أخيراً بكى الرفيق كيم جونغ

فهذه الدموع تجلب له بالتأكيد المزيد من التعاطف، وهذا هو الشي الوحيد الذي جعله ندا لامريكا في شبه الجزيرة الكورية، وهددها، وتوعدها

فجأة استيقظ ضمير زعيم كوريا الشمالية الشاب كيم جونغ، أثناء إلقاء كلمة له بمناسبة الذكرى 75 لحزب العمال الحاكم، وانسابت دموع الزعيم تأثرا لحال شعبه عندما قال : أشعر بالخجل لأنني لم أستطيع أن أكافئكم علي ثقتكم الكبيرة ، ولم تكن جهودي كافية لإخراج شعبنا من ظروف العيش الصعبة، إلا أنه قال بنبرة تفاؤل: ” أشعر كذلك بالامتنان الشديد لجميع أفراد شعبنا الذين يتمتعون بصحة جيدة” .
عندما تنساب دموع الديكتاتور، تنساب أيضا  معها دموع الشعب عسكريين ومدنيين، ليس بكاء على حالهم ، إنما تأثرا على حال الزعيم. رغم أن كيم جونغ يعتبر ديكتاتورا قاسيا في نظر البعض، بسبب عزلة بلاده عن العالم الخارجي، والحكم بقبضة من حديد، فلا مجال للتهاون أو الخطأ في حق النظام والحزب الحاكم من قبل أي مواطن، وكثيرا ما سمعنا عن إعداماته لمسؤولين حكوميين أو عسكريين، فالبلد مطوقة بستار حديدي يصعب اختراقه.
امتدادا لجده كيم إيل سونغ الزعيم التاريخي لكوريا الشمالية، بني كيم يونغ مجده وزعامته التي أكدها عندما استطاع بناء ترسانة عسكرية قوية جعلت الغرب وأمريكا يعملان لها ألف حساب. وبما أن الرجل تذكر شعبه ومحنة العيش التي يقاسيها في أوج استعراضه لقوته العسكرية التي حظيت بعرض لم يسبق له مثيل، فقد كشف العرض لأول مرة عن صواريخ باليستية جديدة عابرة للقارات محمولة على متن مركبات نقل لها 11 محورا للعجلات، وتعتبر أحد أكبر الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المنقولة برا في العالم اليوم.

المعاني السياسية للدموع:

لا شك أن دموع الديكتاتور الآسيوي تحمل الكثير من المعاني السياسية، فهي تفتح باب الجدل حول قيمة الإنسان أو المواطن في ظل الاستبداد والديكتاتورية، وما إذا  كان الديكتاتور يشعر بشعبه فعلا ؟ ..فكيف نفسرها إذن؟ـ إن كيم يونغ ليس هو الديكتاتور الوحيد في منطقته، بل هو يأتي في محيط آسيوي ليس ديمقراطيا في أغلب دوله،  لكنه ناهض صناعيا، لهذا أعتقد أنه أراد أن يبلغ رسالته إلى مواطينيه، ويعرب عن شعوره بالخجل من تدني معيشة شعبه، وهو في قمة مجد صناعته العسكرية، مما يجعل اعتذاره مقبولا خاصة  وأن الوقت مناسب لأن الشعب يرى تلك المنظومة الصاروخية المرعبة تمر أمامه، فهذه الدموع تجلب له بالتأكيد المزيد من التعاطف، وهذا هو الشي الوحيد الذي جعله ندا لامريكا في شبه الجزيرة الكورية، وهددها، وتوعدها، أكثر من مرة هي وكوريا الجنوبية،  حتي أن ترمب الفظ كان يلاطفه بعبارات ودودة مثل: صديقي كيم، وقابله مرتين في محاولة لإقناعه بالتخلي عن سباق التسلح، مقابل وعود سخيه بمعونات أمريكية، لكن المحاولات الترامبية فشلت بعد وقت قصير، لأنهم لايثقون في الولايات المتحدة الأمريكية .

المقارنة:

المقارنة بين ديكتاتوريات الشرق الأوسط وديكتاتورية كوريا الشمالية  عادلة، فنحن نشاهد ونعايش يوميا كيف تنتهك حرية الأفراد، وتمزق العائلات، ويبث الرعب والخوف في نفوس الناس، لكن ما لم تستطيع ديكتاتوريات الشرق أن تنجح فيه هو التفوق الصناعي، بل أغلبها مازال يعقد صفقات تسلح مع كوريا الشمالية نفسها، ومع ذلك لم تسقط دموع أي ديكتاتور منهم تأثرا على شعبه كما فعل كيم .
إن معظم تلك الديكتاتوريات يأتي إلى سدة الحكم بانقلابات عسكرية، مما يحتم عليها أن تقر بتحالفات مع فاسدين تغدق عليهم بسخاء لشراء ولائهم لأنهم يعرفون أن الفاسدين لا تكفيهم الوعود وحدها ، ولأن أيضا وعود المستبد معروف أنها ليست موضع ثقة .
في ديكتاتوريات الشرق الأوسط كما في الديكتاتوريات الآسيوية، لا توجد مؤسسات في الدولة تراجع الديكتاتور أو تحاسبه، مثل المحاكم أو البرلمانات المستقلة، لذلك غالبا ما يستمر الحكام عن طريق تفويض السلطة أو توريثها للأبناء والمحاسيب، وفي حالات الثورات كما حدث في الربيع العربي يكون البديل للحاكم فراغا، حدث هذا في ليبيا ومصر وتونس واليمن والسودان .
إن ديكتاتوريات الحزب الواحد التي حافظت علي بقائها ككوريا الشمالية والصين وكوبا وفنزويلا رغم الاستبداد الذي تنتهجه كان لافتا للباحثين السياسيين الذين فسروا ذلك بقدرة تلك الدول على الاهتمام بالتنمية الصناعية التي ساعدت على خلق حالة من الاستقرار رغم خنق الحريات ، لأنها كانت تعرف أن الأزمات الاقتصادية هي أول الأسباب التي تعجل بسقوط المستبدين، وظهر هذا المثال واضحا في الثورات العربية، وفي عهد الاتحاد السوفيتي السابق الذي سارع الانهيار الاقتصادي والتصورات الخاطئة للإصلاح إلى سرعة انهياره، في حين أن الصين مثلا تمكن الحزب الشيوعي فيها من إعادة صياغة العلاقة بين الرأسمالية والمجتمع، وبهذه الصياغة الجديدة استطاعت تغيير المسار الاقتصادي الذي أسسه ماوتسي تونغ وفتحت اقتصاد البلاد دون فتح النظام السياسي، وطورته ببناء القواعد والمؤسسات في وقت بقي الحزب السياسي فيها هو الوحيد المسيطر على المجتمع .

الغريب في المقارنة بين كل ديكتاتوريات العالم نجد أنها تشترك في سمة واحدة وهي التزوير الانتخابي، والاهتمام بتأسيس هيئة تشريعية ضعيفة تصبح مفيدة للمستبدين فقط، وتعمل على توفير غطاء شرعيا للمستبد، ولا يقتصر دورها على وضع القوانين فقط، بل يتمثل دورها الأهم في تقسيم وتوزيع المكاسب غير المشروعة على المحاسيب والمستفيدين.
مهما بكى أي ديكتاتور فإن دموعه تظل كاذبة، أما دموع الثكالى  من الأمهات والزوجات اللواتي فقدن أبنائهن وأزواجهن  في المعتقلات،  فهذه تبقى الوحيدة الصادقة أيها الرفيق كيم ورفاقك في الشرق الأوسط ! 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه