ما هي وعود مؤتمر برلين من أجل ليبيا؟

لو كانت هناك فعلًا إدارة عاقلة بمصر لما راحت تتفق مع الروم واليونانيين، من أجل غاية واحدة وهدف احدة هي النكاية بتركيا، ولو على حساب الإضرار بالمصالح المصرية.

 

إن المؤتمر الذي سيعقد في برلين اليوم الأحد بمبادرة من ألمانيا، من أجل تطبيق وقف إطلاق النار في ليبيا، والمساهمة في إيجاد حل سياسي للوضع الليبي؛ كان من الممكن أن يكون مؤتمرًا بلا قيمة كغيره من المؤتمرات السابقة، لو أن حفتر لم يمتثل لوقف إطلاق النار في اللحظة الأخيرة، لأن حفتر الذي يشن هجماته على طرابلس حتى كاد أن يأخذها، لا يريد طرفًا آخر يفاوضه ويحكم معه ليبيا.

لولا تركيا

إن حفتر يريد السيطرة على ليبيا كاملة، بعيدًا عن أي نوع من الحوار، ولولا تدخل تركيا في الساعات الأخيرة لحقق ما يريد، ورغم عدم وجود سبب واحد لتبرير عدوانه على بلاده يستطيع العيان أن يلمسوه، فإن السبب الوحيد الذي يجعله ماضيًا بهذا العدوان هو قوة السلاح الذي بين يديه فحسب ..
كما تجدر الإشارة إلى أن تركيا لو لم تقم بعقد اتفاقية مع حكومة الوفاق الشرعية في ليبيا، لكان قد تحقق لحفتر فعلًا ما يريد، دون الحاجة لمؤتمر برلين وغيره، أما الآن فإن الاجتماع في برلين من أجل ليبيا هو أمر منطقي، لأن حفتر يعلم أنه قد أصبح أمام قوة لا يمكنه تجاوزها، ومنذ هذه الساعة قد بات يعلم أنه لن يتمكن أصلًا من تدمير تلك القوة، إذن لا احتمال لعدم مشاركته في مؤتمر برلين، هذا فضلًا عن أنّ تركيا واقفة له بالمرصاد حال خروج الأمر عن سياقه ومساره الصحيح.

دموع التماسيح

حقيقة لقد غيرت تركيا جميع الموازين على الساحة من خلال تدخلها، فقد كان المجتمع الدولي يتباكى بدموع التماسيح مكتفيًا بمشاهدة حكومة طرابلس التي اعترف بها، وهي تُدمّر من قبل قوة غير معترف بها أصلًا، على الرغم من إعلان حفتر كمجرم حرب من قبل الأمم المتحدة، إلا إنها لم تقم بفعل شيء يمنعه من الاستمرار بإجرامه، وحتى المساعدة التي طلبتها حكومة الوفاق من تركيا، كانت قد طلبتها من قبل من الأمم المتحدة، إلأ أنها -أي الأمم المتحدة- لما توانت عن تقديم الدعم اللازم لحكومة الوفاق، لبّت تركيا ذلك النداء على الفور.

الحقيقة أيضا؛ أن أعلى ممثل للقيم والأخلاق الدولية في برلين ستكون تركيا، فهي لا تريد إلا إيقاف عدوان حفتر، وتسليم ليبيا لليبيين، وحين يتم توجيه نداء لخروج كل القوى الأجنبية من ليبيا، فإن أول دولة ستدعم هذا النداء ستكون هي تركيا، بشرط قبوله بشكل حقيقي من كل الدول، وأنا لا أريد سرد هذه الحقيقة إلا كنوع من التذكير للإدارة المصرية، التي تقول إن حدودها الطويلة مع ليبيا تفرض عليها أن تكون حاضرة بشكل مباشر: وهذا صحيح إلا أن وجود حدود طويلة مع دولة ما لا يمنحك الحق أبدًا باحتلال تلك الدولة، كما لا يمنحك ذلك الحق أبدًا بتصدير نموذج الانقلاب الذي تحكم به إلى تلك الدولة المجاورة، لأن التصرف من قبل الإدارة المصرية على هذا النحو، يعني أن السيسي شريك في الجريمة مع حفتر، ذلك المجرم الذي يقوم بارتكاب أشد أنواع الجرائم ضد شعبه.

إن النموذج الذي يسعى السيسي لفرضه في ليبيا على يد حفتر، لا يحمل أي قيمة ولا منفعة للشعب الليبي، بل يقومون بتنفيذ المجازر بحقه على مرأى ومسمع العالم، فضلًا عن اعتقاله ومطاردته واحتلال أراضيه.

الجلوس مع السيسي والأسد على الطاولة

عندما نقول لوسائل الإعلام المصرية التي اتخذت ذريعة من الاتفاق التركي-الليبي، لشنّ حملة عداء غير مسبوقة ضد تركيا؛ “إن تركيا ليست عدوًّا لأي دولة عربية أو مسلمة أيًّا كانت، وليس هناك أسباب تقتضي وجود هذا العداء بين البلدين، وأما عن الاتفاق الذي تم بين تركيا وليبيا، فتصوّروا أنه ذاته قد تم مع مصر”؛ فإننا نقصد الإشارة من ذلك للموقف غير العقلاني للنهج الانقلابي الذي يحكم مصر، ولو كانت هناك فعلًا إدارة عاقلة في مصر، لما راحت تتفق مع الروم واليونانيين، من أجل غاية واحدة واحدة وهدف واحد، هي النكاية بتركيا، ولو على حساب الإضرار بالمصالح المصرية.

إن النظام المصري الآن يقوم بعقد اتفاقات مع الآخرين على الرغم من أنها تضر بمصالح مصر، ولن تعود بأي فائدة عليها يوما من الأيام، علاوة على ذلك، إن الاتفاق التركي-الليبي، يعيد الحقوق التي قد تم سلبها من المصريين، عبر الاتفاق الذي عقده السيسي  باسم مصر مع اليونان وقبرص الرومية، وحينما قلنا ذلك؛ قفز العديد متحدثًا عن أننا نادمون على سياساتنا السابقة حتى الآن، وأننا أمام منعطف خطير، بل لم يتم الاكتفاء بهذا فحسب؛ فهناك من قدّم التوصية والنصحية بالجلوس حتى مع الأسد، بما أن المنعطف موجود، وباب التوبة لا يزال مفتوحًا، غريب أمرهم؛ كم يقدّمون قرابين من الأرواح من أجل الجلوس مع ديكاتوريين تتقاطر الدماء من أيديهم!

لا أخاطب الاعلام المصري

إن ما قلته سابقًا حيال مصر، ما قصدت به إلا مخاطبة الإعلام المصري، والشعب المصري، وما نقوله باسم تركيا، لا يحمل أي شعور عدائي تجاه الشعوب جميعها، سواء كان شعب مصر أو شعب ليبيا، بل إنه عبارة عن تذكير بالإرث التاريخي المشترك، والمصالح المشتركة بيننا، لكن ومع الأسف، يبدو أن النظام المصري لا يمثّل مصالح الشعب المصري ولا يفكر أن يمثلها، فثمة حقيقة ثابتة لا تتغير، هي أن الموقف التركي من السيسي والأسد، لا يعني أنه بأي شكل من الأشكال ضد الشعب المصري أو السوري، فأيّ طاولة سيتم الجلوس عليها مع الأسد، ذلك الظالم الذي لا تزال يديه تقطر دمًا، الذي قام ولا يزال يقوم حتى اليوم بارتكاب المجازر تلو المجازر بحق شعبه وأبناء جلدته، على أي شيء سيتم التفاوض خلال تلك الجلسة، وماذا سيُطلب منه أصلًا؟!

كذلك الانقلابيّ السيسي الذي لا توجد مكيدة ضد تركيا إلا وكان شريكًا فيها، والذي لا يثق بوعوده حتى مؤيدوه؛ على ماذا ستتفاوض معه تركيا؛ ولماذا؟

الذين يدعوننا للجلوس مع السيسي من حين لآخر، ألا يعلمون أنه لا يمكن الوثوق بأي شكل من الأشكال، بأحد قام بقتل رئيسه الشرعي المنتخب قتلًا بطيئًا في السجن، بعدما اختطفه لسنوات، وارتكب مجازر بشعة بحق شعبه، وسجن ما يقرب من مئة ألف معتقل سياسي حتى الآن، يذوقون كل يوم أشد أنواع التعذيب؟ إنْ كانوا هم يثقون بكلام ذلك الشخص، فإنهم قد وضعوا أنفسهم في موضع عدم ثقة، حيث يكونون بذلك فقط، قد تعرّوا مظهرين زيف ضميرهم وإنسانيتهم وأخلاقهم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه