معرض الكتاب.. الوجه الآخر!

وأي فتاة تعيش قصة حب تتعرض فيها للخذلان تستطيع توثيق حكايتها بلغة عامية ركيكة والأخريات يشاركن العبارات مع صور لورود دامية وعيون باكية

 

كنت طفلة تكاد تطير من السعادة حين تبدأ أجازة منتصف العام الدراسي لأن هذا يعني بداية معرض القاهرة الدولي للكتاب..

 كنا ندخر النقود القليلة لشراء الكتب المترجمة والروايات الحالمة.. مَن من أبناء هذا الجيل لم يقرأ روايات زهور وعبير ورجل المستحيل وما وراء الطبيعة، ولحكيم الثقافة العربية توفيق الحكيم، وعوالم نجيب محفوظ وخيري شلبي وحزن صلاح عبد الصبور وغضب أمل دنقل ، وقصص يوسف إدريس، ثم فترة الأدب المترجم كمسرحيات شكسبير وروايات تشارلز ديكنز وأجاثا كريستي وفيكتور هوجو ودوستويفسكي؟

العجز:

معرض الكتاب ليس سوقاً مفتوحاً للكتاب بل هو نحن.. طفولتنا ومراهقتنا و شبابنا، أحلامنا و حقيقة واقعنا. الآن أصبحنا نمتلك مالنا الخاص لشراء كل ما نحب من الكتب دون موافقة أهلنا أو تذكيرهم لنا بالميزانية المسموحة للشراء.. لكننا نقف شبه عاجزين!

تقول احصائية أخيرة لا أعرف مدى دقتها أن دور النشر فى معرض القاهرة الدولي للكتاب فى دورته الحادية والخمسين هذا العام يقترب عددها من ال900 ناشر وجهة وبزيادة 153 دار نشر عن العام الماضي.

هذا خبر عظيم، فزيادة عدد دور النشر يعني انتعاش حركة الأدب والترجمة، ويعني أيضًا خروج جيل مفكر ومبدع من لم يكن منهم كاتب فهو قارئ جيد. لكن المؤسف أن هذا لا يحدث

فآلاف الكتب تصدر سنويا لا جدوى من وجودها بل هي مجرد عبء على المخازن وأرفف المكتبات. آلاف الكتب لأسماء تكتب وتلجأ للنشر على نفقتهم الخاصة من أجل اكتساب شيء من الوجاهة الاجتماعية إن جاز التعبير، أو الاحتفال مع الأصدقاء بمناسبة صدور كتاب صديقهم الجديد وإلتقاط بعض الصور ووضعها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأصبحت الفتاة كاتبة:

 فأي شخص يكتب موقفا ما ويحصل مصادفة على تفاعل كبير يستطيع أن يكتب عدة مواقف وينشرها في كتاب بعنوان جذاب ملفت للانتباه. وأي فتاة تعيش قصة حب تتعرض فيها للخذلان تستطيع توثيق حكايتها بلغة عامية ركيكة والأخريات يشاركن الجمل مع صور لورود دامية وعيون باكية وبهذا أصبحت الفتاة كاتبة.. والغريب انتشار ما يطلق عليه أدب الرعب وكأن كل المشكلات قد انتهت وتبقت فقط مسألة الجن والأشباح والعفاريت ومصاصي الدماء.. أو الكتب التي تتحدث عن الجنس لمجرد الكلام عن الجنس بلا محتوى هادف أو تربوي أو إضافة جديدة. ما الهدف من نشر كتب سطحية ذات لغة ركيكة وعناوين تحمل ايحاءات جنسية إلا لجذب الانتباه فقط؟!

التقييم بعدد المتابعين:

(كم عدد المتابعين لك) على مواقع التواصل الاجتماعي؟ سؤال مهم جدا لأن عددهم أهم من قدرتك على الكتابة فكلما زاد عدد متابعيك زادت فرصك فى الحصول على تعاقد مع دار نشر وزادت فرص بيع كتابك وشهرتك، وبالطبع ربح الدار التي لا تريد سوى الربح ولا يهمها مستقبل الأدب. هذه وجهة نظر مئات دور النشر الجديدة للأسف.

إلى جانب ذلك فإن حركة الترجمة الآن سيئة وأن اغلبية دور النشر تقوم بإعادة نشر الكتب والروايات المترجمة القديمة التى سقطت حقوق ملكيتها، وبعض الترجمات الحديثة المدعمة بمنح.

مصر بلد الفن والأدب بها مواهب كثيرة وجديدة.. لكننا لا نعرف عنهم شيئا لأن الفرص تذهب لأصحاب الحسابات المكتظة بالمتابعين وأنصاف الموهوبين وبعض الأغنياء الذين ينشرون كتبا على نفقتهم الخاصة من أجل محاربة الفراغ والملل…

من الممكن أن أقول إن هناك مئة كتاب عظيم في معرض الكتاب الحالي لكن أيضًا أستطيع أن أقول إن هناك ألف كتاب لا تستحق ثمن الورق المطبوعة عليه، ولا تستحق أن توضع على الأرفف في هذا الصرح العظيم.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه