في نقد شعار “إلّا رسول الله”

هذا الشّعار يحمل في طياته نفسيّةَ المنهزمِ الذي لا يلوي على شيء ثم يستدير إلى عدوِّه بعنترية المنتصر مهدِّدًا إيَّاه أن يتوقف عن استلاب حقوقه عند هذا الحدّ ولا يتجاوزه وإلَّا!

 

كلّما تعرّض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى إساءةٍ استنفرَ المسلمون جهودَهم في حملاتٍ للتعبيرِ عن حبّهم له صلّى الله عليه وسلّم، وغضبهم من الإساءة ورفضهم لها.

 وهذا تعبيرٌ طبيعيّ ومحمودٌ وممدوحٌ عن مدى تجذّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قلوب المسلمين الذين يرون فيه أغلى ما يملكون وأعظم مخلوقٍ عرفته البشريّة من لدن آدم عليه السلام إلى قيام السّاعة.

وتزدان هذه الحملات بشعاراتٍ شتّى، واستخدام الشّعارات أمرٌ معروفٌ في البشريّة كلّها في حملاتها الإعلاميّة، كما أنّه معمولٌ به منذ عصر الإسلام الأوّل، فقد كان المسلمون يتّخذون شعاراتٍ لهم في المواقف والأحداث المفصليّة.

وللشّعارِات التي يرفعها المسلمون في وجه خصومهم أهميّةٌ كبيرةٌ في بناء الوعي والقناعات في اتجاهين اثنين؛ الأوّل بناءُ قناعاتِ وأفكار الخصم تجاه القضيّة التي يحتجّ عليها المسلمون ويرفعون الشّعار لأجلها

والثّاني؛ بناء قناعات وأفكارِ المسلمين وتوجيه عواطفهم وترشيد سلوكهم في القضيّة التي ينتصرون لها

وعلى سبيل المثال لا الحصر ما ذكره ابن هشام في سيرته:

“وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: أحَدٌ أحَد”

فالمسلمون كانوا يتّخذون شعارًا لهم في كلّ مواجهةٍ بينهم وبين أعدائهم، وفي غزوة بدرٍ التي كانت المواجهة المفصليّة الأولى بين المسلمين وقريش كان شعارهم “أحَدٌ أحَد”

ومن الطّبيعيّ أن يكونَ هذا الشّعارُ بأمرِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوصفه القائد العام للجيش والدّولة، وهذا الشّعار يبني القناعات والأفكار لدى الأعداء والمؤمنين على حدٍ سواء.

فالأعداء سيرون بأنّ هذا الشّعار الذي كان صيحةَ بلال بن رباح وهو مستضعفٌ يعذَّب تحت صخرة أميّة بن خلف قد غدا شعارَ أمّةٍ بأسرها وهتافَ جيشٍ سيردّ على كلّ الذين نالوا من المؤمنين في ساعات الاستضعاف؛ فهو شعارٌ يدلّل على قوّة أصحابه ويثيرُ الخوف في نفوس سامعيه من الأعداء، ويؤكّد لهم أيضًا مدى انتماء الفريق المؤمن إلى قضيّة التوحيد التي يتمحورون حولها.

وأمّا المؤمنون سيبعث فيهم هذا الشّعار معاني العزّة والانتماء والانتقال من الضّعف إلى القوة، ومن تحت صخرة التّعذيب إلى صهوات الخيول للنّكايةِ بعدوّهم.

وهكذا يفعل الشّعارُ فعله حين يكون مدروسًا وموجّهًا ومركّزًا وليسَ مجرّد ردّ فعلٍ تنفيسيٍّ عن غضبٍ عابر.

ماذا عن شعار “إلّا رسول الله”؟

من أكثر الشّعارات التي انتشرت إبان جريمة الرّسوم الدنماركية المسيئة للنبيّ صلى الله عليه وسلم عام 2005م؛ وتجترٌّها الأمة المتخمةُ بالشِّعارات العشوائيّة اليوم في مواجهتها لجريمة الإساءة الفرنسيّة التي يقوده الرّئيس الفرنسيّ ماكرون بحقّ نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم هو شعار “إلّا رسولَ الله”

هذا الشّعار يحمل في طياته نفسيّةَ المنهزمِ الذي لا يلوي على شيء ثم يستدير إلى عدوِّه بعنترية المنتصر مهدِّدًا إيَّاه أن يتوقف عن استلاب حقوقه عند هذا الحدّ ولا يتجاوزه وإلَّا!

فتقديرُ الكلام في الشعار لا يحتاجُ إلى كثير بحث لنعلمَ أنَّه: اعتدوا على كلِّ شيءٍ إلَّا رسول الله، واستهزئوا بكلِّ شيء إلَّا رسول الله، واسرقوا منَّا كل شيء إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمعنى الذي يقتضيه الشّعار دون أن ينتبه له مطلقوه: انتهكوا كلّ مقدّساتنا ودنّسوا كلّ قيمنا وامسحوا بكرامتنا الأرض لكن لا تقتربوا من رسول الله!

فالمفهوم البديهي من رفع الحناجر به أنّه لا خطوط حمراء عندنا إلّا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الخطّ الأحمر الوحيد الذي لا نسمح لكم بتجاوزه أو الاقتراب منه، وما دونه من الأوطان والبلدان والكرامة والمكانة يمكننا استساغة الاعتداء عليها، والاعتداء الوحيد الذي لا يمكننا احتمالُه هو التّطاول على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وإن كنتُ أجزم أن من رفعوا الشّعارَ لم يريدوا المعنى الذي يقتضيه إلا أنه في النّهاية يعبِّر عن عنتريَّة المهزوم الذي يحاول إثباتَ ثباتِه وقوَّتِه وشجاعتِه بل نصره الخُلَّبيّ بعدَ القبول الضمنيّ بسَيلِ الهزائم المخزية.

ولستُ في وارد الدُّخول في الجدل والتّأويل اللّغويّ للعبارة إلا أن المتبادر لسامعها أننا قادرون على ابتلاع أيّة إهانةٍ أو إساءةٍ نتعرّض لها ما دام المقصود بها مَن هوَ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكانة من الأشخاصِ وحتَّى الأمكنة والقيم.

فنحن قادرون على استمراء الإهانة إذا وُجِّهت من عِلج فارسي أو عُتُلٍّ روميّ أو فاجرٍ من طغاة العربِ على حرَّةٍ من حرائرنا ابتداءً من اللَّطمِ إلى هتكِ العرض، ومخزونُ الصّبر لدينا يؤهلنا للتغاضي عن إهانَة الصّهاينة لنا باحتلالِ أرضنَا ومقدّساتِنا ولكن إن وصلَ الأمرُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فلن نسمح لكم ولتفهموا جيّدًا “إلا رسول الله”

وماذا بقيَ لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، إذا أهينَت أعراضُنَا ودُنِّسَت مقدَّساتُنا وديارنا وديست كرامتنا واستنسرت البغاثُ في أرضنا؟

وماذا بقيَ لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا هرول الخونة للارتماء تحت أقدام الصّهاينة، وفرضَ ترمب الجزية على المسلمين فيدفعونها له عن يدٍ وهم صاغرون.

وماذا بقي لنا من رسول الله إذا ذهبَ كلُّ شيءٍ ماديّ ومعنويّ أمرَنا نبيّنَا صلى الله عليه وسلم أن نريق على جوانبه الدّم؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه