد الحكومي الألماني أصبح ظاهرا أن هناك انزعاجا ألمانيًا من فكره أن الملك التايلاندي يدير شؤون بلاده من أراضيها، فقال وزير الخارجية هايكو ماس ردا على انتقادات من حزب الخضر لوضع الملك التايلاندي: بصراحة لا ينبغي له أن ينخرط في السياسة ويدير شؤون بلاده من ألمانيا.  كما أن حكومة المستشارة الألمانية وجهت تحذيرا إلى السلطات الرسمية في تايلاند طالبت فيه الملك التايلاندي الكف عن إدارة شئون البلاد من الأراضي الألمانية.

لا تريد ألمانيا أن تضع نفسها في مأزق سياسي في وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات ضد الملك، فأوربا دائما ما تربط مساعدتها الاقتصادية واتفاقيتها التجارية مع الدول بالتطور الديمقراطي والحرية واحترام حقوق الإنسان.

لكن وضع الملك التايلندي وانتفاضة شعبه ضده يعيد مرة أخرى إلى الأذهان علاقة أوربا بالمستبدين والديكتاتوريات حول العالم، ولماذا لا تناصر الشعوب المطالبة بالديمقراطية؟!!

يتساءل أنصار الديمقراطية في أوربا لماذا لا يمارس إذن الاتحاد الأوربي ضغوطا على حكومة تايلاند على غرار ما حدث بعد الانقلاب العسكري في 2014؟، يجيب على ذلك وزير الخارجية الألماني بأن الاتحاد الأوربي يفضل الحوار على الإجراءات العقابية،  لكن ألمانيا ربما تضطر إلى تعليق المحادثات التجارية إذا استمر تطويق الديمقراطية بهذا الشكل.

المهم عند الأوربيين هو وجه الاستفادة من ثروة وأموال الديكتاتور، فالألمان مثلا يتساءلون هل الملك يدفع الضرائب عن إقامته في ألمانيا؟ وهل دفع ضريبة عقارية عن قصره الذي ورثه عن والده الملك الراحل بوميبول أدولياديج عام2016؟، لا تريد وزارة المالية البافارية التعليق على هذا بسبب السرية الضريبية، وتشير فقط إلى بعض القوانين التي توضح مدى تعقيد مثل هذه الحالة!.

مظاهرات ضد الملك
التحايل على الضرائب الألمانية:

بما أن الملك لديه مكان إقامة دائم فيتعين عليه دفع الضرائب وفق القوانين الألمانية، لكن الملك بالطبع تحايل على ذلك وسجل قصره كمقر دبلوماسي للتهرب من دفع الضرائب، لأنه بمقتضي اتفاقية فيينا أصبح خاضعا للعرف الدبلوماسي، والاتفاقية تنص في المادة 34 منها على أن الدبلوماسيين معافيين من الضرائب، ويتمتعون بالحصانة ولا يخضعون للعدالة الجنائية الألمانية.

ستبقي الديكتاتوريات حول العالم تذيق شعوبها ألوانا وأصنافا من العذابات، طالما أعين الشعوب غافلة، أو متواكلة، تنتظر المخلص الذي لن يأتي أبدا، لأن الغرب القوي والقادر اقتصاديا يهتم بمصالحه فقط قبل أن يهتم بمصالح الغير.

لقد نجحت الضغوط الشعبية على ألمانيا في اعادة الملك للعودة إلى بلاده.

مظاهرات أمام السفارة الألمانية في بانكوك

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه