أزمة فنزويلا.. لا أمل في الانفراج!

 

    عاشت فنزويلا الأسبوع الماضي أزمة حادة بخصوص انتخاب رئيس البرلمان وتحديد أعضاء مجلس إدارته. وقد أفضى النزاع الى وجود الجميع أمام نظامين: رئيسين للبرلمان ومجلسي إدارة. الأول يمثل نظام نيكولاس مادور، الرئيس الفينزويلي منذ 2013، والثاني يمثل المعارضة بقيادة “الرئيس المؤقت” خوان غوايدو. وفي الحقيقة لم ينقص المشهد الذي تناقلته الشاشات يوم التصويت سوى استعمال قوات الأمن السلاح ودخول البلد في حرب شوارع مفتوحة من قبل الجانبين.

   حتى تتضح ملامح المشهد، جدير بنا التعريف بالمعطيات الأساسية لفهم خطورة الأزمة. إذ إنه ومع موت الزعيم تشافيز في 2013، تبخرت بين ليلة وضحاها، صورة المجتمع الفنزويلي المتجانس والمتّحد على محبة الزعيم ودعم سياسته في إدارة البلد. ولم يفلح نائبه الذي خلفه، مادورو  في الاستمرار في الترويج لصورة البلد البطولية في الوقوف في وجه حصار المارد الأمريكي. ورغم أن المعارضة الفنزويلية كانت تناضل بصعوبة من الداخل والخارج، إلا أن جرعة الشجاعة زادت مع ترشح مادورو لانتخابات 2015 الرئاسية، ووجدت الأطماع الأمريكية منفذا أسهل لترويض شقّ لا بأس به من المعارضة. من ناحيته، تفرّغ مادورو لإدارة المرحلة بكثير من الحزم تجاه المعارضة بتحجيم وجودها في السلطة القضائية، باعتبار أن يد النظام الحديدية حافظت سطوتها في المجال الإعلامي والاقتصادي. وما المعركة التي عاشتها فينزويلا لتصويت نواب البرلمان الأحد 5 يناير لاختيار رئيس لهم إلا نتيجة لذلك.

التخلص من البرلمان:

     منذ 2015 عمل مادورو على هدف واضح، ألا وهو التخلص من البرلمان (الجمعية الوطنية حسب التسمية المحلية AN). لأنه يبقى النواة الوحيدة المُزعجة باعتبار تمركز المعارضة فيه. وفعلا التجأ في 2017 الى المحكمة العليا (الذراع القضائي لتشافيز سابقا) لإيجاد حيلة قانونية لإنهاء مهام البرلمان وإحالة مهامه الى المحكمة العليا، وواجهت هذه الخطوات رفضا وغضبا عارمين في الشارع الفنزويلي. بعد ذلك، وفي خرق واضح للدستور، تمّ تأسيس برلمان موازٍ (ANC) في أغسطس 2017، مكون من 500 نائب انتخبوا بناء على المحسوبية والانتماء لحزب مادورو وحلفائه. وأُعلن ديوسدادو كابيّو رئيسا له، الوجه السياسي المعروف، والذي تولى رئاسة فنزويلا في الفترة الفاصلة بين وفاة تشافيز وتنصيب مادورو.

    رغم هذا، واصل البرلمان برئاسة غوايدو عمله، وعندما أعلن النظام فوز مادورو في رئاسية 2019، رفض البرلمان ذلك واعتبره “استيلاء” على الحكم وقاد غوايدو حملة تمرد كبرى لكسب دعم الداخل والخارج. وكان له ذلك، وتُوّج رفضه بتنصيبه “رئيسا مؤقتا” مقابل مادورو، مُستندا الى شرعية الشارع الغاضب والاحتجاجات الدامية التي اجتاحت البلد من ناحية، وعلى الدول التي اعترفت به وعلى رأسها الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأروبي واتحاد مجموعة ليما، ما يقارب 50 دولة عموما…

برأسين:

     واستمرت السلطة القضائية برأسين، بل وبمزيد من التصعيد من الطرفين الى حدود 05 يناير الجاري، الذي يمثل تاريخ إعادة انتخاب رئيس البرلمان. مع الإشارة الى أنه وخلال هذه السنة، استمر مادورو في إصراره على تحقيق هدفه المذكور سابقا، ألا وهو التخلص من البرلمان الذي يقوده خصمه، في ظل وجود السلطة القضائية الموازية. فكان الأمر أن تجند لملاحقة النواب المعارضين بشكل يجعل البرلمان في هذه الانتخابات منقوصا وهو ماسيدحض مشروعية التصويت لتجديد انتخاب رئيسه. لكن برلمان غوايدو، تصدّى لهذه الخطة وصوّت مؤخرا لصلاحية تصويت النواب اللاجئين الى الخارج، عن بعد من أجل ضمان نتيجة يوم 05 يناير.

لم ييأس نظام مادورو وجنّد نوابه في برلمان غوايدو (50 من 167) للتصويت لمرشّحهم الخاص، لويس بارا رئيسا للبرلمان، وبهذا يكون قد استحوذ على هذا الكيان التشريعي للتمكن من حلّه لاحقا. في الوقت ذاته، طوّقت قوات الأمن النظامية المبنى ومنعت غوايدو ونوابه من الدخول لحضور التصويت، إلى درجة أن وسائل الإعلام تداولت صورة غوايدو يتسلق سور البرلمان للفت نظر العالم للأسلوب الديكتاتوري الذي توخّاه مادورو في حسم المعركة. أسلوب لم يرُق حتى لحلفائه في المكسيك والأرجنتين ولم يباركوا الى اليوم هذا التنصيب.

    والواضح أن المعارك السياسية لاتعرف اليأس في فنزويلا. فقد استمات غوايدو وبقية النواب المعارضين في التجمع واللجوء الى مقر جريدة قريبة من البرلمان، واستحضروا المُبعدين افتراضيا، عن طريق الانترنت، وجمّعوا 100 صوت لتجديد انتخاب غوايدو رئيسا للبرلمان. وتعمد نظام مادورو قطع الكهرباء على المبنى خلال الاجتماع، لكن الحاضرين واصلوا الجلسة والتصويت على أضواء الهواتف النقالة وألقى غوايدو القسم في هذه الأجواء.

الدعم المشبوه

     تعبّر النتيجة التي وصل إليها الطرفان، بوضوح على مستوى استماتة كل منهما في التشبث بالأحقّية في إدارة فنزويلا، وتُنذِر بتصعيد مُحتمل لن يصبّ في مصلحة أحد. وخير دليل على ذلك تصريح مادورو باستعداده تسليح 12 مليون فرد في شكل مليشيات لحماية المدن من أي تدخل خارجي قبل الخامس عشر من فبراير المقبل، علما بأن عدد الفنزويليين بالداخل انخفض الى حوالي 25 مليونا، بسبب موجات الهجرة المكثفة مؤخرا. لغة تهديد ووعيد يستمر في استخدامها مادورو لترويع المعارضة وكتم صوت كل مواطن مُتذمّر من الفقر المدقع وسياسة التفرقة الاجتماعية القائمة على أساس الانتماء السياسي.

       رغم ارتباط معارضة غوايدو بالدعم الأمريكي المشبوه ووسمها بالوصوليّة والعمالة للخارج، إلا أن سوء أسلوب مادورو في إدارة الشأن الداخلي والخارجي معا والتعلل بالمؤامرة الأمريكية إزاء فشله الذريع، يكاد يُفضي الى ترجيح كفّة المعارضة في استعطاف الرأي العام العالمي فقط لمجرد زحزحة نظام مادورو الصّلب.

 

 

    

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه