السيسي يحمل مشروع إبادة ولا يحمي الأرض الزراعية

 

كشف تهديد الجنرال عبد الفتاح السيسي بنشر قوات الجيش في كافة القرى المصرية لإبادة وهدم المباني المخالفة، والتي قال إنها تمثل 50% من المباني في مصر، عن مخطط لتدمير الثروة العقارية المصرية بدأه في سنة 2014 بهدم مدينتي رفح والشيخ زويد في سيناء وانتشر في باقي المدن والقرى المصرية. وبأوامر مباشرة منه في مطلع شهر سبتمبر/أيلول الماضي، اجتاحت جحافل الجيش والشرطة القرى والمدن المصرية في طول البلاد وعرضها، مدججين بأسلحة ومعدات هندسية ثقيلة، ونفذوا عمليات هدم واسعة خارج نطاق القانون، حيث لم يأخذ أصحاب البيوت المهدومة فرصتهم في التقاضي وتبرير سبب المخالفة، ولم يستنفذوا درجات التقاضي أمام المحاكم المدنية، وبالمخالفة للدستور تم تحويلهم إلى النيابات العسكرية لتعجيل عمليات الإزالة.

وأصدر السيسي الذي لم يخض حربا طوال حياته العسكرية أمرا لوزير الدفاع ليجيش مؤسسات الدولة لتنفيذ مخططه متجاوزا الواجب في احترام القانون، ومهينا لمقام وزير دفاع فيناديه بطريقة لا تليق بوزير دولة، ومستخفا بولاية رئيس مجلس الوزراء على غيره من الوزراء، بمن فيهم وزير الدفاع الذي تلقى أمر السيسي بتنفيذ إزالات المباني بطريقة شعبوية دون اعتراض أو امتعاض بقوله “الدولة بمؤسساتها كلها يا محمد يا زكي مسؤولة عن حماية الدولة المصرية.. والله لو الأمر استدعى هخلي الجيش المصري ينزل كل قرى مصر.. الموضوع ده لن أسمح به.. أنا جبت معدات هندسية تكفي إني أشيل وأبيد كل المخالفات.. وبقول للسادة المحافظين والسادة مديري الأمن اللي موجودين.. ما دام سكت وقولت آه تنفذ الكلام.. المسؤولين عن الدولة يا إما رجال مظبوطين يتصدوا لقضايا بلدهم مظبوط.. لحاجة تانية.. مش وقتها” وفق تعبيره خلال افتتاحه مشاريع في محافظة الإسكندرية شمال القاهرة يوم السبت 29 أغسطس/آب الماضي.

الموجة الـ 16 للإزالات

كشف وزير التنمية المحلية، محمود شعراوي، عن مخطط هدم البيوت من خلال موجات منظمة. في تقرير أمام مجلس الوزراء في نهاية شهر أعسطس/آب الماضي تحت عنوان “الموجة الـ 16 للإزالات”. وقال إنه خلال تلك “الموجة” وحدها تمت إزالة 11 ألف مبنى مملوك لأشخاص داخل الحيز العمراني، و20 ألف مخالفة بناء على الأراضي الزراعية خارج الحيز العمراني. وتمت إحالة 12641 مواطن إلى النيابة العسكرية خلال الفترة من 25 مارس/آزار الماضي حتى 17 أغسطس/آب الماضيين.

وفي “الموجة الـ 15 للإزالات” أعلن شعراوي عن إزالة أكثر من 12 ألف مبنى خلال خلال شهر فبراير/شباط الماضي. وأعلن في آخر أبريل/نيسان الماضي عن حصاد الموجة الـ 14 للإزالات، فقال إنه تمت إزالة قرابة 8 آلاف مبنى على أراضي مملوكة للدولة وأخرى مملوكة للأشخاص. وفي لقاء مع سكرتيري عموم المحافظات أن السيد رئيس الجمهورية يتابع ملف إزالة مخالفات البناء بصورة مستمرة، وحثهم بقوله “استغلوا قوة الدفع التى أعطاها الرئيس السيسى لهذا الملف ونفذوا القانون بكل حسم مع كافة حالات التعدى لاسترداد حقوق الدولة”. وأمرهم بتنفيذ الأمر الصادر من رئيس الوزراء بضرورة تسوية المباني تماما بالأرض حتى لا يعاد المبنى مرة أخرى كما كان يحدث في عهد مبارك.

التصريحات وعنوان الملف وعدد الإزالات التي أعلنها وزير التنمية المحلية تكشف بما لا يدع مجالا للشك عن مخطط لتدمير الثروة العقارية من خلال موجات تشبه الموجات الزلزالية المدمرة. سيما أن استخدام الوزير كلمة “موجة الإزالات” لم يكن صدفة ولا الخطأ في التعبير. ومن نافلة القول إن الوزير هو رئيس جهاز الأمن الوطني سئ السمعة في عهد السيسي وتتهمه منظمات حقوق الإنسان بمسؤوليته المباشرة عن سياسة الإخفاء القسري والإعدام الميداني لمعارضي الانقلاب العسكري، ما يؤكد استخدام السيسي لنوعية عدوانية من المسؤولين لتنفيذ أوامره حتى وإن خالفت القانون.

الأعداد الضخمة للبيوت المهدومة والموجات المتتابعة للإزالات تجعل زلزال 1992 الشهير، والذي تسبب في هدم 10 آلاف مبنى، موجة خفيفة من توابع موجات السيسي الهدامة، والحرب المنظمة التي يقودها منذ سنوات. وليس تهديده بنشر الجيش على القرى لإبادة وإزالة المباني إلا كاشفا لتلك الحرب وليس منشأ لها. واعترافه بتجهيز المعدات الهندسية الكافية لهدم البيوت، رغم افتقار شركات استصلاح الأراضي المملوكة للدولة إلى هذه المعدات وتوقفها عن عملها في استصلاح الأراضي الصحراوية بسبب حرمانها من التمويل، دليل على جديته في تنفيذ مخطط الهدم.

إدانة السيسي

معالجة المباني المخالفة بالهدم جريمة وإرهاب دولة. ذلك أن مدير معهد التدريب والدراسات الحضرية بمركز بحوث الإسكان والبناء الحكومي له رأي قديم في الأزمة ونشرته جريدة اليوم السابع المقربة من النظام في 13 نوفمبر سنة 2016. واقترح الرجل حلا للأزمة من جذورها يقوم على أن توفر الدولة أراضى بديلة في الظهير الصحراوى وبأسعار مخفضة ليساهم فى الحفاظ على الأراضى الزراعية أولا، ثم حل أزمة السكن ثانيا، بالإضافة لمنع ظهور العشوائيات ثالثا، لأن الدولة تتحكم فى البناء من خلال الإشراف والرقابة. 

وأثبت الرجل من خلال وظيفته النافذة أن كفاءة المواطنين على البناء أفضل من الدولة. واقترح على الدولة أن تعيد سياساتها مرة أخرى فى ملف بناء وحدات سكنية للمواطنين، بحيث تقوم الدولة بتوفير الأراضى وتخطيطها وتسمح لهم بالبناء. وأكد على أن دور الدولة يجب أن يكون رقابيا وتخطيطيا أكثر من دورها كمقاول يبنى وحدات سكنية. وكشف عن أن هذا الإجراء يساهم فى التخفيف عن كاهل ميزانية الدولة، حيث تخصص الدولة مبالغ مالية كبيرة لبناء الوحدات السكنية. وهو ما يفضح ممارسات السيسي في وقف تراخيص البناء في وجه المواطنين والشركات ليمكن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة من احتكار البناء والمتاجرة بمصالح البسطاء.

توسع السيسي في إنشاء الطرق على أراضي الدلتا وعدم تطوير الطرق القديمة، وتجرئه على هدم المساجد رغم مخالفة ذلك للقانون والأعراف، وإصراره على تحويل جزيرة الوراق من أرض زراعية إلى مشروع إماراتي للاستثمار العقاري، وتدمير آلاف الأفدنة في رفح والشيخ زويد في سيناء لأسباب وهمية يفند إدعاءه ويبطله. ونكتفي هنا بالإشارة إلى قراره بتحويل منطقتي الحزام الأخضر المحيطة بمدينة 6 أكتوبر، والثورة الخضراء بمدينة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة من أراضي زراعية إلى عقارية لتفنيد ادعائه وكشف مخططه.

الحزام الأخضر

استولى ضباط من هيئة الرقابة الإدارية وآخرون بجهاز المخابرات ومباحث أمن الدولة على 12 ألف فدان في منطقة الحزام الأخضر حول مدينة 6 أكتوبر بمعدل 5 إلى 10 أفدنة للفرد حسب الرتبة. وقامت لجنة إبراهيم محلب التي شكلها السيسي لاسترداد أراضي الدولة بنقل تبعية الأراضي الزراعية التي استولى عليها الضباط من وزارة الزراعة إلى هيئة المجتمعات العمرانية لتحويلها إلى مساكن وعقارات، وإمدادها بمرافق الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي، رغم أنها أراض زراعية في الأساس وبعضها ملك القوات المسلحة.

وأعطت الهيئة مهلة لملاك الأراضى من الضباط للتصالح المريح. وقام نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية للشئون التجارية والعقارية بتحديد قيمة تغيير النشاط من أراضى زراعية إلى سكنية شاملة المرافق بواقع 435 جنيهاً للمتر المربع بالإضافة إلى شبكات المرافق الداخلية بواقع 384 جنيهاً للمتر، رغم أن سعر الأرض السكنية وصل في المنطقة إلى 3 آلاف جنيه للمتر. وعرضت الهيئة على الملاك تطوير أراضيهم وتحويلها إلى مساكن كاملة المرافق بأسعار منخفضة وبالتقسيط المريح.

بعد تحويل جزء من المنطقة إلى مساكن غالية الثمن وأخرى زراعية متدنية القيمة نشب الخلاف بين ضباط المخابرات. وتدخل نجله النافذ في جهاز المخابرات لحل الخلاف، فأصدر السيسي قرارا جمهوريا في فبراير/شباط سنة 2017 بتحويل جميع أرضي الحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر وأراضي الثورة الخضراء بمدينة الشيخ زايد والتي تبلغ مساحتها 60 ألف فدان من أراضي زراعية إلى مناطق سكنية، مع توصيل المرافق لها بأسعار رمزية، ليشتري ولاء الضباط على حساب الرقعة الزراعية التي يقول إنه يحافظ عليها.

إن السيسي ليس الحارث الأمين على الأراضي الزراعية، ولا الأمن الغذائي ومستقبل الأجيال القادمة، وليس لديه مانع من بناء التجمعات السكنية عليها، وقد اعترف صراحة بعدم ممانعته البناء على الأرض الزراعية بقوله “أنا بقبل إني أبني.. وحتى على أرض زراعية؟ أيوة طبعا، لكن أنا أخططلك الأرض.. وأبنيلك حتى لو كانت على أرض زراعية”.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه